تحاول تركيا التي يعيش اقتصادها وضعا صعبا أن تحيي جهودها لعضوية الاتحاد الأوروبي وإظهار التزامها بالشروط والإصلاحات التي يطلبها الأوروبيون. لكن مراقبين أتراكا يقللون من فرص أنقرة في تحريك هذا المسار بسبب تراجع مثير في سجلها بمجالات حقوق الإنسان، والحريات العامة، والعدالة والقضاء.
واحتضنت العاصمة التركية، الثلاثاء، الاجتماع الخامس لمجموعة العمل المعنية بالإصلاح، والتي تهدف إلى متابعة الإصلاحات المتعلقة بالمعايير السياسية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ضمن فصلي الحقوق الأساسية والقضاء، والأمن والحريات والعدالة، وضمان التطبيق الفعال للإصلاحات.
وناقش الاجتماع الإصلاحات السياسية العامة التي تُجرى في إطار التفاوض على عضوية الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها الإصلاحات المتعلقة بفصلي الحقوق الأساسية والقضاء، والأمن والحريات والعدالة.
واعتبر جنكيز أكتار، وهو أستاذ جامعي في العلوم السياسية وكاتب في موقع أحوال تركية، أن المحاولات التركية لعضوية الاتحاد الأوروبي كلام خارج السياق العملي، معتبرا أن هذه المحاولة لا تتعدى كونها مجرد بالون للاستهلاك الإعلامي بعد أن أصبح انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي حالة شبه مستحيلة.
وقال أكتار في تصريح لـ”العرب” إن تركيا تعلم تماما أنه من غير الممكن أن تحقق عضويتها بالاتحاد الأوروبي. كما أن الجميع يعلم أنها غير جادة بالانضمام ولا سيما أنها ألغت هيئة مهمة كانت مكلفة بهذا الموضوع وهي “وزارة شؤون الاتحاد الأوروبي”.
ولا يبدو أن تركيا قد قطعت خطوات جدية خلال السنوات الماضية لتحقيق الحدّ الأدنى من شروط الاتحاد الأوروبي في مجال الإصلاحات، خاصة في مجال حقوق الإنسان بسبب نزوع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبناء نظام حكم يقوم على إسكات الخصوم بكل الوسائل.
ومنذ منتصف 2015، شنت السلطات حملة اعتقالات غير مسبوقة ضد أنصار الداعية المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن. كما فتحت صراعا مع وسائل الإعلام المختلفة ووظفت في ذلك جهاز القضاء الذي نجحت في السيطرة عليه وترويضه.
ولفت أكتار إلى أن ما تسعى السلطات التركية لتحقيقه هو الحصول على إعفاء من الفيزا في دول الاتحاد الأوروبي كي تظهر للمواطن التركي أنها مهتمة بحرية تنقله إلى أوروبا، مشيرا إلى أن هذه الميزة من الصعب جدا الحصول عليها لأنه على تركيا أن تلتزم بحوالي 27 شرطا لتحصل على الإعفاء.
واستبعد أن تقدم الدول الأوروبية على هذه الخطوة حتى لو حققت تركيا كل تلك الشروط التعجيزية، مشددا على أن الأوروبيين يعلمون أن الوضع الاقتصادي السيء سيجعل نصف الشعب التركي يهاجر إلى أوروبا. وبالتأكيد هذا أمر لا يمكن تحمله في أوروبا ولا حتى قبوله.
وهناك توتر كبير يسود العلاقات بين تركيا والاتحاد في ظلّ حُكم أردوغان، إلى درجة أنّ بعض السياسيين الأوروبيين قد أعلنوا صراحة أنّه يستحيل انضمام تركيا للاتحاد بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الصحافية، فضلا عن استمرار أنقرة باحتجاز العديد من مُواطني دول الاتحاد الأوروبي.
وتحاول تركيا إعادة الحرارة لعلاقاتها مع أوروبا بعد توتر شديد بسبب مواقف أردوغان خاصة خلال حملاته الانتخابية لتمرير الاستفتاء الذي كرسه رئيسا بصلاحيات كبرى، آملة في إعادة النظر في اتفاقية التعاون الجمركي الأوروبي، وهي الاتفاقية التي وضعت قبل عشرين عاما بشكل مؤقت ريثما تلبي تركيا الشروط التي تجيز لها الانضمام كليا للاتحاد الأوروبي. ولكن بعد أن أصبح الانضمام أمرا مستحيلا، تريد تركيا تعديل هذه الاتفاقية الجمركية كي تغطي مزايا أكثر مما كان في الاتفاقية القديمة.
ويقول مراقبون إن أنقرة عادت إلى تقليب دفاترها القديمة بعد موجة شحن وعداء للغرب ومساومات في الشرق، ما انتهى بها إلى أزمة اقتصادية وعلاقات متشنجة مع الولايات المتحدة ونصف صداقة مع روسيا ومواقف عدائية تجاه أهم الدول العربية، وخاصة الدول العربية المؤثرة سياسيا واقتصاديا.