منذ تسلمه راتبه مطلع الشهر الجاري، عمد الشاب الفلسطيني عبد العزيز صالح (38 عاما) لتحويله إلى العملة المتداولة تدرجا وليس دفعة واحدة كعادته، محاولا تجنب أية خسائر في سعر صرف الدولار الأميركي الذي يتلقى به راتبه مقابل الشيكل الإسرائيلي الأكثر تداولا بين الفلسطينيين.
ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر، تراجع سعر صرف الدولار -ولا يزال- مقابل الشيكل (الدولار يساوي 3.49 شيكلات)، وهو ما بات يشعر الكثيرين ولا سيما من يتلقون رواتبهم بالدولار أو الدينار الأردني المربوط سعر صرفه بالدولار أيضا، بالقلق.
ومنذ عمله مع شركة عالمية في المجال الإلكتروني وشبكات الإنترنت قبل أكثر من 15 عاما، وعبد العزيز يتلقى راتبه بالدولار ويحوله دفعة واحدة للشيكل الإسرائيلي، حتى يتجنب الذبذبة في سعر الصرف وفروق العملة، ومع ذلك يفقد جزءا من راتبه متوقعا أن الخسارة ستتضاعف إذا ما استمر هذا الانخفاض خاصة أن الجهة المشغلة له لا تعوضه عن هذه الخسارة.
مثل عبد العزيز كان الموظف في أحد المؤسسات التعليمية بنابلس سميح عيد يواجه المشكلة ذاتها قبل عدة سنوات، حينها انخفض سعر صرف الدولار ووصل مستوى متدنيا، لكن مؤسسته عوضته والموظفين الآخرين بمنحه فارق السعر وتثبيت الراتب عند مبلغ معين.
قوة الشيكل
في ظل غياب العملة الفلسطينية، يتداول الفلسطينيون أربع عملات على الأقل، هي: الدولار الأميركي والدينار الأردني واليورو الأوروبي والشيكل الإسرائيلي، وهو ما يشعرهم بعدم الأمان دوما.
ويرى الخبير المالي محمد سلامة أن انخفاض الدولار أو ارتفاعه سببه طبيعة كل عملة وميزاتها كما هو حال الشيكل الإسرائيلي، وقال “إن إسرائيل من أفضل الأسواق الناشئة ومن أقوى الاقتصادات وهو ما ينعكس على عملتها”.
وبلغة الأرقام، أوضح سلامة للجزيرة نت أن النمو الاقتصادي في إسرائيل 3% والبطالة بحدود 3% مع عدم وجود تضخم، كما أن الشيكل الإسرائيلي مدعوم بميزان مدفوعات وبرصيد عملات أجنبية، وخاصة من يهود أوروبا الذين يتجهون للشيكل الإسرائيلي كملاذ آمن مثل الين الياباني والفرنك السويسري، وهذا يقوي الشيكل الإسرائيلي.
كما أن عدم الوضوح والارتباك الموجود في الأسواق العالمية ومشاكل التجارة الدولية يقوي الشيكل، وقال سلامة “إن الشركات الإسرائيلية بمؤشر ناسداك وشركات التكنولوجيا تؤدي جيدا”، ويضيف “هناك استثمار أجنبي في هذه الشركات يؤدي لزيادة الطلب على الشيكل وبقائه في مستوى جيد مقارنة بعملات ثانية”.
وأضاف أن قوة الشيكل أمام سلة العملات في أعلى مستوياتها وهو ما لم يحدث تاريخيا، فالجنيه الإسترليني مقابل الشيكل الإسرائيلي في أدنى مستوياته (الجنيه الإسترليني 4.2 شيكلات) بفعل ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، وهذا مؤشر على أن الشيكل عملة قوية ويطلبها الكثيرون بالذات من شركاء إسرائيل التجاريين كبريطانيا وتركيا والصين وغيرها.
انعكاس سلبي
ويفترض -بحسب الخبير سلامة- أن يكون التعامل بالشيكل إيجابيا على الاقتصاد الفلسطيني، خاصة أن معظم رواتب السلطة بالشيكل وكذلك دخل العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل، لكن هذا لا يحدث في ظل غياب مرونة الأسعار وعدم انخفاضها، لأن التجار “يستغلون” ويثبتون سعر صرف الدولار مقابل الشيكل ليزدادوا ربحا.
وأكثر من يتضرر نتيجة انخفاض الدولار هم الذين لديهم التزامات بالشيكل بينما دخولهم بالدولار، وهؤلاء هم فئة القطاع الخاص الذين تصرف رواتبهم بالدولار أو بالدينار الأردني، ورغم أن نسبتهم ليست بالكبيرة (حوالي 60 ألف موظف) مقابل موظفي الحكومة (140 ألفا)، فإنهم يتأثرون خاصة إذا كانت رواتبهم غير مثبتة على سعر صرف الدولار، “وبالتالي لا ميزة يستفيدها المواطن من انخفاض الدولار”.
ويتوقع سلامة استمرار انخفاض الدولار مقابل الشيكل للميزات التي يتمتع بها الشيكل، ولا سيما رصيده من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي الإسرائيلي والتي تجاوزت نسبتها 33% من الدخل المحلي الإجمالي الإسرائيلي، ورغم أن هناك احتمالا برفع الفائدة للشيكل الإسرائيلي أواخر العام الحالي لربع بالمئة، فإن استمرار ارتفاع الشيكل وارد مع انخفاض الفوائد على العملات الأخرى.
ويتزامن تراجع الدولار مع تدهور الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية، وتلقي الموظفين نصف رواتبهم فقط للشهر السابع على التوالي، كما شهد مؤشر غلاء معيشة الفلسطينيين ارتفاعا بنسبة 0.18% خلال يوليو/تموز 2019 مقارنة مع شهر يونيو/حزيران 2019.
غياب العملة
وتأثر الاقتصاد الفلسطيني سلبا أو إيجابا بارتفاع العملات أو انخفاضها يرده الخبير الاقتصاد الفلسطيني ماهر الطباع إلى عدم وجود عملة فلسطينية للتداول، إضافة لانخفاض قيمة الدعم والمنح الدولية المقدمة للفلسطينيين والتي ترصد بالعملات الأجنبية.
كما أن انخفاض رواتب الموظفين العاملين في المؤسسات الدولية والمحلية والذين يتقاضون رواتبهم بالدولار أو الدينار الأردني، ساهم في زيادة القدرة الشرائية لديهم والقيمة الخاصة برواتبهم لدى تحويلها إلى الشيكل.
ويتأثر الفلسطينيون -بحسب حديث الطباع للجزيرة نت- ممن عائدهم المالي يرتكز على تأجير ممتلكاتهم بالدولار أو بالدينار، ومن يدخرون أموالهم بالعملات الأجنبية، ويكمن الحل -وفق الطباع- بإيجاد عملة فلسطينية “مؤقتة”.
المصدر : الجزيرةكلمات مفتاحية: