ما بعد الضربة.. هل استنفدت واشنطن أسلحتها بسوريا؟

ما بعد الضربة.. هل استنفدت واشنطن أسلحتها بسوريا؟

خلال ساعة واحدة أعادت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أسلحتها إلى مكامنها إثر ضربة سريعة على سوريا، معلنة تحقيق كامل أهدافها. ونثرت الظروف المتعلقة بالعملية العسكرية الخاطفة تساؤلات حول جدوى هذه الضربات، وخيارات الدول الغربية المقبلة في مواجهة التفرد الروسي بالملف السوري.

وتساءلت الصحف الغربية والأميركية الكبرى عن الذي أنجز، ردا على تغريدة للرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن المهمة أنجزت، مستعيرا مصطلح الرئيس الأسبق جورج بوش بعد احتلال العراق عام 2003. كما تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن تلك المهمة.

في تحليلها للضربة وظروفها وتبعاتها، اعتبرت صحيفة “واشنطن بوست” أن ما يحصل هو “دراما نفسية معقدة”، باعتبار أن ترمب يحاول أن يبدو قويا ومتماسكا في سوريا عبر الضربات، بينما هو يخطط للانسحاب منها في غضون الأشهر المقبلة.

وترى الصحيفة أن معضلة الرئيس ترمب هي غياب إستراتيجية مدروسة في سوريا، مشيرة إلى أنه إذا تجاهل الأسد ضربة السبت المتواضعة واستخدم مجددا أسلحة كيميائية، سيواجه ترمب خيارا صعبا وأزمة قد تتصاعد وتجر الجيش الأميركي إلى فوضى كان ترمب قد عبر عن رغبته في الخروج منها، لكنه لم يرد بالمقابل أن يظهر ضعيفا، على حد قول الصحيفة.

هل تكون الأخيرة؟
على الصعيد العملياتي بدت الضربة الثلاثية موجهة لإجهاض قدرات الأسد على تصنيع سلاح كيميائي تقول دمشقإنها تخلصت منه ومن أدوات تصنيعه منذ سنوات، مؤجلة هذه القدرات لسنوات على حد تعبير وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس. لكن هذه الضربة لا بد لها من توابع عسكرية أو سياسية لتحقق غاياتها في سوريا، وفق صحيفة لوموند الفرنسية.

ويقرأ بعض المتابعين في هذه الضربة الثلاثية أن الدول الغربية بدأت تبني الخيار العسكري في سوريا، لتبعث رسائل حاسمة متعددة الأبعاد إلى روسيا وإيران والنظام قوامها العودة إلى الميدان السوري بقوة لضمان مصالحها ودورها في تشكيل مستقبل هذا البلد.

وراعت الضربة التوازنات العسكرية بعدم استفزاز روسيا وعدم التعرض للقوات والمواقع الإيرانية التي تتكفل بهاإسرائيل عبر غاراتها الأخيرة، ولم تكن كما أوحت التهديدات ضربة شاملة تكسر التوازنات الميدانية وتزعزع أركان النظام وتفرض أوراق حل وأوراقا بديلة، لكنها بعثت برسائل للنظام وحلفائه وخاصة موسكو.

ويرتبط توقيت الضربة وملابساتها بالصراعات الدولية في سوريا وخارجها، إذ كانت الرسالة لروسيا واضحة بشأن عودة الدول الغربية موحدة عسكريا وسياسيا بمواجهتها، وأتبعت تلك الرسالة باستعمال الدول الثلاث لأحدث صواريخها في عملية القصف، في رد على خطاب لبوتين قبل نحو شهر استعرض فيه أسلحة متقدمة لبلاده.

رهانات ترمب وحلفائه حاليا تقوم -وفق محللين- على الضغط العسكري و”عامل السلاح الكيميائي”، عبر تنفيذ ضربات أخرى بنفس المقاييس على مواقع النظام كلما وردت تقارير عن استعمال هذا السلاح، وهو ما يمكن أن ينتج تراجعا من النظام وروسيا باتجاه الحل السلمي.

وقد تعمل واشنطن على أساس مبدأ أن تحريك الميدان عسكريا عبر الضربات الأخيرة والتهديد بالتدخل كلما لزم الأمر -بعد أن تطور بشكل لافت في الشهر الأخيرة لفائدة النظام وروسيا- يمكن أن يفتح المجال أمام تفعيل المسار السياسي بشروط أقل من النظام وموسكو، لكن تلك الضربات محكومة بمحاذير يصعب تجاوزها.

ووفقا لمحللين عسكريين، فإن واشنطن وحلفاءها تكثف ضغوطها للحفاظ على “الستاتيكو” الميداني وردع النظام وحلفائه عن حسم الجبهات القريبة من العاصمة في القلمون الشرقي وكذلك في القنيطرة ودرعا باعتبار أهميتها العسكرية بعد فقدان المعارضة للغوطة الشرقية، ودورها في حسم الأزمة عسكريا وسياسيا لفائدة النظام.

العودة إلى السياسة
وكانت تقارير نشرتها صحف أميركية قد أشارت إلى أن واشنطن تعمل على الفصل بين الإيرانيين ونظام الأسد و”إعادة تأهيل” الأخير كجزء من النظام المقبل، وهو ما لا ترفضه روسيا أيضا، على أن يكون ذلك عبر مفاوضات جنيف معدلة.

وفي ظل التوازنات العسكرية والسياسية والوجود الروسي الكثيف في سوريا، فإن الدول الغربية تسعى لإقناع روسيا أو دفعها إلى إعادة الاعتبار لمسار جنيف للحل السياسي بدلا عن مساري أستانا وسوتشي اللذين يتمان برعاية روسية ويحظيان بدعم تركيا وإيران.

وتراهن الدول الغربية على استثمار التململ التركي الأخير تجاه روسيا -تصريحات سيرغي لافروف حول تركيا وعفرينوترحيبها بالضربة الأخيرة لجذبها إلى خياراتها، وزحزحة فكرة وجود الأسد في مستقبل الحل السياسي لسوريا لدى روسيا.

ودعت باريس إلى إعادة إحياء مسار مفاوضات الحل في سوريا بعيد الضربات التي وجهتها مع لندن وواشنطن إلى مواقع للنظام بدمشق وحمص، ويمكن أن تبلور زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون المقررة إلى موسكو أواخر مايو/أيار القادم هذا الاتجاه.

وكان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قال بعيد العملية العسكرية، إن الوقت قد أزف لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا، والتوصل إلى حل سياسي على قاعدة بيان جنيف (يونيو/حزيران 2012)، لكن النظام وروسيا يريان أن الزمن قد تجاوزه بعدما أخرج المعارضة المسلحة من المدن الكبرى آخرها الغوطة الشرقية.
وتظل معطيات الحل السياسي الذي يُفترض أن يلي الخيار العسكري محكوما بمفاعيل الميدان وبالتوازنات بين الغرب وروسيا وما يتخللها من اشتباكات وانفراجات، لكن واشنطن وحلفاءها زجوا بأسلحتهم الأخيرة في سوريا، بانتظار حصد نتائج غير مضمونة.
زهير حمداني
الجزيرة