يرسم تقرير ميونيخ للأمن صورة قاتمة عن الأمن العالمي عكسها عنوان “الهاوية – والعودة؟”، في إشارة إلى الوتيرة المتصاعدة من حالة انعدام الأمن. وقدم رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن فولفجانج إشينجر، التقرير مشيرا إلى أن العالم أصبح أكثر قربا من حافة الصراعات المسلحة الثقيلة.
وستكون مواضيع التقرير وتحذيراته محل دراسة ومتابعة فعاليات الدورة الـ54 من مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا، التي انطلقت الجمعة، بتمثيل دولي كبير يعكس أهمية القضايا الساخنة والملفات الشائكة التي يسلط عليها المؤتمر الضوء على مدى ثلاثة أيام (18-16 فبراير).
ويتناول المؤتمر، الذي يعد نقطة التقاء رؤساء أجهزة المخابرات في العالم ويشارك فيه رؤساء 21 دولة وحكومة، وأكثر من 80 وزير خارجية ودفاع، فضلا عن أكثر من 600 مدعو من مدراء رفيعي المستوى في شركات عالمية وأكاديميين وممثلي منظمات مجتمع مدني، قضايا الشؤون الخارجية والأمنية والتحالف عبر الأطلسي والدفاعية ونزع الأسلحة والأزمة السورية ومستقبل الاتحاد الأوروبي وعلاقات الاتحاد الأوروبي مع كل من روسيا والولايات المتحدة، والنزاعات في الشرق الأوسط والأزمة الخليجية، فضلا عن قضايا الأمن السيبراني والبرنامج النووي لكوريا الشمالية.
محفز الحرائق
سبقت افتتاح فعاليات المؤتمر أحداث عسكرية وزيارات دبلوماسية وتصريحات رسمية قدمت صورة عما قد يثار من جدل على طاولة الحوارات، من ذلك حديث فولفجانج إشينجر الذي وصف فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه “يتصرف مثل محفز للحرائق”. وأضاف إشينجر في تصريحات لمجلة أويرو الألمانية، عشية انعقاد المؤتمر، أن العالم صار أكثر اضطرابا بسبب تراجع الولايات المتحدة المتزايد عن دورها كقوة ضابطة، وقال “هذا تسبب في زعزعة النظام الدولي”، مشيرا إلى أن هذا التطور بدأ منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج دابليو بوش.
رجل الأعمال الألماني كارل فيرتاج يعلن خلال ندوة في ميونيخ حول قطر وتمويل الإرهاب عن سحب استثماراته من الدوحة
وذكر أن تراجع الولايات المتحدة عن دورها كقوة ضابطة، يتطلب من ألمانيا وأوروبا سياسة أمنية مشتركة، وقال “يتعين علينا التدخل”، معربا عن دعمه لمقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الداعي لثقافة استراتيجية مشتركة. كما أكد إشينجر على ضرورة أن ينتهج الاتحاد الأوروبي سياسة موحدة خاصة في التعامل مع دول مثل الصين.
وكرر إشينجر الحديث عن أهمية إصلاح الاتحاد الأوروبي، ودور ألمانيا وفرنسا في تحقيق ذلك، في تصريحات متزامنة لصحيفة بيلد الألمانية، موضحا أنه يمكن للاتحاد الأوروبي أن يصبح أقوى فقط عند اتخاذ القرارات بالأغلبية.
وقال “طالما أن كل دولة صغيرة بإمكانها إعاقة انتهاج سياسة خارجية مشتركة عبر حق النقض (الفيتو)، فسيلعب الاتحاد الأوروبي دورا ثانويا فقط في حل أزمات دولية، مثل الأزمة في سوريا الآن”، متهما الاتحاد الأوروبي بالإخفاق في سياسته تجاه الشرق الأوسط.
وقال إشينجر إن “الاتحاد الأوروبي يمثل 500 مليون شخص، كما أنه بالنسبة للكثير من الدول أهم شريك تجاري، لكنه يخفق في السياسة الخارجية – وأيضا في الشرق الأوسط”.
وذكر أنه بدلا من التنسيق بين الدول الأعضاء في الاتحاد، يذهب كل رئيس حكومة أوروبية ووزير خارجية بمفرده إلى الدول التي تعاني من أزمات بأجندة خاصة، وقال “ليس لدينا استراتيجية للشرق الأوسط، نحن نقوم بسياحة في البلدان التي تمر بأزمات”.
وخلال الجلسة الافتتاحية، جدد إشينجر الحديث على ضرورة بناء الثقة ودعم الأمن والسلام خلال المؤتمر. وقال، في كلمته “نحن بحاجة لبناء الثقة ودعم الأمن والسلام لأن العالم يعاني أزمات كبيرة وقدر كبير من عدم الاستقرار”، فيما طالبت وزيرة الدفاع الألمانية، أرسولا فون در لاين، بوضع الأساس لنظام دولي تعاوني لمواجهة التحديات الراهنة.
وقالت “لقد تعلمنا جميعا درسا صعبا من أزمة اللاجئين”، في إشارة إلى دخول مليون لاجئ القارة الأوروبية في العام 2015، قادمين من دول أبرزها سوريا والعراق وأفغانستان، هربا من النزاعات المسلحة والأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وأضافت “ماذا يفيد عائلة في مدينة الموصل (شمالي العراق)، تحرير المدينة من تنظيم (داعش) إذا تركناها بمجاعة. يجب تأسيس نطام دولي تعاوني”.
