إيران ترمي بسمومها في أرض السواد العراقية

إيران ترمي بسمومها في أرض السواد العراقية

شذى خليل*

لم تكتفي إيران بقطع أكثر من خمسة عشر مصبٍ من الماء العذب ، كانت تصب بنهر دجله ، بل زادت ذلك بأطلاق مياه مبازلها ، وسموم مصانعها لتصب في الأنهار العراقية ، ولتقتل ما تبقى من أرض كانت تسمى أرض السواد لكثافة بساتينها ، وتعد مياه شط العرب ، عصب الحياة الزراعية في محافظة البصرة ، التي تحاول إيران جاهدة إلى تدمير العراق من جميع النواحي .
حيث قامت السلطات الإيرانية في محافظة خوزستان ، بضخ مياه البزل التي تخلفها مزارع قصب السكر ، وبكميات كبيرة ، باتجاه الأراضي العراقية الحدودية ، ما أدى إلى تراكمها على الشريط الحدودي ، فغمرت مساحات واسعة من الأراضي الحدودية التي تجاوزت خمسة عشر كليو متر مربع ، تمتد من منفذ الشلامجة في محافظة البصرة ، وتنتهي بهور الحویزة في محافظة ميسان ، مما شكل أضرار جسيمة وتلف كبير على الثروة المائية والأراضي الزراعية العراقية .
وتوضح صور الأقمار الاصطناعية ان المياه الإيرانية المتدفقة باتجاه الأراضي العراقية ، هي مياه بزل ناتجة من مزارع أسماك ، ومزارع للسكر الإيرانية ، فعندما يكون لديهم حصاد قصب السكر ، يقومون بإفراغ المزارع من المياه ، وتكون محملة بالمبيدات الجهازية ، ومبيدات الفطريات ، وهي مخلفات كيماوية شديدة السميّة على الأمد البعيد ، ويسبب تراكمها في الجسم الأمراض السرطانية ، إضافة إلى مياه مخلفات المصانع ، وهي مواد عرضية ناتجة عن عمليات التصنيع لمعامل البتروكيمياويات ومصفى عبادان ومصانع البلاستك الإيرانية .
وتعتمد البصرة بشكل كبير على مياه شط العرب ، وهي تعاني منذ سنوات من ارتفاع نسبة الملوحة ، خصوصاً بعد إغلاق إيران نهري الكارون والكرخا ، وتحويلهما إلى داخل أراضيها بشكل كامل ، إضافة إلى انخفاض دفقات المياه القادمة من نهري دجلة والفرات ، في حين بلغت نسبة الملوحة في ناحية السيبة (4000) جزء من المليون .
ليس هذا وحسب ، إذ تعمد إيران يوميا إلى تصريف كميات كبيرة من المياه المالحة نحو شط العرب ، لتفريغ أراضي المزارع المغمورة طوال فصل الصيف من المياه القذرة ، مما يزيد من احتمالية انهيار السدّة الترابية ، وهو ما سيدفع مخلفات الحرب العراقية الإيرانية من الألغام والمتفجرات نحو الشواطئ العراقية ، خلافا للاتفاقيات الدولية الموقعة حول ذلك ، ونظرا لشح المياه الصالحة للشرب ، والاستعمال اليومي ، في المحافظة ، يلجأ غالبية السكان إلى شراء المياه الصالحة للشرب بكلفة تتجاوز الخمسين ألف دينار عراقي شهرياً لكل عائلة .
وفيما يلي صورتين للأقمار الصناعية تبين وتوضح ما يلي :
الصورة الأولى :

 

