في جلسة بقيت مفتوحة حتى وقت متأخر من مساء أمس الاثنين، صوت البرلمان العراقي على حزمة من القرارات والإجراءات، عدت هي الأقوى منذ عام 2003، بداية النظام السياسي الجديد في العراق. الجلسة التي تأخرت يومياً بسبب المخاوف من انتقال المظاهرات من ساحة التحرير إلى المنطقة الخضراء، عقدت أمس بحضور 222 نائباً من مجموع 329 نائباً، هم مجموع أعضاء البرلمان العراقي.
كتلة «سائرون» التي أعلنت تحولها إلى المعارضة، وبدأت اعتصاماً مفتوحاً داخل مبنى البرلمان منذ ثلاثة أيام، شاركت في الجلسة. كما شارك فيها النواب الستة الذين أعلنوا استقالاتهم من البرلمان، والذين ينتمون إلى كتل مختلفة.
ومن بين أهم القرارات التي تم اتخاذها: إلغاء مجالس المحافظات والمجالس البلدية في الأقضية والنواحي، وهو ما يعد أقوى ضربة للحكم المحلي في البلاد، الذي فشل في تأدية واجباته بعد تحوله من الخدمي إلى السياسي. كما قرر البرلمان تشكيل لجنة لتعديل الدستور العراقي. كما صوت على إلغاء امتيازات الرئاسات الثلاث والمناصب الكبرى في البلاد.
وفي الوقت الذي عد فيه سعد المطلبي عضو مجلس محافظة بغداد أن «قرارات البرلمان بشأن مجالس المحافظات ليست ملزمة وغير قانونية»، فإن عضو البرلمان عبد الله الخربيط وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال إن «البرلمان هو بيت الشعب، وهو أعلى سلطة تشريعية في البلاد، وبالتالي فإن أي قانون يشرعه أو قرار يتخذه قانوني وملزم للحكومة، التي بات يتعين عليها تنفيذ كل ما يصدر عن البرلمان بسرعة».
المطلبي في مقابل ذلك قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مجالس المحافظات سوف تطعن في هذا القرار بالمحكمة الاتحادية، كونه لا يستند إلى أساس دستوري»، مبيناً أن «مجالس المحافظات دورها خدمي، وتقوم بواجباتها، وبالتالي فإن إلغاءها ليس حلاً»؛ لكن الخربيط يرى أن «مجالس المحافظات انتهت مدة عملها منذ سنوات، واستمرارها يعد مخالفة دستورية»، مبيناً أن «البرلمان عازم على الانسجام التام مع مطالب المتظاهرين المشروعة، وعلى صعيد كل المجالات والميادين». وأضاف أن «البرلمان سوف يبقى في حالة انعقاد حتى يأتي رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، أو من يخوله، ومعه القوانين والإجراءات التي تريد الحكومة أن يكون لها غطاء قانوني، فضلاً عن التعديل الوزاري الذي ننتظره».
تأتي هذه القرارات والإجراءات في ظل تصاعد حدة المظاهرات والاحتجاجات في العاصمة بغداد، وعدد من المحافظات الوسطى والجنوبية من البلاد.
من جهته، أعلن سعد الحديثي، الناطق الرسمي باسم مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، أن «رئيس الوزراء لديه قائمة بتغيير بعض الوزراء، سيتم تقديمها إلى البرلمان بمجرد عقده بنصاب قانوني».
وكان عبد المهدي قد أعلن في الـ24 من الشهر الجاري، في كلمة له إلى الشعب العراقي على خلفية المظاهرات الغاضبة، أنه «سيجري الأسبوع القادم تعديلات وزارية بعيداً عن مفاهيم المحاصصة، وتركز على الكفاءات واستقلالية الوزراء وحضور متزايد للمرأة والشباب».
وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد قضت أمس الاثنين «بعدم خضوع توزيع المناصب وفق قرار المحاصصة» مؤكدة في بيان لها أن «قيام القوائم والكتل السياسية بالمطالبة بمناصب وكلاء الوزارات ورئاسة الهيئات والدرجات الخاصة في أجهزة الدولة وفق استحقاقها، لا سند له من الدستور». وأشارت المحكمة الاتحادية العليا إلى أن «السير خلاف ما نص عليه الدستور قد خلق ما يدعى بالمحاصصة السياسية في توزيع المناصب، وما نجم عن ذلك من سلبيات أثرت في مسارات الدولة، وفي غير الصالح العام».
إلى ذلك، دعت جبهة الإنقاذ والتنمية إلى أهمية الحفاظ على هيبة الدولة، بعيداً عن الحكومة أو مصالح القوى السياسية. الجبهة، وفي بيان لها تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، دعت الحكومة إلى «تقديم استقالتها، وتشكيل حكومة مؤقتة تضم شخصيات مقبولة وطنياً، ولا يشارك أعضاؤها في الانتخابات القادمة، ولا تزيد مدة بقائها على 6 أشهر». كما دعت الجبهة إلى «قيام الحكومة بإجراء انتخابات مبكرة، وبإشراف أممي وفق قانون جديد يضمن تمثيلاً حقيقياً للشعب، ويشجع على مشاركة واسعة، ومن قبل مفوضية جديدة مستقلة فعلاً». كما دعت إلى «اعتماد قانون انتخابي جديد يعتمد على الدوائر المتعددة، ويضمن الانتخاب المباشر للمحافظين من قبل الناخبين، مع إلغاء مجالس المحافظات». وطالبت بـ«إطلاق حملة وطنية لمراجعة وإصلاح النظام السياسي، بعد إخفاقه في إقناع الشعب، ومن دون تحديدات مسبقة»، بالإضافة إلى «إصلاح القضاء بما ينسجم مع طبيعة المرحلة، ومد القضاء بأسباب الفاعلية في حسم ما يقع ضمن اختصاصاته، والسيطرة على السلاح المنفلت خارج إطار الدولة».
الشرق الأوسط