شُغفنا منذ بداية قراءاتنا بالروايات الغامضة، وبالقصص التي تتفكّك أسرارها كلما أوغلنا في انتهاك صفحاتها. وكانت الروايات البوليسية هي التي تثير أخيلتنا، أمثال روايات أغاثا كريستي ولا سيما روايتيها “جريمة في قطار الشرق السريع” (1934) و”موت على النيل” (1937)، ومثل سلسلة موريس لبلان عن “اللص الظريف” أو أرسين لوبين. وقد انتقل الغرام بعالم الأسرار والخفايا إلى التاريخ العربي، وكان دافعًا إلى دراسة الجماعات السرية أو ديانات الأسرار التي يمكن أن نعثر على جذورها في عقائد الخصب المقدسة في العراق والشام ومصر. وفي التاريخ العربي جماعاتٌ شتّى من هذا العيار، أمثال القرامطة وأخوان الصفا والإسماعيلية والعلوية والدرزية والبهائية والأحمدية والإيزيدية، فضلاً عن الصابئة والصارلية والشبك وغيرها. وعلى هذا المنوال، لا بد من الالتفات أيضاً إلى جمعية الصليب الوردي مثلاً، وإلى منظمة فرسان الهيكل والماسونية وخلافها.
استهواني اكتشاف أسرار تلك الجماعات، لأنها، بالدرجة الأولى، سرّية، ويكتنفها الغموض أيما اكتناف. لكنني تنبهت إلى أن معظم تلك الحركات ليست سرّية تماماً، مع أن لديها أسراراً مختلفة. فالماسونية، على سبيل المثال، علنية في معظم بلاد العالم، ورجالها معروفون، وكذلك اجتماعاتها التي تُعقد تحت أنظار أجهزة الأمن، حتى أن محاضر الاجتماعات تُقدّم إلى الجهات المختصة في ما عدا، بالطبع، الدول التي تحظر الماسونية (راجع: عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، الجزء الخامس، ص 458-468، القاهرة، دار الشروق، 1999). ومع ذلك، ثمّة خرافاتٌ وأوهامٌ لا حصر لها عن الماسونية وتاريخها ورجالها وصنائعها، فثمّة من ادّعى، أمثال سعيد الجزائري، أن أصل الماسونية هو “جمعية القوة الخفية” التي صلبت المسيح ودست السم للنبي محمد، واخترعت عبد الله بن سبأ وكعب الأخبار، وهو كلامٌ مبتذلٌ ردّد بعضاً منه عوض الخوري في كتابه “أصل الماسونية”. وفي هذا الكتاب، يستفيض كاتبه في الكلام على عبقريته لاكتشافه السر المخفي عن العالم بأسره، بمن فيهم عموم الماسون، وهو وجود “جمعية القوة الخفية” التي أسّسها حيرام آبي من سبط يهوذا في 24/6/43 ميلادية (لاحظوا الدقة في تاريخ التأسيس، أي باليوم والشهر، وهي دقّة زائفة). وعلى هذا الغرار، مارست كتب كثيرة في هذا الميدان تضليلاً علمياً وتاريخياً على عقول العرب، مثل بعض آراء حسين عمر حمادة في كتابيه “شهادات ماسونية” (دمشق: دار قتيبة، 1983)، و “الأدبيات الماسونية” (دمشق: دار الوثائق، 1995)، وكذلك نعمان السامرائي في كتابه “الماسونية واليهود والتوراة” (لندن: دار الحكمة، 1994)، والشيخ محمد علي الزعبي في كتابه الهزيل “الماسونية في العراء” (بيروت: مطابع معتوق، لا تاريخ). ومن الكتب المتهافتة “تاريخ الجمعيات السّرية والحركات الهدامة” لمحمد عبد الله عنان (القاهرة: لجنة التأليف والترجمة، 1954)، و “الصهيونية والماسونية” لعبد الرحمن سامي عصمت (الإسكندرية: مطبعة رمسيس، 1950)، و”الجمعية الماسونية: حقائقها وخفاياها” لأحمد غلوش (القاهرة: الدار القومية، لا تاريخ). وفي جميع هذه الكتب ونظائرها الكثيرة، لا حقائق تُعرض، ولا خفايا تُكشف، وإنما مجرد ثرثرة و”لتٌّ وعجن” لأرباع الحقائق True lies وخرافات سارية وخيال كسيح.
لا يعني إيضاح ما استشكل في شأن الماسونية، على الإطلاق، الدفاع عنها أو عن تاريخها أو سياساتها أو عقائدها؛ فهذا ليس شأننا ألبتة، بل هو دفاع عن العلم وعن الوقائع الثابتة، بعدما “الماسونية تكثيف لعبارة الفريماسون، أي “البناؤون الأحرار”، لا “حركة البنائين” التي يستعملها بعض الكتاب غير المدقّقين”
توارت الحقائق خلف الخرافات، وهذه كثيرة جداً. ليكن الكلام على الماسونية إذاً، وعلى أي جماعة سرية أو شبه سرية، مستنداً إلى الحقائق، بعدما كُشفت الأسرار وأُزيحت الأستار منذ زمن بعيد. ثم، بعد ذلك، ليعبّر كل واحد عن موقفه من هذه الجماعات أو تلك، وغايتنا دائماً الحقيقة العلمية، ولا شيء غيرها. أما أن يُرمى أصحاب هذه المذاهب أو العقائد بتهم كاذبة، كالتكفير والزندقة والعمالة للصهيونية والاستعمار، ويُسرد تاريخُهم، وتُروى عقائدهم بطرائق لا تمت إلى الحقائق بأي صلة، ثم تُقام عليهم الحدود، فهذا افتراءٌ ونكايةٌ وجهالة. ومن غير الممكن التسامح مع الجهل في عصرٍ يتيح الوصول إلى المعلومات الصحيحة بحرية وسهولة.
كشف اللثام عن الوهم والخُبال
قرأنا منذ ثماني سنوات مقالة هاذية لأستاذ جامعي فلسطيني، عنوانها “الماسونية تغزو فلسطين” (صحيفة اللواء، اللبنانية، 1/6/2010) كتب فيها “إن ناقوس الخطر الماسوني في فلسطين يدق منذ زمن بقوة (…)، ونفوذ الماسونيين يزداد يوماً بعد يوم، وأعداد الماسونيين في تزايد (…)، وأن الماسونية أخطر بكثير من الصهيونية العالمية”. وقد خلط الكاتب حابل الصهيونية ونابل الماسونية بخرافاتٍ متداولة هنا وهناك على طريقة الشيخ محمد علي الزعبي، ومنها أن معنى الماسونية هو “حركة البنّائين”، أي “الذين يعملون على بناء هيكل سليمان”. ثم ملأ مقالته بالأكاذيب التي لا يجوز لأستاذ جامعي أن يردّدها من دون تحقق، كقوله إن الماسوني يتزوج إمرأة مدة شهرين ثم يرميها لكلاب الماسونية فتصبح عاهرة. ويطابق هذا المستوى الضحل من الافتراء ما كان يردّده الإسلاميون في فلسطين والأردن عن الشيوعيين البلشفيك، بالقول إنهم يضاجعون أخواتهم، وصارت كلمة “البلشفيك” مسبّة شائنة.
