تكافح القوات العراقية، على الجبهة الشمالية، في معارك دموية تنظيم داعش الذي يسيطر على مساحات واسعة هناك، لكن في الجنوب هناك معركة من نوع آخر مصدرها إيران. وتكافح قوات عراقية في مدينة البصرة ذات الأغلبية الشيعية كميات كبيرة من المخدرات التي غالبا ما تتسلل إلى العراق عبر الحدود، وتسببت مؤخرا في تحول مراهقين كثيرين من تناول مشروبات كحولية إلى تناول مسحوق أبيض بات يحظى بشعبية كبيرة في المدينة. وخلال السنوات الثلاث الماضية، اجتاح وباء المخدرات مدينة البصرة عبر مسحوق الميثامفيتامين “الكرستال الإيراني” الذي يتم إنتاجه في إيران قبل تهريبه بكميات كبيرة عبر الحدود.
اكد اختصاصيون بشؤون المخدرات في العراق تزايد نطاق المتاجرة بالمخدرات وتعاطيها من قبل الشباب، محذرين من مخاطر هذه الظاهرة على المجتمع. إذ يؤكدون على ان المخدرات بانواعها اليوم اصبحت متاحة في محافظة البصرة اذ يستطيع اي شخص الحصول عليها دون عناء بسبب عدم وجود المراقبة والمتابعة الحازمة لاجهزة الدولة فضلا عن ان القانون في هذه المدينة اصبح في خبر كان معزيا السبب الى سيطرة العصابات المسلحة على مقدرات البصرة بكل تفاصيلها. وان السلطات الامنية والادارية في المحافظة ليست لديها القدرة الكافية على اجتثاث هذة الآفة التي وصلت إلى الجامعات. ويضيف المراقبون إن سعر سيجارة “الحشيشة” لا يتعدى الدولار والنصف. ويؤكدون إقبال الشباب على هذه السجائر، مبينون أن السعر هذا يجعلها بمتناول المدمنين من العاطلين عن العمل والكسبة وصغار السن الذين يعانون ظروفاً عائلية سيئة كفقدان معيليهم. ويبلغ سعر الغرام الواحد من مسحوق “الكرستال الإيراني” 13 دولارا، أمريكيا.
ويشير هؤلاء المراقبون إن القوات الأمنية والاستخبارية العراقية لا تستطيع المتابعة بالشكل المطلوب للحد من انتشار ظاهرة الإدمان وتحاول التنسيق مع قوات الحدود لمنع تهريب المواد المخدرة إلى داخل الأراضي العراقية. بحسب آخر إحصائية للهيئة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات، هناك أكثر من 7000 حالة إدمان في البصرة، منها حالات إدمان على الحبوب المخدرة. .ويقولون إن الاستهلاك يتضاعف عاما بعد عام، مستهدفا بشكل أساسي مناطق عشوائية يسكنها الفقراء وتخضع لسيطرة ميليشيات الحشد الشعبي. ويرون أن موقع محافظة البصرة المجاور لدول مستهلكة ومنتجة جعل الأزمة تتفاقم، في ظل غياب المعالجات الواقعية من لدن السلطة المركزية. ففي البصرة اليوم لا أحد يهرب النفط. الكرستال الإيراني هو النفط الجديد بحسب متابعين للشأن العراقي.
ويتفق جميع الباحثين الاجتماعيين، من المعنيين بالشأن العراقي على أن العراق ظل ممرا لتجارة المخدرات عقودا طويلة، ولم يسمع عن العراقيين بأنهم متعاطو مخدرات أو من المدمنين عليها، وظلوا يعتقدون بأن الخمرة أفضل من الحشيشة بكثير لسبب معقول جدا، هو أن الخمرة تمنحهم نوعا من الشجاعة والبطولة والقوة والكرم وطيب النفس، فيما تخذل الحشيشة صاحبها وتجعله يائسا ،مهزوما، خائر القوى.
يعود انتشار ظاهرة تهريب المخدرات في عراق ما بعد عام 2003م، للفساد الإداري والمالي الذي ينخر مؤسسات الدولة العراقية بما فيها الأجهزة الأمنية، إضافة إلى حالة شبيهة بالانفلات الأمني تشهدها مناطق وسط وجنوب العراق بسبب حاجة العراق لأغلب المنتسبين إلى الأجهزة الأمنية في تلك المناطق لقتال تنظيم داعش بعد أحداث الموصل في حزيران/يونيو عام 2014. بالإضافة إلى سطوة النظام الإيراني على مفاصل نظام الحكم في العراق، إذ تشير المعلومات المتوفرة أن تهريب المخدرات «المنظم» إلى داخل العراق بدأ مع التدخل الإيراني عبر الميليشيات وعصابات المخدرات والجريمة المنظمة برعاية جهاز المخابرات الدولي الإيراني ومخابرات الحرس الثوري وفيلق القدس الذي يتزعمه قاسم سليماني يتولى الإشراف على عمليات تهريب المخدرات إلى العراق، بما فيه إقليم كردستان، ومن العراق إلى دول الخليج، إذ يؤكد محافظ ديالى السابق عمر الحميري في إحدى مقابلاته الصحفية “إن أكثر من 90 في المائة من المخدرات والحشيشة التي تدخل إلى محافظة ديالى مصدرها إيران عبر الحدود الشاسعة الممتدة مع العراق وأن تدفق تلك المواد السامة يمثل مؤامرة يراد منها خلق آفة تهدد المنظومة الاجتماعية وتزيد من أعباء المشهد الأمني في العراق والمحافظة” وقال إن «هذا الموضوع الخطير كان قد أثار اهتمام إدارة محافظة ديالى سابقًا والأجهزة الأمنية فيها، وتم إلقاء القبض على عدد من العصابات التي تقوم بإدخال كميات هائلة من المواد المخدرة كالحبوب والحشيشة وغيرها ونقلها إلى جميع المحافظات العراقية، والغريب في الأمر أن تلك العصابات المنظمة ازداد نشاطها بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة مما تسبب في انتشار ظاهرة الإدمان بين الشباب وأكدت دراسة قامت بها إحدى الفرق الصحية والرقابية أن المخدرات انتشرت بين الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة في المحافظة وباقي محافظات العراق”.
