يواصل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حربه ضد الفلسطينيين بشكل واضح عبر المزيد من الإجراءات والقرارات المثيرة للجدل التي تهدف إلى هدم أركان القضية الفلسطينية، بدءا من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة إلى وقف تمويل وكالة إغاثة الفلسطينيين التابعة للأم المتحدة بهدف إلغاء حق العودة في نهاية المطاف.
ويحاول ترامب، وفقا لما قاله العديد من المحللين الأمريكيين، انكار وضع اللاجئ لحوالي 90 في المئة من الفلسطينيين، بحيث يبقى عدد قليل جدا من المسنين الذين يحق لهم العودة، ولكي ينجح في هذا المخطط الذي جاء بدفع من ممولين وأنصار لديهم موالاة تامة لإسرائيل، فقد حاول ترامب بكل جهد إلغاء تمويل الأونروا وإلغاء تسجيل خمسة ملايين من اللاجئين.
ولم يواجه ترامب مقاومة لائقة عند اتخاذه لهذا القرار، باستثناء التعليقات الفلسطينية الغاضبة، وعلى النقيض من ذلك، تبرع العديد من المحللين والسياسيين الأمريكيين بالدفاع عن قرار ترامب بشأن الأونروا بطريقة تثير علامات الاستفهام، إذ يتم انتقاده بشكل يومي وصارخ من جميع الأطياف السياسية والحزبية الأمريكية، ولكن عندما يأتي ذكر إسرائيل فان الأصوات تصمت.
من الواضح، ان جاريد كوشنر، صهر ومستشار ترامب، كان لديه دور كبير في دفع ترامب لاتخاذ هذا القرار، واهتمامات كوشنر ليست غامضة، فهو يسارع الوقت لتنفيذ الأجندة الإسرائيلية في عهد ترامب. قد كشفت رسائل البريد الالكتروني عن جهود سابقة لكوشنر من أجل تعطيل الأونروا بأي شكل، وقال بصراحة في رسالة بريدية بانه لا يمكن الحفاظ على استقرار الأمور، وأنه يجب المخاطرة في الاستراتيجية الأمريكية لكسر الأشياء.
وساهم مبعوث السلام المزعوم الثاني لترامب، جايسون غرينبلات، بدور كبير أيضا للقضاء على الأونروا، حيث أوضحت الوثائق الحكومية الأمريكية ان كبيرة المساعدين في مكتبه، قد بعثت برسالة عاجلة إلى موظفي الأمن القومي في البيت الأبيض تخبرهم ان الإدارة الأمريكية تدرس طريقة للقضاء على وكالة الأمم المتحدة للغوث وذلك بعد ساعات من تاكيد هيذر نويرت، السكرتيرة الصحافية لوزارة الخارجية الأمريكية.
وكان للمحامي الشخصي لترامب، جاي سيكولو، الدور في اختراع الحجج التي تدعم إجراءات ترامب ضد اللاجئين الفلسطينيين إذ زعم سيكولو، وهو ناشط مناهض معروف ضد الفلسطينيين، بان الوقت حان لإعادة تعريف اتفاقية اللاجئين.
وتراجع ترامب عن الالتزام الأمريكي السابق بتقديم 300 مليون دولار إلى الوكالة بحجج واهية ضمن سياسة معروفة تقوم على تجاهل القانون والتفاهمات الدولية والالتزامات الأممية.
وسارعت الإدارة الأمريكية إلى تقديم حجج تمت صياغتها من قبل الحركة الصهيونية لكي تبرر خطوتها ضد وكالة الأمم المتحدة، بما في ذلك القول ان الوكالة تقوم بدعم المطلب الفلسطيني بحق العودة، الذي تزعم واشنطن في الوقت الحاضر انه مصمم للقضاء على إسرائيل.
الهدف الحقيقي لإجراءات الإدارة الأمريكية، وفقا لما قالته مارلين غارسون، مؤسسة جمعية «بوابة غزة» هو القضاء على قضية اللاجئين بالكامل، مشيرة إلى ان الأونروا دليل إنساني على الاحتلال المستمر لفلسطين، وهي تعمل بطريقة غير مباشرة على دمج احتياجات اللاجئين الفلسطينيين في عدة مواقع كشعب واحد، وهي بطريقة غير متوقعة، تجسيد بيروقراطي للانتظار الفلسطيني.
ولان الإدارة الأمريكية، تدرك بانها لا تستطيع التنمر على 164 دولة صوتت لصالح تجديد عمل الأونروا، فقد حاولت بمساعدة من (الأصدقاء) إزالة الشرعية عن الوكالة، كما حاولت في اتجاهات أخرى، استخدام المساعدات الاقتصادية كابتزاز سياسي ضد السلطة الفلسطينية، بما في ذلك تخفيض المساعدات التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية إلى الضفة الغربية المحتلة وغزة.
ارتكبت إدارة ترامب خطأ فاحشا بهجومها على الأونروا، فعلى المستوى الداخلي، ينسجم الالتزام الأمريكي السابق بدعم الوكالة الدولية مع القيم الرئيسية للبلاد، والانسحاب من ذلك يعني ان هناك تراجعا أخلاقيا في العالم الأمريكي، وهو تراجع تقوده سياسات ترامب الخاطئة، التي تتضمن الحرب ضد المهاجرين واللاجئين.
وقال محللون أمريكيون ان الإدارة الأمريكية لم تنتبه إلى حقيقة مفزعة قادمة تجلبها إجراءات القضاء على الأونروا، وهي ان الوكالة ستترك فراغا كبيرا سيتم على الأرجح استغلاله من قبل جماعات لا تكن مودة للولايات المتحدة، وبالتالي ستجد واشنطن نفسها أمام جيل جديد من الأعداء.
وأضافوا ان افتراضات ترامب خاطئة تماما باعتقاده ان خفض الأموال والمساعدات عن الأونروا والوكالات الأخرى التي تحاول مساعدة الفلسطينيين ستساعد على الضغط على السلطة الفلسطينية، وقالوا ان افتراضاته خاطئة أيضا بالقدرة على إعادة تعريف اللاجئ. لخطوة ترامب تداعيات كبيرة ومستمرة، لان الأونروا لا تقدم فقط الإغاثة الطارئة، بل توفر التعليم والرعاية الصحية لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، ظروفهم المعيشية مهددة الآن بشدة، وفقا لتصريحات المفوض العام للأونروا.
وينظر إلى الأونروا من الناحية السياسية على انها قوة رئيسية للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وفي الواقع، وفقا لما قاله كريس غاننيس، المتحدث باسم الوكالة، فان خفض التمويل يهدد استقرار الشرق الأوسط بأكمله.
خطوة ترامب كما قال العديد من المراقبين هي قرار سياسي يهدف إلى تقويض الحقوق الفلسطينية، وهي تؤشر إلى ان علاقة إدارته المهزوزة مع السلطة الفلسطينية، محكوم عليها بالانحدار. ووفقا للعديد من المحللين، فان خطوات ترامب تجاه الفلسطينين لا يمكن وصفها بأقل من إعلان حرب، وهذا يعني ان ثرثرات واشنطن المستمرة حول معاهدة سلام في الشرق الأوسط أو صفقة القرن لا معنى لها.
رائد صالحة
القدس العربي