مها يكن الأمر، بحثنا وفتشنا عن الماسونية في فلسطين، وعن ازدياد أعوانها وأعضائها ومريديها، وسألنا باحثين مشهوداً لهم بالمعرفة والكفاءة في الضفة الغربية، علاوة على مسؤولين أمنيين يسمعون حتى دبيب النملة، فكان بعضهم يقلب شفتيه هازئاً، وبعضٌ آخر يهز رأسه ساخراً من هذه الكتابات المهلهلة. وها نحن بعد ثماني سنوات على تلك المقالة الهذيانية، لم نلحظ غزواً ماسونياً لفلسطين، أو أي أثرٍ لذلك الخطر المحدق.
دفتر ضبط جلسات محفل ماسوني في دمشق
الحقيقة أن الماسونية لم يكن لها أي شأنٍ مهم في تاريخ فلسطين المعاصر، جرّاء المصائب والويلات التي حلّت بفلسطين، منذ انتقالها من السيطرة العثمانية إلى السيطرة البريطانية. وكانت مقاومة الانتداب ومواجهة الهجرة اليهودية والمشروع الصهيوني في مقدمة القضايا السياسية التي استولت على عقول الفلسطينيين وزنودهم منذ نحو مئة سنة. ثم إن نكبة فلسطين في سنة 1948 مثّلت بداية انحسار الماسونية في المشرق العربي عموماً، وفي مصر وسورية ولبنان خصوصاً. ولاحقاً أُقفلت المحافل الماسونية في مصر (1964) وكذلك في سورية (1965)، ودخلت في سبات عميق وانشقاقات صاخبة كما جرى في لبنان.
أما في فلسطين، وعلى الرغم من أن بعض أعيانها انتمى إلى الماسونية، فقلما ظهر في صفوف ماسونييها أديبٌ لامع أو شاعر مبدع أو مفكر ألمعي، الأمر الذي يشير إلى ضحالة وجود الماسون في الحياة السياسية والفكرية والأدبية في فلسطين. وقد اشتهر من بين الماسونيين الفلسطينيين قبل النكبة أمين كامل قعوار ورجا العيسى وعيسى العيسى وسعيد الدجاني وخيري حماد ومنير فيضي العلمي وأحمد فيضي العلمي وأحمد طوقان وقدري طوقان ويوسف ضياء الخالدي ووهبة تماري وعمر البيطار وفهمي الحسيني ورشيد الحاج إبراهيم وألفرد روك ويعقوب فراج وتيوفيل بوتاجي ونظيف الخالدي وشحادة حنا دلل وعزت السعيد وجمال العوري وسيف الدين الكيلاني وأحمد شاكر النابلسي ومحمود عارف الأكحل وعارف النابلسي. ومن الصحافيين الماسون في فلسطين سليم قبعين الذي أصدر صحيفة الإخاء في القاهرة، وكمال عباس ومحمود الكرمي اللذان أصدرا مجلة الشريعة في عمّان، ونجيب غرغور الذي أصدر في الاسكندرية صحيفة العام الجديد، ومجلة الآمال. والمعروف أن المحافل الماسونية في فلسطين، قبل نكبة عام 1948، كانت مقصورةً على الأجانب، حتى لو انضم إليها بعض الفلسطينيين وهم قلائل. وقد عاش هؤلاء الماسون الأجانب على هامش الحياة السياسية في فلسطين، ولم يكن لهم أي نفوذ سياسي أو مالي مميز، وما برحوا على هذا النحو حتى اليوم، هذا في ما لو بقيت لهم بعض المحافل الضعيفة.
الأصول الخرافية للماسونية
مؤسس الماسونية، بحسب التقليد الخرافي الماسوني، هو المهندس حيرام آبي (أو حورام) الذي قتله اليهود في سنة 2500 ق. م. وهذا هو غير حيرام ملك صور الذي يتردّد اسمه في
“الماسونية علنية في معظم بلاد العالم، ورجالها معروفون وكذلك اجتماعاتها التي تُعقد تحت أنظار أجهزة الأمن”
التوراة وفي الكتابات التي تفتقر إلى أي سند علمي. وقد درج كثيرون على الاستعارة من كتاب “القوة الخفية” لعوض الخوري قوله إن الذين أسّسوا الماسونية (أو القوة الخفية لليهود) هم الملك أحيرام (أو حيرام) والمهندس حيرام آبي. وإن أول محفل ماسوني كان مؤلفاً من الملك هيرودوس أغريبا (الرئيس) وحيرام آبي (نائب الرئيس) ومؤاب لافي (كاتم السر الأول) ويوحنان (كاتم السر الثاني) ويعقوب أبدون (المعاون الأول) وأنتيبا (المعاون الثاني) وسلمون أبيرون (الإشبين أو الكافل) وأدونيرام (كاتم سر إضافي) وأبيا (الحاجب). والواضح أن اختراع نَسَب للماسونية يصل إلى حيرام وإلى الملك سليمان نوع من التلفيق التاريخي على طريقة أنساب العرب، فيعيد النسّابون أصول زعمائهم ورؤوس قبائلهم إلى آدم، وهو ما لا قيمة تاريخية له. والعودة إلى التاريخ القديم، وبالتحديد إلى عصر الملك سليمان وهيكله المزعوم في أورشليم هي محاولة لاختراع تاريخ لمهنة البناء. واليوم تبيّن، علمياً، أن الهيكل نفسه (في ما لو اعتبرنا ما جاء في التوراة صحيحاً، وهو ليس صحيحاً في أي حال) ليس إلا منزلاً صغيراً لم تتجاوز مقاييسه الستين ذراعاً للطول والعشرين ذراعاً للعرض والثلاثين ذراعاً للارتفاع بحسب وصف التوراة، أي أن أبعاده هي 31X10.5 X5 أمتار، وهذا يساوي 325 متراً مربعاً فقط، أي مجرّد شقة واسعة في أيامنا هذه. وقد صرف الملك سليمان في بناء تلك الشقة، بحسب خرافات التوراة، سبع سنين، وعمل فيها 30 ألف رجل من لبنان (أو لبينان، وهو جبل في اليمن بحسب كمال الصليبي)، علاوة على 80 ألفاً كانوا يقطعون الحجارة، و70 ألفاً يحملونها. وعلى رؤوس هؤلاء، كان يقف 3600 وكيل، أي أن مجموع من شارك في ذلك البناء نحو 184 ألفاً على مدى سبع سنوات (العهد القديم، أخبار الأيام الثاني، 2: 8 و18)، فتخيلوا المبالغة السقيمة، غير أن بعض الكتبة يجعل جذور الماسونية تعود إلى هرمس الهرامسة، وهو شخصية شبه أسطورية، لا وجود واقعياً لها، وتُنسب إليه فكرة التوحيد المصري قبل ظهور التوحيد اليهودي، وهو يسمّى أخنوخ تارة، وإدريس تارة أخرى. وثمّة من جعل أصل الماسونية يعود إلى “جمعية إيزيس” في مصر القديمة، أو إلى “الجمعية الفيثاغورية” التي أسّسها فيثاغورس الذي عاش في مصر وبابل، وكان رياضياً ومهندساً وموسيقياً، واشتُهر بنظرية الأعداد التي فسّر بها الوجود والنظام والانسجام الكوني، كما اشتُهرت نظريته التي برهن فيها أن مربع الوتر في المثلث القائم الزاوية يساوي مجموع مربعي الضلعين المجاورين. وفي أي حال، وعلى الرغم من المشابهات العارضة بين الماسونية و الفيثاغورية أو الهرمسية أو جمعية الصليب الوردي، لم تبرهن الوثائق التاريخية المتاحة وجود “جمعية ايزيس” أو “الجمعية الفيثاغورية”، والاثنتان من أوهام الكتبة. وهناك من أعاد منشأ الماسونية إلى جماعة الأسينيين الذين تركوا لنا مخطوطات خربة قمران (مخطوطات البحر الميت) التي تعود إلى ما قبل عصر المسيح بنحو قرن، وإلى ما بعده بنحو قرن أيضاً. وعبارة الأسينيين ربما كان أصلها آرامياً مشتقاً من كلمة “أشينا”، أي المتشدّد في الإيمان. ومهما يكن الأمر، فإن الأسينيين هم رهبان يهود ظهروا جماعة زهاد خارج الانقسام المتوارث بين الفريسيين والصدوقيين. وهؤلاء آثروا الاعتكاف والزهد والعبادة، ثم صاغوا مبادئهم في العفّة والزواج واللذة والإلفة والكتمان والثروة، وفي الألوهة والنبوءات والخلاص، وطوّروا عقيدة “المعلم البار” أو “معلم البر” و “أبناء النور”، الأمر الذي جعل الباحثين يرون وشيجةً قوية مع المسيحية الأولى التي بشّرت بالخلاص من خلال الإيمان بالمسيح (معلم البر)، ومن خلال الانتماء إلى كنيسة التلاميذ الرسل (أبناء النور) حيث النور هو المسيح نفسه: “أنا نور العالم” (يوحنا، 12:8).