وأضاف الحميري «يقينًا أن هناك غطاء سياسيا لتلك العصابات التي تقوم بنقل المواد المخدرة والحشيشة بهذه الكميات الهائلة إلى العراق، وأن ما يحدث يمثل مؤامرة يراد منها خلق آفة تهدد المنظومة الاجتماعية وتزيد من أعباء المشهد الأمني باعتبار أن الإدمان وسيلة لخلق المجرمين للإضرار بالصالح العام في اتجاهات مختلفة، بينما في المقابل نشهد سكوتا من قبل الجهاز الأمني المعني (مديرية مكافحة الجرائم) عن هذا الأمر بل تبدو هذه المديرية بعيدة كل البعد عما يجري من بيع وشراء وترويج لتلك المخدرات داخل المحافظة التي يجري بيعها بشكل علني وأمام أنظار الناس
وبهذا الخصوص أيضا تشير تقارير حديثة لمكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة أكدت أن هناك ممرين رئيسيين لدخول المخدرات نحو العراق الذي تحول إلى مخزن تصدير تستخدمه مافيا المخدرات، مستفيدة من ثغرات واسعة في حدود مفتوحة وغير محروسة، فالعصابات الإيرانية والأفغانية تستخدم الممر عبر الحدود الشرقية التي تربط العراق مع إيران، إضافة إلى ذلك هناك الممرات البحرية الواقعة على الخليج العربي التي يربط دول الخليج مع بعضها…وأضافت التقارير أن العراق لم يعــد محطة ترانزيت للمخدرات فحسب، وإنما تحول إلى منطقة توزيع وتهريب، منتقدين قرارا حكوميا صدر في 10 آب/أغسطس عام 2006 قضى “بإطلاق سراح 442 مجرما مدانا من مهربي المخدرات الإيرانيين معتقلون في السجون العراقية”، في دلالة صريحة على قوة النفوذ الإيراني في العراق وتحكمه بالقرار الأمني والقضائي. وأصبح معظم تجار المخدرات في شرق آسيا يوجهون بضاعتهم نحو العراق وتحديدا البصرة، ومن ثم يتم شحنها إلى الاماكن التي يبغونها وفي هذا المجال وللتأكيد بأن ظاهرة المخدرات باتت ظاهرة مخيفة فقد حذّر تقرير لليونيسيف من أن مشكلة الإدمان على المخدرات تتجه لتصبح ظاهرة متعاظمة ومتفاقمة بين أطفال العراق، إذ أشارت إلى أن عدد مدمني المخدرات بين الأطفال بحدود 10%…اضافة الى إن حالات الإدمان زادت بنسبة 50% بعد ان كان العراق قبل عام 2003 خاليا من هذه السموم القاتلة نتيجة قوة القانون وصرامته وتمسكه بعاداته وتقاليده العشائرية والدينية.
إذا كانت إيران هي مصدر توريد المخدرات إلى العراق ودول الخليج فإن من يقومون بتسهيل عمليات التهريب مسؤولون أيضا عن هدم بنيان هذه المجتمعات بصرف النظر عن الدوافع التي يقال إن معظمها بهدف الكسب السريع والثراء. قد تبقى التقارير الصحفية قاصرة عن رسم صورة شبه متكاملة لعمليات تهريب وترويج المخدرات والأهداف التي تسعى لها دول أو جهات لها دوافع أخرى مختلفة عن دوافع المهربين والمروجين، وهؤلاء في حقيقتهم هم أدوات تنفيذ أو تسهيل مهمة تلك الدول أو الجهات، عن قصد أو من دونه. ولمواجهة هذه الظاهرة الغريبة عن المجتمع العراقي يتطلب أولاً ضبط الحدود مع دول الجوار وتحديداً إيران، ثانياً: تفعيل القانون الذي غيب في العراق وتحديداً في محافظة البصرة نتيجة الصراعات بين الأحزاب السياسية والمليشيات السلحة. ثالثاً: ضرورة تفعيل دور المجتمع وتفعيل الجانب الديني والأسرة والمدرسة والجامعة في التوعية من أهم العوامل المساهمة في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة.
خلاصة القول يمكن القول تعدد أشكال الخطر الإيراني على العراق الذي يمتلك حدودا طويلة مع إيران. فبالإضافة إحكام النظام الإيراني نفوذه على العراق ،يعمل من خلال خطة موسعة يشرف عليها قادة الحرس الثوري وفيلق القدس والاطلاعات الإيرانية (المخابرات والاستخبارات) منذ سنوات على ضخ كميات كبيرة من المواد المخدرة في العراق بشكل عام ومحافظات الجنوب وخاصة البصرة ونشرها بين الشباب بطرق مختلفة. إذ كثف النظام الإيراني محاولاته من أجل ضخ هذه السموم بشكل سري وعلني إلى داخل العراق،لضرب المجتمع العراقي وتحطيم الإنسان العراقي وهذا ما يسعى إليه النظام الإيراني.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية