“وزير خفض التكاليف”: كيف يستفيد إيلون ماسك من إدارة ترامب الجديدة؟

“وزير خفض التكاليف”: كيف يستفيد إيلون ماسك من إدارة ترامب الجديدة؟

يبدو أن إيلون ماسك هو النجم الجديد الذي سوف يولد في إدارة دونالد ترامب، هكذا قال الرئيس الأمريكي الـ47 في مؤتمر إعلان فوزه بالانتخابات الأمريكية 2024. ومن المحتمل أن يقوم ماسك بوظيفتين رئيسيتين في إدارة ترامب، الأولى هي رئاسة لجنة معنية بتقليل الهدر في الإنفاق الحكومي، حيث صرح ترامب في إحدى مقابلاته أن ماسك قد يكون وزير خفض التكاليف (Secretary of Cost Cutting). ووفقاً لتصريحات ترامب، فإن هذه اللجنة ستعمل على إجراء مراجعة شاملة للحسابات والأداء المالي للحكومة الفدرالية؛ بهدف القضاء على الاحتيال والمدفوعات غير السليمة خلال ستة أشهر من إنشائها.

أما الوظيفة الثانية فهي مساعدة أمريكا على الوصول إلى المريخ بحلول عام 2028، وهو النصر الذي يطمح ترامب في تحقيقه حتى يهزم الصين حسبما يقول، يأتي هذا الطموح مدعوماً بمشروع “أرتميس” الذي يهدف لإنزال بشري جديد على القمر بحلول عام 2026، ويؤدي فيه إيلون ماسك دوراً مهماً من خلال شركته “سبيس إكس” (SpaceX).

هذا التقارب بين ترامب وماسك ليس جديداً، حيث كان ماسك عضواً في بعض المجالس الاستشارية التي أنشأتها إدارة ترامب السابقة. ففي عام 2017، انضم ماسك إلى “مجلس المستشارين الاقتصاديين” وكذلك إلى “مجلس الوظائف” كعضو غير رسمي، وكان الغرض من هذه المجالس هو تقديم المشورة للرئيس حول موضوعات اقتصادية وتجارية؛ ومع ذلك، استقال ماسك من هذه المجالس الاستشارية بعد إعلان الرئيس ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ؛ إذ أعرب ماسك عن رفضه للقرار ورغبته في دعم الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.

وإذا كان ترامب سيستفيد من إيلون ماسك في خفض التكاليف، وفي إنجاز جديد لإدارته بالوصول إلى المريخ أو حتى إرسال إنسان آخر على القمر، فكيف سيستفيد إيلون ماسك من ترامب بعد أن دعم حملته الانتخابية بأكثر من 118 مليون دولار؟

إمبراطورية ضخمة:

يمتلك إيلون ماسك إمبراطورية صناعية ضخمة، سواء من خلال شركة “سبيس إكس” (SpaceX) التي تسعى للوصول إلى المريخ، وأن تحتكر عملية النقل في الفضاء الخارجي بصاروخها الجديد “سوبر هيفي” (Super Heavy)، وشركته “تسلا” (Tesla) الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية والسيارات ذاتية القيادة والروبوتات المنزلية، وشركته (The Boring Company) التي تسعى لتغيير مفهوم التنقل على الأرض من خلال أنفاق ضخمة مفرغة الهواء تتحرك فيها قاطرات “الهايبرلوب” بمسارات تقترب من سرعة الصوت، وشركة “نيورالينك” (Neuralink) التي تهدف إلى تطوير تكنولوجيا زرع الرقائق في الدماغ لربط العقل البشري مباشرة بالحواسيب؛ مما يساعدها على تطوير تقنيات تساعد في علاج بعض الحالات الطبية وتحسين القدرات البشرية. هذا بخلاف استحواذه على موقع تويتر، والذي أطلق عليه اسم (X) ويطمح من خلاله إلى بناء منصة متكاملة، وليس فقط موقعاً للتواصل الاجتماعي.