من وثائق الماسونية في سورية
العودة إلى الأصول المصرية، أو إلى هيكل سليمان، أو إلى الرياضيات الإغريقية، إنما هي عودة متهافتة إلى تاريخ مهنة البناء ونظريات الهندسة القديمة. وتلك المهنة المرتبطة بنظريات الهندسة وبدهيات أوقليدس في النقطة والخط والسطح كانت لها قيمة كبرى في مصر في العصر المفترض لبناة الأهرام، وفي الشرق الأدنى القديم، أي سورية والعراق، وبالتحديد في الحضارتين السومرية – البابلية والآرامية.
التاريخ الجلي
الماسونية تكثيف لعبارة الفريماسون، أي “البناؤون الأحرار”، لا “حركة البنائين” التي يستعملها بعض الكتاب غير المدقّقين. وهي نقابةٌ مهنيةٌ تحرص على عدم كشف “أسرار
“الحقيقة أن الماسونية لم يكن لها أي شأنٍ مهم في تاريخ فلسطين المعاصر”
المهنة”، مثل “الكاربوناري” على سبيل المثال. والكاربوناري، أي الفحّامون، اسم أطلق على بعض المجموعات الثورية الإيطالية في القرن التاسع عشر التي كان أعضاؤها يقيمون في الغابات هرباً من الاستبداد. وفي الغابات، بنوا منازلهم من الخشب، وراحوا يصنعون الفحم ويبيعونه لتأمين معيشتهم. وهناك كانوا يجتمعون، ويعملون على تقويض النظام السياسي، ويتطلعون إلى تأسيس نظام برلماني ديمقراطي، وشكّلوا لهذه الغاية حكومة أخوية سرية مؤلفة من ثلاثة مجالس: التشريعي والاداري والقضائي. وكان من بين قادة تلك النقابة غاريبالدي وماتزيني وكافور. وفي سنة 1848 أسّسوا جمهورية ترأسها غوسيا ماتزيني. لكن، عندما أسقط نابليون الثالث تلك الجمهورية، قام بنفي الكاربوناريين إلى خارج إيطاليا.
وُلدت الجمعيات الحرفية (أو الطوائف الحرفية) في المدن، ومثلّت، تاريخياً، المرحلة الوسيطة بين الاقطاع والرأسمالية، وكان لها دور نهضوي وتقدّمي، لأن ظهورها في المجتمع أتاح للفلاحين الأقنان إمكان الانعتاق من سلطة سيد الأرض الاقطاعي، والالتحاق بالمهن الحرفية كعمال أحرار. وكان الفلاح (القن) مرتبط بمالك الأرض ارتباطاً كاملاً، فلا يستطيع الانتقال من إقطاعية إلى أخرى إلا بشروط. لكن النقابات المهنية (الجمعيات الحرفية) حوّلت الأقنان إلى عمّال، وصار في إمكان العمال، خصوصاً البنّائين، أن ينتقلوا بحرية من مكانٍ إلى آخر لمزاولة مهنتهم. ومن هنا جاءت كلمة “الأحرار” في عبارة البنّائين الأحرار، فقد كان الحداد مثلاً يعمل في مكان مخصوص، والخزّاف يعمل في دكانه، والحائك على نوْله أمام الناس. وكانت المقايضة العينية أحد عناصر الاقتصاد آنذاك؛ فيستطيع الحداد أو النجار أو الخزّاف أو الحذّاء أو الحائك أن يقايض ما ينتجه بما ينتجه الحرفيون الآخرون. غير أن البنّائين، وحدهم من بين أصحاب المهن، لم يكونوا يعملون في مكان واحد، بل يتنقلون هنا وهناك، بحسب أماكن إقامة مَن يرغب في بناء قصر أو كنيسة أو كاتدرائية أو جسر أو قلعة. لهذا كانت النقود هي التي تلائمهم لا البضائع العينية، ذلك لأنهم لا يستقرّون في مكان دائم. ثم إن البنّاء حين ينتقل من مكان إلى آخر كان يحتاج إلى مَن يعتني به أو يؤازره أو يدافع عنه أو يحميه أو يرشده، فعملت الطوائف الحرفية على تلك الأمور، بحيث يجد البناء أخوة له من أبناء حرفته (عشيرته) أينما حل. وقد وجّهت النقود ضربة قاضية للاقتصاد الاكتفائي، وحوّلت العلاقات الاقتصادية من المقايضة السلعية إلى التبادل النقدي. ويمكن تلخيص غايات الجمعيات الحرفية بالتالي:
التعاضد، أي مساعدة المحتاجين من العاملين في الحرفة. صيانة شرف المهنة وحمايتها من الغش. الدفاع عن مصالح العاملين في الحرفة في وجه الحرف المنافسة، والتصدّي للاحتكار؛ فلا يجوز لمعلم واحد (الأستاذ أو الأسطى) أن يمتلك أكثر من مَشْغَلٍ واحد، وليس له الحق إلا في تشغيل عدد محدد من الصُناع والأُجراء (أي الصبيان المتمرنون).