ومضت “بعد الفترة الأكثر ظلاما في التاريخ الألماني (الحكم النازي) لم يعطينا الأميركيون ظهرهم، ولكن قدموا لنا خطة مارشال”، في إشارة لخطة دعم الاقتصاد الألماني بمساعدات مالية أميركية. واستطردت “كان ذلك أيضا نابعا من رؤية لتحقيق أمن الولايات المتحدة”.
وشددت فون دن لاين، على ضرورة تسريع وتيرة تحقيق التكامل الأوروبي، مضيفة، أن “الدول التي تعارض تسريع التكامل لا يجب أن تعيق البلدان التي تؤيده”، فيما قالت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بيرلي، في كلمتها أمام المؤتمر، إن “تحالفنا مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) لا غنى عنه في ضوء التطورات الحالية في العالم، ويجب أن نعمل كل ما في وسعنا لتقويته”. وأكدت بيرلي على أن تحقيق التكامل الأوروبي ضرورة وليس رفاهية.
وناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المجتمع الدولي التكاتف في مواجهة الأزمات الخطيرة والمشكلات العالمية. وقال، في كلمته، إنه لا يمكن حل “التحديات التي تواجهها الإنسانية” إلا سويا وبشكل موحد. ودعا بصفة خاصة للتعاون في مكافحة تحول المناخ والإرهاب على مستوى العالم وكذلك لمواصلة تعزيز المساعي من أجل حل الأزمات مثل الأزمة في الشرق الأوسط أو اليمن أو في شبه الجزيرة الكورية.
مواجهة إيران
تفرض أحداث الشرق الأوسط نفسها دائما في المؤتمر. وتعتبر التطورات الأخيرة في الشأن السوري أهم موضوعات المؤتمر، مع التركيز على دور إيران في وسوريا والمنطقة عموما.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استبق مشاركته بإثارة الجدل بحديثه عن أن “إسرائيل ستبقى في هضبة الجولان السورية التي احتلتها عام 1967 إلى الأبد”. وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن نتنياهو قال للأمين العام للأمم المتحدة، على هامش مؤتمر ميونيخ في ألمانيا، إن “هضبة الجولان ستبقى بيد إسرائيل إلى الأبد”.
وأضاف نتنياهو “إن إسرائيل لن تسمح لإيران بالتموضع عسكريا في سوريا”. وتابع “يجب على إيران ألا تبني قواعدها في سوريا، نحن سنعمل ضد ذلك”.
وسبق أن بدا أعلن مكتب نتنياهو أنه يعتزم تقديم ما اعتبره أدلة حول تورط إيران في الأحداث الأخيرة التي وقعت في هضبة الجولان على الحدود الشمالية لإسرائيل مع سوريا. وقال مكتب نتنياهو إن رئيس الوزراء الإسرائيلي “سيؤكد إصرار البلاد على الدفاع عن نفسها بقواها الذاتية من أي تهديد كان ودون أي قيود”.
بالإضافة إلى تقرير نتنياهو، استقبلت إيران، التي يمثلها وزير خارجيتها جواد ظريف، في ميونيخ مظاهرة شارك فيها إيرانيون لإعلان تضامنهم مع انتفاضة الإيرانيين ورفضهم لسياسة بلادهم التي تجوّع الإيرانيين في الداخل فيما تصرف أموالهم على تمويل جماعات وميليشيات لا علاقة لمواطن الإيراني بها، بل إن هذه السياسة تسببت في عزله وفقره معا.
ويتعقّد الوضع بالنسبة لإيران على خلفية الحديث الأخير للمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي التي جددت عشية انعقاد مؤتمر ميونيخ، الحديث عن ضرورة التحرك ضد إيران. وقالت السفيرة الأميركية الخميس إن “الوقت حان لكي يتحرك مجلس الأمن ضد إيران بعد نشر تقرير لخبراء من الأمم المتحدة أفاد أن إيران انتهكت الحظر المفروض على إرسال أسلحة إلى اليمن”. وأكدت “لا يمكن للعالم أن يستمر في ترك هذه الانتهاكات الصارخة دون ردّ”.
أيضا، من الأحداث التي سبقت افتتاح المؤتمر وجلبت الاهتمام، جلسة عقدت الخميس في ميونيخ، تم خلالها الحديث عن “مكافحة دعم قطر وتمويلها للإرهاب”. وشارك في اللقاء خبراء قانون أوروبيون وعرب. وتم خلاله عرض مجموعة من الصور واللقطات التي قال المنظمون إنها تشكل إدانة لقطر.
وأكد ولف هوفلش، المحامي الفرنسي والخبير في الدراسات الأمنية الأوروبية، أنه “سيتقدم لإدارة مؤتمر ملاحقة إرهاب قطر، بمذكرة تتضمن دعوى لمنع دخول أفراد بالعائلة الحاكمة في قطر إلى دول الاتحاد الأوروبي لتورطها في هجمات باريس الإرهابية”، فيما أعلن رجل الأعمال الألماني كارل فيرتاغ عن سحب استثماراته من قطر، التي يمثلها في مؤتمر ميونيخ للأمن الشيخ تميم بن حمد آل الثاني، لـ”دعمها الإرهاب في أوروبا”، بالتزامن مع تحريك مجموعة من المحامين الألمان دعاوى قضائية ضد نظام الدوحة لذات السبب.