كما أن لـماسك اهتمامات أخرى مثل العملات المشفرة، وقد أدى دوراً بارزاً في زيادة شهرتها وتأثيرها من خلال تصريحاته وتغريداته التي تسببت في إرباك الأسواق وإجراء تغييرات حادة في قيمة العملات المشفرة. على سبيل المثال، أعلنت شركة “تسلا” في أوائل عام 2021 عن شراء “بيتكوين” بقيمة 1.5 مليار دولار، مما ساعد على زيادة شرعية “بيتكوين” في الأسواق، وأعلن ماسك أن شركة “تسلا” ستقبل الدفع بعملة “بيتكوين” كوسيلة لبيع سياراتها، حينها ارتفعت أسعار “بيتكوين” بشكل كبير، لكنه عندما تراجع عن هذا القرار بسبب المخاوف البيئية المتعلقة باستهلاك الطاقة، انخفضت أسعار “بيتكوين” بشكل حاد، كما أن ماسك من أشد المؤيدين لعملة “دوجكوين” (Dogecoin)، وهي عملة مشفرة بدأت كمزحة، لكن من خلال تغريداته المتكررة حول “دوجكوين”، أسهم في رفع قيمتها وجعلها أكثر شهرة.

هذا بخلاف اهتمامه بالذكاء الاصطناعي، حيث كان إيلون ماسك أحد مؤسسي شركة “أوبن إيه آي”(OpenAI) في عام 2015، التي طورت تطبيق (Chat GPT) الشهير، لكن سرعان ما ظهرت خلافات بين ماسك وإدارة “أوبن إيه آي”؛ مما أدى إلى انسحابه من الشركة، حيث كانت رؤية الشركة في البداية تهدف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل آمن ومفتوح للجميع، لكن أدى قرار الشركة بتحويل جزء منها إلى نموذج ربحي محدود لجذب التمويل إلى انسحاب ماسك باعتبار ذلك خروجاً عن المبادئ التي تأسست عليها. ورغم ابتعاده عن “أوبن إيه آي”، لم يتوقف اهتمام ماسك بتطوير الذكاء الاصطناعي. ففي عام 2023، أسس ماسك شركة جديدة للذكاء الاصطناعي تحت اسم “إكس إيه آي” (xAI) بهدف تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي توليدي قد تنافس النماذج الحالية.

في الحقيقة، فإن خطط ماسك تتجاوز تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ فهو يعمل على دمج قدرات الذكاء الاصطناعي في منتجاته الحالية. فعلى سبيل المثال، تعتمد “تسلا” على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء السيارات الذاتية القيادة، وقد يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في تطوير منصة (X) (تويتر سابقاً) وإضافة خصائص جديدة تلائم احتياجات المستخدمين. ولتحقيق هذه الأهداف، استثمر ماسك في البنية التحتية اللازمة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك شراء وحدات معالجة رسومية متقدمة وبناء حواسيب ضخمة يتم استخدامها في عملية تدريب نظم الذكاء الاصطناعي.

مكاسب محتملة:

هذه الإمبراطورية الضخمة التي أسسها إيلون ماسك وجعلت منه أغنى شخص على وجه الكوكب، ما زالت تواجه تحديات كبيرة، سواء أكانت تنظيمية وقانونية أم مالية ولوجستية، أم تحديات المنافسة والتوسع الخارجي، وتحتاج إلى دعم حكومي كبير حتى تتمكن من تحقيق أهدافها التي لم تتحقق بعد.

فالطريق ما زال طويلاً أمام الوصول إلى المريخ، ويحتاج إلى دعم كبير من المؤسسات الحكومية الأمريكية، وإنشاء شبكة ضخمة من أنفاق “الهايبرلوب” يحتاج إلى تمويل حكومي ضخم وإجراءات تنظيمية وقانونية، والتشريعات الخاصة بتطوير الذكاء الاصطناعي وتنظيم عملية سير السيارات ذاتية القيادة في الشوارع ما زالت في مهدها، والقيود الصحية المفروضة على عمليات شركة “نيورالينك” معقدة للغاية. وهنا تتضح احتياجات إيلون ماسك من إدارة ترامب، والتي قد يحقق من خلالها عدة مكاسب، هي:

– تخفيف القيود التنظيمية والقانونية: تُعد اللوائح التنظيمية من أبرز التحديات التي تواجه شركات ماسك، خاصة فيما يتعلق بالسيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي والفضاء. فعلى سبيل المثال، تتطلب مشروعات مثل: “تسلا” و”ذا بورينغ كومباني” الحصول على تراخيص محلية وفدرالية لبناء البنية التحتية للسيارات الكهربائية والأنفاق؛ مما يعوق تقدم هذه المشروعات في بعض الأحيان، وهنا يمكن لإدارة ترامب، المعروفة بدعمها لتخفيف القيود التنظيمية، أن تسهم في تسهيل بعض المتطلبات القانونية والتراخيص اللازمة؛ مما يمكن شركات ماسك من تنفيذ خططها بشكل أسرع وأكثر مرونة.