ظهور الطوائف الحرفية في القرون الوسطى، ثم الانفصال المتدرّج بين الصُناع والتجار، كانا من بين أهم أسباب ظهور الرأسمالية في أوروبا. والمعروف أن الحرف تطورت إلى صناعاتٍ، بعد أن جرى تمركز العمال في أماكن عمل موحدة، وفي المدن تحديدا، فقد استغل التجار الأزمات المتكرّرة للإنتاج الحرفي (نقص المواد الخام مثلاً)، وتمكّنوا من فرض سيطرة الرأسمال التجاري على الإنتاج الحرفي، ثم راحوا يوزّعون المواد الأولية كالقطن والحرير والصوف وأنوال الحياكة على الفلاحين والحرفيين في منازلهم. وهكذا تمكّنوا، بالتدريج، من تحويل فئاتٍ واسعةٍ من الفلاحين إلى عمال، وفصلوا العامل عن أدوات عمله، وعن إنتاجه المباشر، وهو ما أسماه كارل ماركس “الاغتراب”. وكانت تلك التحوّلات إيذاناً ببزوغ عصر الرأسمالية الحديثة بالانتقال من طور المانيفاتورة إلى طور الصناعة. ولعل الطاعون الذي فتك بإنكلترا في القرن الرابع عشر قد مهّد الدرب أمام نشوء الرأسمالية والديمقراطية في انكلترا، لأنه حصد ربع سكانها، وفكّك تبعية الفلاح للاقطاعي، وهي علاقة حالت دون قيام نظام تعاقدي آنذاك، يؤسس للعمل المأجور ورأس المال (راجع: عزمي بشارة، الدين والعَلمانية في سياق تاريخي، الجزء الثاني، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015). ثم بعد ذلك كان لزلزال لشبونة الذي وقع في 1/11/1755 شأن كبير في انبثاق عصر الأنوار الأوروبي الذي ساهم فيه الماسونيون بقوة، فقد تسبب ارتفاع أمواج البحر إلى 20 متراً، واجتياح تلك الأمواج مدينة لشبونة، في موت نحو مئة ألف نسمة وتدميره 85% منها بما في ذلك قصورها وكنائسها ومكتباتها ودار الأوبرا والقصر الملكي والأرشيف الملكي، وسجل رحلات فاسكو دي غاما. وأدّى الزلزال إلى اندلاع مجادلات فكرية صاخبة، وتوجيه النقد الراديكالي إلى الكنيسة الكاثوليكية وتفسيراتها الخرافية لذلك الزلزال. فالجزويت (اليسوعيون( راحوا يردّدون أن ذلك الزلزال إنما هو عقوبةٌ من الله لتفشّي الرذيلة في لشبونة، مع أن الزلزال قضى على عدد كبير من الرهبان والراهبات. وأهل المغرب هللوا للزلزال، لأنهم اعتبروه انتقاماً إلهياً من محاكم التفتيش، مع أن الزلزال نفسه أصاب بعض مناطق المغرب، وقتل سكانها، وهدم مسجد الرباط. والبروتستانت بدورهم وجدوا في الزلزال عقاباً من الله للكاثوليك. لكن، بعد 18 يوماً فقط، أي في 19/11/1755 وقع زلزال آخر على الطرف الغربي للأطلسي، دمّر خمسة عشر ألف منزل في بوسطن التي يقطن فيها البيوريتان. وهذا ما دفع فولتير إلى كتابة مقالةٍ أو قصيدةٍ جاء فيها: “أيها الحكماء الحمقى، أي جريمة ارتكبها هؤلاء الأطفال الذين اغتالهم الزلزال، وسالت دماؤهم في أحضان أمهاتهم؟ وهل كانت رذائل لندن وباريس أقل من رذائل لشبونة؟ وممع ذلك دُمرت لشبونة، وباريس ترقص. أَلم يكن في مقدور الله أن يصنع عالماً ليس فيه هذا الشقاء الذي لا معنى له؟
لم يكن الماسون هم مَن أطلق عصر الأنوار بالتأكيد، لكن الماسون ساهموا حقاً في السجالات
“لم يكن الماسون هم مَن أطلق عصر الأنوار بالتأكيد، لكن الماسون ساهموا حقاً في السجالات التي عزّزت تيار التنوير والعقلانية في أوروبا”
التي عزّزت تيار التنوير والعقلانية في أوروبا في مواجهة السلفيات البروتستانتية والكاثوليكية معاً. وكانت الماسونية قد عاشت حقبة ازدهارها في عصر الإقطاع، وظلت قوية جداً في ذلك العصر، لأن أعضاءها احتكروا بناء الكاتدرائيات والكنائس والقصور والجسور والقلاع والمقابر ومراكز الفنون والمكتبات. لكن، مع بداية تمركز الرأسمالية، واتساع نفوذها، وتراكم ثرواتها، وازدياد قوتها السياسية، راحت الماسونية تتراجع رويداً رويداً جرّاء توقف بناء الكنائس والقصور والكاتدرائيات، إلا في نطاق محدود. وفي تلك المرحلة، انتقلت الماسونية مرغمةً، وجرّاء إكراهات الواقع، من المرحلة العملية التي كانت العضوية فيها مقصورةً على أصحاب مهنة البناء، إلى المرحلة الرمزية حيث صارت تقبل في عضويتها كل من يؤمن بشعاراتها وأفكارها كالحرية والإخاء والمساواة، وبات الأعضاء الجدد يسمون “المقبولون”، وتحولت إلى ما يشبه الجمعيات الخيرية والروابط التضامنية. وكانت الماسونية، في مرحلتها الرمزية، ديمقراطية إلى حد بعيد، فكانت تجند أعضاءها من جميع الطبقات. لكنها، مع ذلك، ظلت شبه ارستقراطية، فيترأس محفلها الملك أو رئيس الجمهورية أو أشخاص ينتمون إلى النخب العليا في المجتمع. وبقيت محافظةً أحياناً، لأنها دعت في مراحل معينة إلى عدم التمرد على السلطات الحاكمة. ولأن الماسونية أوروبية تماماً، فقد تغيّرت الماسونية، حين بدأت أوروبا تتغير هي نفسها مع صعود الطبقة الوسطى (البرجوازية أو الطبقة الثالثة)، وراحت تتأثر بالأفكار الثورية لأبناء الطبقة الوسطى، وسلك بعض الماسونيين مسلك المجموعات الثورية المعادية للإقطاع والملكية والكنيسة، والمدافعة عن الجمهورية والعَلمانية والمساواة والحريات، وكان معظم قادة ثورة الديسمبريين في روسيا سنة 1825 من الماسون الذين باتوا إلى جانب الشيوعيين في ما بعد ألد أعداء النظام القيصري.
