تفاعل القطاع الخاص الأميركي مع نتائج الانتخابات النصفية، وأصدرت غرفة التجارة الأميركية بيانًا دعت فيه الجمهوريين والديمقراطيين إلى التوافق حول جملة قضايا أساسية ذات علاقة بالاقتصاد، مثل الإنفاق على البنية التحتية واتفاقيات التجارة وقوانين الضرائب والهجرة.
التشكيل الجديد للكونغرس، الذي استجدت فيه سيطرة للديمقراطيين على مجلس النواب مقابل سيطرة للجمهوريين على مجلس الشيوخ، يمكن برأي الشركات ومجتمع الأعمال، أن يتحول إلى اشتباك يعرقل تنفيذ أجندة الرئيس دونالد ترمب الاقتصادية، التي تبين في مدى سنتين أنها في مصلحة القطاع الخاص الذي يتوجس حاليًا من تعليق مواصلة تلك السياسة التي أثمرت نتائج ظهرت في النمو والعمالة و«وول ستريت».
فالشركات كانت بين أكبر الرابحين خلال السنتين الماضيتين، خصوصا بعد خفض الضرائب من 35 إلى 21 في المائة، بالإضافة إلى جملة قوانين وإجراءات أخرى خففت القيود وزادت المرونة، ولا سيما في قطاعي السيارات والطاقة. كما أن إعادة التفاوض بشأن اتفاقيات التجارة، خصوصًا مع كندا والمكسيك، حافظت بشكل كبير على مصالح الشركات الأميركية.
وتتخوف مصادر الشركات حاليًا من توقف تنفيذ ما تبقى من وعود الرئيس ترمب «الإصلاحية والتحديثية» التي تحتاج إلى قوانين يقرها مجلس النواب. وتضيف المصادر عينها: «لا يستطيع الديمقراطيون إلغاء قوانين لأنه دون ذلك مشروع اشتباك كبير مع مجلس الشيوخ، لكن باستطاعتهم وضع (فيتو) اعتراضي على الموازنة»، وباستخدام هذا الحق يدخلون في نقاش تسويات حول قضايا وقوانين أخرى، علما بأن النواب الديمقراطيين لم يخفوا رغبتهم في إعادة النقاش حول الخفض الضريبي الذي أقر السنة الماضية مع اتجاه لديهم لرفع النسبة من 21 إلى 25 في المائة لتمويل برنامج الإنفاق على البنية التحتية.
إلى ذلك، عبر نواب الغالبية البرلمانية الحالية عن رغبتهم بزيادة الضرائب المفروضة على صناديق التحوط وصناديق رؤوس الأموال الاستثمارية. كما يتجهون إلى النظر فيما تستفيد منه ضريبيًا الشركات المتعددة الجنسيات. وكل ذلك بحجة الحصول على الأموال اللازمة لتمويل برامج الإنفاق العام كي لا يتفاقم عجز الموازنة، وهذه الحجة قد تلقى صدى لدى بعض النواب الجمهوريين.
في المقابل، أبدت إدارة الرئيس ترمب مرونة في بعض ما يطرحه الديمقراطيون خصوصا في جانب خفض الضرائب التي تقع على كاهل الطبقة الوسطى، لكنها تبدي رفضًا قاطعًا لاقتراحات رفع ضرائب الشركات.
بيد أن المصادر تشير إلى أن القوانين الضريبية في الولايات المتحدة لا تأخذ صفة الدوام إلى ما لا نهاية، وبالتالي قد لا تستطيع الشركات التعويل دائمًا وأبداً على النسب المتدنية الحالية، فسيأتي يوم ترتفع فيه الضرائب من جديد، ولا سيما أن النمو الاقتصادي في أفضل حالاته الآن، مقارنة بالدول الصناعية والمتقدمة الأخرى وأن معدل البطالة عند مستويات متدنية تاريخيًا.
الهواجس الأخرى التي تنتاب مجتمع الأعمال والشركات الكبيرة بعد ظهور نتائج الانتخابات تتمثل في مصير الاتفاقيات التجارية، خصوصا الاتفاق الجديد مع كندا والمكسيك الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي، فهذا الاتفاق يفترض أن يعرض على الكونغرس، لكن النتائج الانتخابية ستؤجل ذلك إلى السنة المقبلة؛ لأن الغالبية الديمقراطية وعدت بتعديلات خاصة بمنافع للموظفين.
وقال نواب إن دعمهم للاتفاق لن يكون مطلقا إلا إذا تحققت جملة شروط. لكن مجال المناورة أمامهم غير واسع النطاق، لأن الاتفاق الحالي مع كندا والمكسيك أفضل من السابق كثيراً برأي الشركات المؤيدة للديمقراطيين، التي تقول مصادرها إن أي عودة إلى الوراء ستولد انطباعًا بأن الديمقراطيين أكثر حمائية من الجمهوريين؛ وهذا ما ليس منطقيًا.
أما على صعيد إصرار ترمب على المضي قدما في تطبيق المرونة القانونية التي حظي بها قطاع السيارات كما قطاع الطاقة، فيبدو أنه لا عودة إلى الوراء فيها، لأن ما أقر أقفل الباب على التعديلات، لذلك لوح ديمقراطيون بأدوات أخرى مثل تكثيف جلسات الاستماع والتحقيق في هذين المجالين لممارسة بعض الضغوط، كما هددوا بالشيء نفسه بشأن القطاع المالي والمصرفي. وعن البرنامج الطموح للإنفاق على البنية التحتية والمنتظر بقوة من الشركات، تقول المصادر إن هناك شبه اتفاق حوله بين الفريقين، علمًا بأن الديمقراطيين يقترحون تأسيس صناديق في الولايات لتمول جزء من ذلك البرنامج، مقابل رغبة الجمهوريين في تولي حكومات الولايات والبلديات ذلك. في الشأن النقدي، تستمر إدارة ترمب في إبداء بعض الاعتراض على سياسات الاحتياطي الفيدرالي، وهذا الملف يسخن أكثر مع الوقت؛ لأن اتجاهات رفع الفائدة تترسخ أكثر رغم اعتراضات ترمب، مع توقع رفع رابع للفائدة قبل نهاية العام.
ويرفض الديمقراطيون الضغوط التي يمارسها ترمب على رئيس «الاحتياطي» جيروم باول، وينددون بمغبة التدخل في سياسات البنك المركزي واستقلاليته، بينما يحذر ترمب من الأثر السلبي لتشديد السياسة النقدية في النمو الاقتصادي… لكن باول يبدو صلبًا في توجهاته مستندا إلى بيانات بين يديه، مثل قوة سوق العمل وهبوط البطالة وبدء ملاحظة ارتفاع ما في الرواتب، وبالتالي التضخم.
الشرق الاوسط