– تخفيف قوانين المناخ والبيئة: تواجه شركات ماسك أيضاً ضغوطاً بيئية، حيث إن “تسلا” و”سبيس إكس” معنيتان بتحقيق التوازن بين الابتكار وتقليل البصمة الكربونية، وقد كانت إدارة ترامب السابقة تميل إلى تقليل القوانين المتعلقة بالمناخ والبيئة، وقد تستمر في هذا النهج؛ مما قد يتيح لماسك مزيداً من الحرية في استخدام الطاقة وتحقيق التوسع، وقد تستفيد شركة “سبيس إكس” من هذا تحديداً، خاصة أنها تحتاج إلى وقود صاروخي بكميات كبيرة؛ وهو ما قد يكون صعباً في ظل بعض اللوائح البيئية الصارمة.

– توفير التمويل والدعم المالي: تُعد مسألة التمويل من التحديات المستمرة، خصوصاً في مشروعات تتطلب استثمارات ضخمة مثل مشروع “ستارشيب” (Starship) لاستكشاف الفضاء الذي تديره “سبيس إكس”، وإذا دعمت إدارة ترامب مشروعات الفضاء، فقد تحصل “سبيس إكس” على عقود حكومية أو دعم مالي؛ مما سيسهم في تخفيف العبء المالي وتحقيق أهدافها الطموحة. كذلك، قد تساعد سياسات ترامب في تخفيف الضرائب على الشركات؛ مما يزيد من الأرباح ويساعد ماسك على تمويل مشروعاته المستقبلية.

– الوصول إلى التكنولوجيا المتطورة: تواجه شركات ماسك أيضاً منافسة كبيرة في مجالات الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية والفضاء، حيث تسعى العديد من الشركات الكبرى إلى تطوير تقنيات مماثلة، وقد يستطيع أن يحصل على دعم من إدارة ترامب للوصول إلى بعض التقنيات غير المتاحة للشركات الأخرى، خاصة تلك التي تطورها وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” أو يتم تطويرها في مختبرات الجيش الأمريكي.

– التوسع الدولي والسياسات التجارية: تواجه شركات ماسك تحديات كبيرة في الأسواق الدولية، خاصة في ظل التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وبعض الدول مثل الصين. فسياسات ترامب التجارية قد تكون سيفاً ذا حدين؛ فبينما قد تسهم في حماية السوق الأمريكية، إلا أنها قد تفرض قيوداً على “تسلا” و”سبيس إكس” في الوصول إلى الأسواق العالمية؛ لذا قد يسعى ماسك للحصول على دعم من ترامب لضمان استمرار التعاون التجاري مع دول أخرى أو الحصول على استثناءات من بعض القيود.

في المجمل، يمكن لماسك أن يستفيد من إدارة ترامب الجديدة بصورة كبيرة، خاصة أن هناك مجموعة من السمات المشتركة بين ترامب وماسك تجعل فرص تحقيق هذا التعاون ممكنة، فكلاهما رجل أعمال معني بالربح والصفقات، وكلاهما شخصية معروف عنها التقلب في المزاج وعدم الاستقرار، كما أن كلاً منهما يحب الظهور الإعلامي والحديث لوسائل الإعلام، هذه الصفات المشتركة قد تجعل الخلافات بينهما محدودة والتفاهمات على تحقيق الأهداف أكبر، ومع حصول ترامب على دعم الجمهوريين سواء في مجلس النواب أم مجلس الشيوخ أم المحكمة العليا؛ فإن ماسك يملك فرصاً أكبر لتحقيق أهدافه من إدارة ترامب.