الأسرار والرموز
السرية والرموز والإشارات هي من ميراث الطوائف الحرفية الأوروبية في العصور الوسطى، ونجد ما يماثلها ويطابقها إلى حد مثير في تقاليد الطوائف الحرفية العربية. والسّرية لدى الماسون هي سر المهنة أولاً، أي عدم كشف أسرار الصنعة لأحد؛ تلك الأسرار التي يتم توارثها بالتعلم والتدريب لدى الأستاذ (أو الأسطى أو المعلم أو شيخ الحرفة) الذي ينقلها إلى الصبيان المتمرنين قبل أن يصبحوا صُنّاعاً. وهي سرّية الأفكار ثانياً؛ فالماسونية حين اختارت الانخراط في السياسة المناهضة للاقطاع الأوروبي، وللكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، كان عليها الاحتماء بالسّرية صوناً لأمن عناصرها، وخوفاً من السلطات الحاكمة، ومن الجمهور في الوقت نفسه الذي نظر إلى الماسون كمهرطقين. وقد خشي الماسونيون تهمة التجديف، كما حدث لغاليليو وكوبرنيكوس، وكما حدث لأنطوني كولينز الذي اضطر إلى اللجوء إلى هولندا بعد صدور كتابه “خطاب في التفكير الحر” (1713)، وكما حدث لتوماس ولستون الذي مات في سجنه، بعد أن نشر كتاباً عنوانه “ست مطارحات في شأن عجائب مخلصنا”.
أما رموز الماسونية كالبيكار والميزان والشاقول والمثلث المتساوي الأضلاع والأنوار والمئزر
“ليس صحيحاً أن الماسونية يهودية، فالربط بينهما كان أحد عناصر الدعاية النازية ضد اليهود في ثلاثينيات القرن المنصرم”
فمصدرها علم الجيومتري (الهندسة)، فضلاً عن الرموز الفيثاغورية القديمة والهرمسية أيضاً، ثم اختلطت برموز جماعة الصليب الوردي التي ظهرت في سنة 1407، وبرموز فرسان الهيكل، مع أن الخلاف كبير جداً بين الماسونية وتلك الجماعتين، فالماسونية استندت إلى العلم كالهندسة والفيزياء وإلى الفكر العلمي (اكتشاف قوانين الطبيعة وتسخيرها لمصلحة الإنسان)، وإلى الفلسفات العملية في شأن تغيير العالم نحو الحرية والمساواة والإخاء الإنساني، بينما الجماعات الغنوصية كالهرمسية والصليب الوردي كانت تعتقد بالحقائق الخفيّة، لا بالحقائق العلمية. ورموز الماسونية فيها مصادر يهودية (الهيكل) ومصادر مسيحية (نور العالم) ورموز محايدة (الهندسة وأدوات البناء كالبيكار والميزان الشاقولي). وكثير من الجمعيات السرية الأوروبية كفرسان الهيكل والكاربوناري وحتى الشارتيين (الميثاقيون) تأثر بالتصوّف الإسلامي وبالصابئة المندائية وعبادات النار والنور الشرقية وبالقبالاه اليهودية. لذلك تتضمّن أدبيات تلك الجماعات رموزاً ومصطلحات وأفكاراً وطقوساً من ذلك كله، الأمر الذي لا يجعل اليهودية مثلاً أو اللإسلام أو المسيحية مرجعية مباشرة للماسونية على الإطلاق.
رمز ماسوني
وإذا وُجدت بعض الرموز والعبارات المشتركة بين الماسونية واليهودية فهذا لا يبرهن أي صلة جوهرية بينهما، فالرموز اليهودية، وكذلك الأفكار والمفاهيم والرؤى والعبادات والطقوس والعقائد، موجودة بقوة في المسيحية وفي الاسلام، خصوصاً في شرائع الحلال والحرام والحدود لدى المسلمين، فضلاً عن سِيَر الأنبياء وقصة الخليقة وحكاية آدم وحواء وقايين وهابيل والطوفان وداود وسليمان وموسى وأيوب؛ فكلها مستقاة من التوراة والإخباريين اليهود القدامى. وهذه الأمور لا تتيح للمسلم أن يقول إن اليهودية هي أم الإسلام، أو أن الاسلام هو يهودية متجدّدة أو أنه تجديد لليهودية، أو انه اختراع يهودي.
الماسونية واليهود
ليس صحيحاً أن الماسونية يهودية، فالربط بينهما كان أحد عناصر الدعاية النازية ضد اليهود في ثلاثينيات القرن المنصرم. ومعروفٌ أن ثمة يهوداً معادين للماسونية لأسباب دينية، وهناك ماسونيون معادون لليهودية. والماسونية، في جوهرها، تتعارض واليهودية، فهي تعتنق مبادئ المساواة بين المواطنين وفكرة الإخاء الإنساني، بينما اليهودية باعتبارها ديانة شعب الله المختار متناقضة مع فكرة المساواة بين البشر. وقد رفضت اليهودية الحاخامية الماسونيةَ، لأنها ستؤدي إلى علمنة الديانة اليهودية؛ فاليهودية تريد الإبقاء على اليهود كامتياز روحي لشعب الله المختار أو “شعب السبت” الذي ينتظر قدوم المسيح (الماشيح). وأبعد من ذلك، فإن محفل فيينا الماسوني الذي أُسس في سنة 1780 كان من بين طقوسه أكل لحم الخنزير باللبن، وهو أمر جللٌ في اليهودية؛ فأكل لحم الخنزير خطيئة ونجاسة، علاوة على أن خلط اللحم باللبن محرّم في الشريعة اليهودية. وكانت المحافل الماسونية الألمانية والإسكندنافية ترفض انضمام اليهود إليها، مثلما رفضت المحافل الأميركية انضمام السود إليها. وفي أثناء الحرب العالمية الأولى، طردت المحافل الماسونية البريطانية جميع الأعضاء المتحدّرين من أصول ألمانية أو نمساوية أو مجرية أو تركية (راجع: عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، الجزء الخامس، القاهرة: دار الشروق، 1999، ص458).
وكان يهود كثيرون قد انضموا إلى الماسونية بعد انتشار أفكار التنوير بين اليهود الأوروبيين، وبعد ضمور اليهودية الحاخامية التي كان لضمورها شأن في انتشار القبالاه بين يهود أوروبا. والقبالاه نوع من الغنوصية اليهودية المتداخلة مع التصوف وحسابات الأرقام السحرية القديمة. وبما أن يهودا كثيرين تأثروا بأفكار التنوير الأوروبية، وانخرطوا في الحياة العامة للمجتمعات الأوروبية، فقد قدمت الماسونية مخرجاً لهؤلاء اليهود المغتربين عن يهوديتهم، والذين لا
“تؤمن الماسونية بإله خالق (مهندس الكون الأعظم)، وبخلود الروح، وبجوهر واحد للديانات كلها”
يريدون أن يعتنقوا المسيحية. والماسونية بهذا المعنى كانت تعبيراً عن الأرضية المشتركة التي يلتقي عليها المسيحيون واليهود، ويشكلون معاً مجتمعاً واحداً متساوياً في المواطنة. وجاء ذلك التحوّل المتدرج بعد ازدياد معدلات العلمنة في صفوف اليهود الأوروبيين، فوجد يهود كثر أن الشيوعية الإلحادية هي ملاذهم الفكري والسياسي، بينما رأى يهود آخرون، ولا سيما في أميركا، أن الماسونية غير الإلحادية هي الملاذ الملائم لهم. والثابت تاريخياً أن جذر انجذاب اليهود إلى الشيوعية أو الاشتراكية أو الماسونية هو مسألة الهوية، أي محتوى الهوية لدى اليهودي الذي يعيش في مجتمعٍ تترسّخ فيه قيم العلمانية بشكل متسارع. فطوال حقبة الدياسبورا (الشتات) كانت التوراة الركيزة الأساس في تشكل الهوية الجمعية اليهودية. لكن في حقبة الهسكالاه (الاستنارة) رأى دعاة الاندماج أن في الإمكان أن يكون اليهودي مخلصاً لمجتمعه اليهودي ومواطناً صالحاً في الدولة التي يعيش فيها، وهي دولةٌ مسيحيةٌ على العموم، من دون أن يتمسّك بوصايا التوراة. وهذا يعني زحزحة الدين عن الحياة اليومية لليهود، وخلخلة ركيزة التوراة التي كانت الأساس في تشكيل هوية اليهودي، والاتجاه إلى تأويل معاصر للعقائد التوراتية. وفي هذا الميدان حاولت اليهودية الإصلاحية نقض فكرة المجيء الجسدي للماشيح، وأحلّت في محلها فكرة العصر الماشيحاني، أي عصر العدالة الكونية الذي سيتحقق من خلال التقدم العلمي والحضاري والسلام الانساني. وهنا بالتحديد قدمت الماسونية مخرجاً لليهودي الذي يريد الاندماج في مجتمعه من غير أن يصبح مسيحياً، ومن دون أن يتخلى عن دينه اليهودي ومجتمعه اليهودي معاً.
الماسونية والاستنارة
تؤمن الماسونية بإله خالق (مهندس الكون الأعظم)، وبخلود الروح، وبجوهر واحد للديانات كلها، وبوحدة البشر وبحق كل فرد في أن يحتفظ بإيمانه كما يريد. والماسونية، بهذا المعنى، هي توليد لفكرة الدين الطبيعي المؤسس على العقل. والدين الطبيعي، بحسب تاريخ هذه الفكرة، يركز على ما هو مشترك بين الديانات كلها، الأمر الذي يجعل مفهوم التسامح ممكن التحقق في المجتمع والدولة والثقافة. وكان الاضطهاد الديني والصراعات الدينية، خصوصاً بين الكاثوليك والبروتستانت، من العوامل الحاسمة التي جعلت التفكير في تأسيس دين طبيعي ضرورياً. والماسونية في الأصل جمعية لا علاقة لها بالدين عموماً، وبالدين اليهودي خصوصاً، وهي نشأت في نطاق التيار الربوبي الأوروبي (التأليهي) الذي يستند في صوغ مفهوماته إلى العقل والمعارف العلمية، مع التأكيد على الإيمان بالخالق. وهي تشبه إلى حد كبير مقولات المفكرين الاسلاميين الملاحدة الذي قدموا العقل على النقل (الوحي)، بل رفضوا الوحي رفضاً قاطعاً وتصادموا مع الدين. والإلحاد في الاسلام لا يعني إنكار الخالق بل إنكار الوحي والنبوة. وعلى هذا الغرار اصطدمت الماسونية بالأديان الأوروبية، أي المسيحية واليهودية معاً. ومع ذلك، فإن الماسونية التي تفرض على أعضائها الإيمان بخالق أعظم للكون، لا تفرض عليهم التخلي عن دياناتهم الاصلية، بل تحث الماسوني على إعادة تأسيس إيمانه لا على الوحي، بل على العقل.
أما الربوبية أو التأليهية، فهي تيار فكري أوروبي سعى إلى فهم الدين في سياق ظهور الأساطير والديانات والأفكار الميتافيزيقية، ورأى أن الدين الطبيعي قديم وسابق على ديانات الوحي. وكلمة الربوبية، Deism بالانكليزية، مشتقة من كلمة Deus اللاتينية التي تعني “الرب” وتعني الدين الطبيعي في الوقت نفسه، وهي فلسفة عقلانية استعملت خطاباً دينياً للدفاع عن العقل المحض وعن المادية التجريبية، وأرادت تنقية المسيحية من القصص والعجائب والمعجزات والخوارق والخرافات، وبحثت في سبيل ذلك عن “حقائق إيمانية” يقبلها العقل، وتخلت عما لا يقبله العقل. وفي هذا الميدان، نظر كثيرون من مفكري البروتستانت المتأثرين بالأفكار الربوبية إلى المسيح كمعلم أخلاقي لا بصفته إبناً لله، وكانوا يرون أن الأخلاق، وليس الإيمان، هو جوهر الدين، ويقولون إن الناس العقلانيين يعبدون الله على أكمل وجه حين يعاملون إخوانهم في الانسانية بالعدل والمساواة.
ترى الربوبية أن العالم ليس قديماً، وأن هناك إلهاً واحداً خلق العالم، وأن في الإمكان التوصل إلى معرفة الله بالعقل، أي بمعرفة قوانين الطبيعة التي تعبر عن إرادة الخالق وقدرته، وليس
“ربط الباحثون المغرضون النهضة العربية وحركات الإصلاح الحديثة بالفكر الماسوني”
ثمّة حاجة إلى الوحي أو المعجزات أو الكتب المقدسة حتى نعرف الخالق. وهذا ما كان يقوله الملاحدة العرب قبلهم، وهؤلاء أمثال أبو العلاء المعري والراوندي ومحمد بن زكريا الرازي وجابر بن حيان وابن سينا، فضلاً عن صالح بن عبد القدوس وأبان بن عبد الحميد اللاحقي وأبو عيسى محمد بن هارون الوراق وابن أبي العوجاء وابن المقفع وبشار بن برد وحماد عجرد، جعلوا العقل في محل الوحي، والانسان في محل النبوة، وجوهر تفكيرهم هو الإلحاح على تحرير الانسان من الوحي وسلطانه. فالراوندي يقول: “إن العقل أعظم نِعَم الله (…)، وإنه هو الذي يُعرف به الرب ونِعَمه (…). فإذا كان الرسول يأتي مؤكّداً لما فيه (…) فساقط عنا النظر في حجته وإجابة دعوته إذ قد غنينا بما في العقل عنه (…). وإن كان بخلاف ما في العقل من التحسين والتقبيح والاطلاق والحظر، فحينئذٍ يسقط عنا الاقرار بنبوته”. أما أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي فقد كان منكراً للنبوات، وله كتاب “مخاريق الأنبياء”. والله لدى الربوبيين لا يتدخل في شؤون الكون وحركته بشكل يتنافى وقوانين الطبيعة التي صمّمها بنفسه. لذلك يشبِّه الربوبيون عمل الله بصانع الساعة الذي يصنعها ويضبطها ثم يتركها بعد ذلك لتعمل بكل دقة وحدها، ويتوارى هو عنها تماماً، وهذا ما كان نيوتن يقوله. وهكذا حوّلت الربوبية الله إلى مبدأ أو فكرة أو قانون تفسيري مثل قانون الجاذبية. وفي هذه الحال، يصبح في إمكان الإنسان أن يؤمن بالله أو لا يؤمن، لأن الله هو مصدر الحركة في الكون، لكن لا علاقة له بالدنيا.
بحثت الجمعيات السرية كلها، ومن بينها الماسونية بالتأكيد، عن تاريخ قديم لأفكارها، وعن أسلاف قدامى لها بين فلاسفة التاريخ ومفكريه أمثال سقراط وأفلاطون وكوبرنيكوس وجيوردانو برونو الذين عارضوا الخرافة بالعقل، ودافعوا عن حرية التفكير. ومن أبرز المفكرين الربوبيين الذين ظهروا في السياق التاريخي نفسه الذي ظهرت فيه الماسونية جون تولاند وتيندال وروبرت بويل وتوماس مورغان. وهؤلاء، وغيرهم بالطبع، هم الذين مهدوا السُبُل أمام ظهور المفكرين الأحرار ونزعة “التفكير الحر” التي صاغها أنطوني كولينز في كتابه الخطير “خطاب في التفكير الحر” (1713). وكان الفكر الربوبي (التأليهي) قد بدأ مع جيوردانو برونو في القرن السادس عشر، لكن باروخ شبينوزا هو الذي منح الربوبية شكلها الفلسفي الرفيع. وجيوردانو برونو كان راهباً دومينيكانياً تأثر بالأفلاطونية الجديدة والغنوصية والفيثاغورية والأساطير القديمة. ويعكس كتابه “ظلال المُثُل” نزعته الأفلاطونية التي ترى أن الأشياء أو عالم الواقع إنما هي ظلال لعالم المُثُل الروحاني. وقد أُعدم برونو حرقاً في ساحة كمبو دي فيوري (حديقة الزهور) في روما في 17/2/1600 لأنه قال إن الأرض ليست مركز الكواكب القريبة، وأن الأرض هي التي تدور حول الشمس (نظرية كوبرنيكوس)، والشمس مجرد نجم من بين نجوم لا تحصى، وهو ما يتعارض مع الرؤية الدينية للكون آنذاك. وكان برونو يحلم بتأسيس دين جديد مبني على روحانيات الديانات المصرية القديمة وتفاعلها مع الفيثاغورية والأفلاطونية، فدعا إلى وحدة الوجود، أي وحدة الله والكون، واعتبار الإنسان هو الكون الأصغر الموجود في الكون الأعظم المسكون بالروح، والذي جعلته الفلسفة مسكوناً بالعقل أو بالرب (وتحسب أنك جرم صغير/ وفيك انطوى العالم الأكبر). وكان جيوردانو برونو يقول: بما أن الكون غير متناهٍ، وهناك عوالم بلا عدد، فكيف يكون الله خارج الكون، فلا شيء خارج اللانهائية، والله هو روح العالم. وهذا الكلام يخالف أيضاً الرؤية الدينية المسيحية لوحدانية الله المنفصل عن العالم الذي خلقه.
كانت أفكار كوبرنيكوس معادلات رياضية، لكن برونو حوّلها إلى أفكارٍ بلا معادلات، واستنتج منها فكرة لا نهائية الكون ووجود عوالم بلا عدد. وبدلاً من وحدانية الله، دعا برونو إلى وحدة الوجود لأن العالم والله وحدة واحدة، فالله حالّ في الوجود، وهو مرئي في موجوداته (عن التأليهية وعن جيوردانو برونو أنظر: عزمي بشارة، الدين والعَلمانية في سياق تاريخي، جزآن في ثلاثة مجلدات، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013 و 2015).
الماسونية الحديثة
ولدت الماسونية الحديثة على يدي جوزف لافي في 24/6/1717، ثم وضع جيمس أندرسون دستورها في سنة 1722. وقد منع ذلك الدستور اليهود والمرأة من الانضمام إلى المحافل الماسونية. وقد طال الزمن كثيراً حتى صار في إمكان اليهود الانضمام إلى الماسونية، فأُسست منظمة “بناي بريث” (أبناء العهد) في نيويورك في 13/10/1843. وفي سنة 1893 جرى تعديل الدستور فظهرت جراء ذلك المحافل المختلطة (الرجال والنساء). وكانت الذريعة أن المرأة لم تكن بناءة في أي يوم من أيام التاريخ الانساني، وأن مهنة البناء اقتصرت على الرجال في جميع العصور. غير أن المرأة صارت، في العصر الحديث، مهندسة. ومع تحول الماسونية من طورها العملي إلى طورها الرمزي، صار في إمكان المرأة أن تنضم إلى المحافل. وأول هيئة نسوية ماسونية اجتمعت في واشنطن في 17/4/1899، وطالبت بحق النساء الأميركيات في تأليف محافل ماسونية مستقلة. ولم يظهر أي محفل نسوي إلا في سنة 1908 ودُعي باسم “محفل النجمة البيضاء”.
ليست الماسونية حزباً سياسياً، وليست حركة دينية في الوقت نفسه. وهي ليست واحدة موحدة، بل منظمات متعددة ومتجاورة ومختلفة ومتصارعة أيضاً، تماماً كالأحزاب الشيوعية ذات المصدر الأيديولوجي الواحد، غير أنها أحزابٌ شتى ومتناقضة. فكان ثمة الاتجاه السوفياتي والاتجاهات الماوية والتروتسكية والشيوعية الأوروبية وجماعات العنف الثوري، وكذلك شيوعيات كثيرة سادت ثم بادت، مثل شيوعية بول بوت في كمبوديا، وشيوعية كيم إيل سونغ الجارية في كوريا، علاوة على تجربة جوزف بروز تيتو في يوغوسلافيا وفيديل كاسترو في كوبا، وغيرها. وعلى هذا المنوال هناك طرق ماسونية عدة كالاسكتلندية مثلاً، وهناك أكثر من سلطة ماسونية بحسب مراكزها الأصلية: فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وأميركا؛ فلا توجد سلطة ماسونية عالمية، أو أي هيئة أممية واحدة تضم جميع المحافل الماسونية. وكان بين المراكز الماسونية تنافس وصراعات تشبه إلى حد ما صراعات المبشّرين البروتستانت والجزويت (اليسوعيون) في الدول المستعمَرة. والصراع بين المحافل الماسونية هو انعكاس للصراع بين المراكز الاستعمارية التقليدية.
وعلى العموم، فإن الماسونيات خدمت دولها أكثر مما خدمت شعارها التاريخي: “حرية، إخاء، مساواة”؛ فالماسونية البريطانية خدمت الاستعمار البريطاني، وكذلك فعلت الماسونية الفرنسية
“الماسونيات خدمت دولها أكثر مما خدمت شعارها التاريخي”
والماسونية الأميركية. ومن علامات الجهل وعدم المعرفة استمرار القول إن الماسونية حركة واحدة في العالم كله. فما هذه الماسونية التي يتحالف فيها الماسونيون الثلاثة (بحسب زعم الماسون) ستالين وروزفلت وتشرشل ضد الماسونيَين هتلر وموسوليني، فيشعلون العالم حرباً مروعة؟ وما هي تلك الماسونية التي يعتقل فيها الماسوني حسني الزعيم “أخاه” الماسوني أنطون سعادة، ويسلمه إلى ماسوني ثالث هو رياض الصلح، ليحكم عليه مع شريكه الماسوني بشارة الخوري بالإعدام، وينفذانه في الليلة نفسها؟ وما هذه الماسونية التي ينقلب فيها الماسوني جمال عبد الناصر (دائماً بحسب زعم الدعاية الماسونية) على الماسوني فاروق ويهدم عرشه؟ وما هذه الماسونية التي ينقلب فيها الماسونيان، أديب الشيشكلي وسامي الحناوي، على الماسونيّين حسني الزعيم وحسني البرازي ويعدمانهما؟ وما تكون تلك الماسونية التي يغتال فيها الماسونيون جميل مردم وسعدالله الجابري ولطفي الحفار “أخاهم” الماسوني البارز عبد الرحمن الشهبندر؟ وحتى في الثورة الفرنسية التي كان الماسون من أبرز قادتها، قُطعت رؤوس بعض الماسون الكبار، أمثال جورج دانتون، واغتيل أحد مفكريها الراديكاليين جان بول مارا. وهذا مدعاة للتأمل.
تمادى كثيرون في ترويج الجهل في شأن الماسونية، ومارسوا تضليلاً ما برح مستمراً. وهذا التضليل لم يكن وليد خطة وتفكير عملي، أو أن له غايات فكرية وسياسية (نستثني الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية)، بل هو ناجم عن عدم المعرفة وقلة الدراية في المصاف الأول. ومن بين مزاعم هؤلاء أن جمعية الصليب الوردي وأندية الليونز والروتاري هي من مخلوقات الماسونية، وهي تعمل واجهات علنية لإخفاء ضروب من النشاط السّري الماسوني. والمعروف أن أندية الروتاري ظهرت أول مرة في شيكاغو في 23/2/1905، وأسّسها المحامي الأميركي بول هاريس التي أرادها نوادي للأغنياء ورجال الأعمال وذوي النفوذ، أي نوادٍ ترعى مصالح المنتسبين إليها. وعلى غرارها أسس الأميركي ملفن جونز في سانت أنطونيو بتكساس نادي الليونز في سنة 1915 ليكون نادياً لرجال الأعمال. والمعروف أن الماسونية حاربت الأندية الليونزية طويلاً. وقد تحدّى المفكر عبد الوهاب المسيري أي شخصٍ أن يبرهن وجود أي علاقة بين الروتاري والليونز والماسونية (راجع: عبد الوهاب المسيري، صحيفة الرأي العام، الكويتية، 10/5/2004). وللمسيري كتاب مهم يفند فيه الطريقة التآمرية في تفسير التاريخ، ويُسخف بطريقة علمية الخرافات التي ما فتئت تتحدّث عن “المخطط اليهودي للسيطرة على العالم”، وعن “بروتوكولات حكماء صهيون” وعن الجريمة اليهودية المنظمة والانحلال الخلقي الذي يصدره اليهود إلينا (راجع كتابه “البروتوكولات واليهودية والصهيونية، القاهرة: دار الشروق، 2003).
الماسونية العربية
يعيد دارسون كثيرون النهضة العربية الحديثة إلى حملة نابليون بونابرت على مصر في سنة 1798 التي أيقظت بمدافع بوارجها المشرق العربي الغافي والغارق في ركوده ورقاده. وبما أن بونابرت كان ماسونياً (ودائماً بحسب مزاعم الماسونيين أنفسهم)، فقد ربط الباحثون المغرضون النهضة وحركات الإصلاح الحديثة بالفكر الماسوني، خصوصاً أن معظم أعلام النهضة في القرن التاسع عشر وفي بدايات القرن العشرين، وحتى النصف الثاني منه، كانوا ماسونيين، أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وبطرس البستاني وأحمد فارس الشدياق ويعقوب صنّوع وعبد الرحمن الكواكبي وابراهيم اليازجي ويعقوب صروف وجرجي زيدان والشيخ محمد أبو زهرة والشعراء خليل مطران وإبراهيم ناجي وأحمد زكي أبو شادي، وكذلك سعد زغلول، فضلاً عن الفنانين المشاهير من عيار يوسف وهبي ومحمود المليجي ومحسن سرحان وفريد شوقي وعبد السلام النابلسي والمخرج حلمي رفلة. والماسونية في مصر ليست جمعية مصرية في الأصل، فقد أسسها أجانب وإن ضمت إليها بعض المصريين، وبعض أبناء الأقليات كالمسيحيين الشوام واليهود. والماسونية في مصر كانت مظلة حماية لأعضائها، ونادياً لتيسير العلاقات العامة وتسيير المصالح، ولا سيما رعاية مصالح الأقليات ونُخبها الاقتصادية. والمشهور الراجح أن الماسونية كانت تمنح عضوية الشرف لأشخاصٍ مرموقين على طريقة منح الدكتوراه الفخرية. وكانت هذه الشخصيات في تلك الحقبة تقبل ذلك، ولا تجد فيه أي غضاضة. وجرّاء ذلك، اختلط هذا الأمر على الباحثين الذين اعتقدوا أن هؤلاء إنما هم ماسونيون مكرّسون في المحافل. ولم تتورّع المحافل الماسونية المختلفة في ترويج نفسها، واستغلال أسماء الأَعلام المشهورين في الدعاية لمحافلها ونشاطها، وزعمت أن جمال عبد الناصر ماسوني (وهو الذي أقفل المحافل المصرية العريقة)، وكذلك أنور السادات وعبد الحكيم عامر وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي، وقبلهم الخديوي توفيق والخديوي إسماعيل والملك فاروق وفؤاد سراج الدين ومصطفى النحاس، ومعهم “إخوة” من “العشيرة الحرة” أمثال الملك حسين بن طلال والملك فيصل الأول وابنه الملك غازي ونوري السعيد وحتى الشيخ خزعل أمير المحمرة. ومع أن الأمير عبد القادر الجزائري أصبح ماسونياً مكرّساً في محفل الأهرام في الإسكندرية منذ سنة 1845، وهو الذي أسّس أول محفل في بلاد الشام (محفل سورية) في سنة 1864 وكان تابعاً للشرق الايطالي الأعظم، إلا أن الشوام ظلوا حتى الأمس يشتمون خصومهم بعبارة “يا ابن الفرمسون”. ولعل وقائع التاريخ القريب تبرهن (خلافاً لجميع الهذيانات التي كانت تلوك الكلام على إمساك الماسون برقاب القادة العرب) أن لا دولة عربية واحدة كانت صديقة للماسون أو ساعدتهم في نشاطهم أو حمت سياساتهم. ولم تتمكّن الماسونية في البلاد العربية من السيطرة على أي حكومة عربية. وما حصل للماسونية في العالم العربي يبرهن أن الحديث عن قوتها الخفية وقدرتها العجيبة هراء بهراء؛ فقد مُنعت الماسونية في العراق في سنة 1958، وفي مصر في سنة 1964، وفي سورية في سنة 1965، ومنع لبنان عقد المؤتمر الماسوني العالمي في أغسطس/ آب 1965. وبهذه الاجراءات التي لم يترتب عليها أي ردة فعل سلبية، نامت الماسونية في المشرق العربي، وما عاد أحد يسمع بها، خلا بعض الاختلاجات هنا، أو الإفاقة هناك. ومع ذلك، فقد تجرأ أستاذ جامعي (!!) على القول في سنة 2010 إن الماسونية تغزو فلسطين. وها نحن بعد ثماني سنوات لم نعثر على خيلها أو إبلها أو رماحها، بل ألقينا القبض على أستاذ جامعي ثرثار.
صقر أبو فخر
العربي الجديد