    توضح الصورة الأولى وجود البحيرات الملحية الإيرانية الملاصقة للحدود العراقية ، والتي تعد جريمة وفق المواثيق والاتفاقيات الدولية ، بسبب وصول مياهها عن طريق الكارون لتصب في شط العرب ، وان موقع هذه البحيرات بأرض أعلى من شط العرب ، ولقرب المسافة من الشلامجة ، ولا يفصلها عن الأراضي العراقية سوى السد الترابي المهدد بالانهيار ، ما يعني تدفق كل هذه المياه لتصل الى شط العرب ، وتدمر كل الأراضي التي تمر بها ، واحتمالية تسرب جزء من هذه المياه شديدة الملوحة بشكل مياه جوفية لتصل الى مسافات بعمق الأراضي العراقية وبعدة كيلومترات ، بسبب انخفاض أرض البصرة لتختلط بالمياه الجوفية العذبة .
الصورة الثانية :
أمال الصورة الثانية ، فتظهر الدوائر الحمراء والتي تشير إلى المبازل الإيرانية ، والتي يلاحظ حجمها الذي يفوق حجم مدينة البصرة ، وبكميات ماء شديدة الملوحة تفوق بأضعاف كل كميات ماء شط العرب .
أما الدوائر الخضراء التي تظهر في الصورة فتشير إلى أراضٍ إيرانية مستصلحة ، والتي نلاحظ أن حجمها يفوق حجم مدينة البصرة .
وتستمر معاناة وشكاوى الأهالي في السيبة – قضاء الفاو الذي يبعد حوالي تسعين كيلو متراً جنوب البصرة ، من ارتفاع نسب ملوحة المياه في شط العرب ، ما أدى إلى تسجيل خسائر كبيرة في محاصيلهم الزراعية ، ونفوق حيواناتهم ، ولا تقتصر معاناة البصرة على مياه البزل الإيرانية وحسب ، فالنزاع بين المحافظات الجنوبية على تقاسم حصص المياه يرمي بظلاله على المحافظة ، ويزيد من معاناة أهلها .
تحذيرات من الجانب العراقي إلى الجانب الإيراني :
قامت القوات المسلحة العراقية من حرس الحدود ، على صيانة السدود الترابیة الواقعة ضمن الحدود العراقية الإيرانية ، الا ان مختصين في محافظة البصرة ، حذروا من انهيار السدّة الترابية بشكل كامل ، نتيجة ارتفاع مياه البزل الإيرانية ، وانخفاض الأراضي العراقية ، وان عدم توفر مصدّات نباتية تعوق هبوب الرياح التي تدفع بالمياه بقوة ، فيما أكد الوكيل الفني لوزارة الزراعة مهدي ضمد القيسي ، ان انجراف مياه البزل الإيرانية قد تكررت في وقت سابق بالرغم من انه أمر مرفوض دوليا وبشكل قاطع .
إذ لا يمكن لأي دولة ان تدخل مياه البزل التابعة لها الى دول الجوار ، كونها مضرة بالأراضي الداخلة لها ، وأضاف القيسي ان المياه تؤثر على خصوبة الأراضي الزراعية وطبيعتها .
إن وزارة الموارد المائية لديها مخاطبات مع إيران بشأن القضية ، والوزارة تدعو جميع الجهات للتدخل وحل المشكلة الخطرة التي تمس حياة المواطن العراقي .
فقد دمرت مياه البزل المتدفقة من الأراضي الإيرانية إلى الأراضي العراقية ، الأراضي الزراعية ، والثروة الحيوانية ، وأدت الى نفوق كمیات كبیرة من الأسماك النھریة ، بسبب الملوحة الشدیدة ، ولإيقاف هذه المشكلة الخطرة ، ينبغي التعامل الجاد والحازم من قبل الحكومة العراقية مع الجانب الإيراني لوقف هذه الانتهاكات ، كون عملية وقف تسرب میاه البزل لیست بالمھمة السھلة ، وإنما یتطلب قیام الجانب الإیراني بوقف تنفیذ المشاریع الزراعیة القریبة من الحدود العراقیة من الجھة المقابلة لشط العرب ، إلا أنها في الوقت نفسه لا تستجيب الى أي مطالب رسمية من الحكومة العراقية بذات الشأن .

السدة الترابية .. خطر قادم :
إن السدّة الترابية قد حدث فيها فجوات تسربت منها المياه في أكثر من خمسين كيلو مترا ، وفي حال انهيارها ، فأن ذلك سيتسبب بتجريف مياه البزل الإيرانية إلى مناطق شرق المحافظة ، وإتلاف الأراضي الزراعية ، وتلوث مياه شط العرب ، إضافة إلى غرق الأراضي المشغولة من قبل الشركات النفطية .
وبهذا الصدد ، قال نقيب المهندسين الزراعيين في المحافظة “علاء البدران” إن الإجراءات التي اتخذت لمعالجة هذه المشكلة تعد مؤقتة بسبب النقص في الإمكانيات ، ما أثر على استمرار أعمال الترميم , وأضاف ان هنالك نقصا في تجهيز وقود الآليات العاملة في إكمال السدّة الترابية التي من خلالها تلافينا مرحلة الخطر في السنوات الثلاث الماضية ، لكن المشكلة مازالت قائمة ، كما لم يبادر الجانب الإيراني إلى اتخاذ أي إجراءات للحد من تفاقم هذه المشكلة ، وأوضح البدران ، أن ما عقّد المشكلة أكثر ، عدم امتلاك الحكومة المحلية الصلاحيات اللازمة لمخاطبة دول الجوار حول مشكلات الحدود ، خاصة وان المخاطبات الخارجية لا تتم إلا عبر وزارة الخارجية العراقية حصرا ، والتي جرى إبلاغها بالمشكلة منذ قرابة ست سنوات ، ومازال هذا الملف في أروقتها دون أن يتم تحريكه لغاية اللحظة ، كما لم نلمس تعاونا من الحكومة الاتحادية في تقديم العون لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة .
وأضاف البدران ، ان تفادي خطر مياه البزل الإيرانية على أراضي المحافظة ، يكمن حله بإنشاء سدّة ترابية بمواصفات هندسية وفنية صحيحة ، فلولا أن المصادفة أدت دورا في كون وزيري النفط والنقل من المحافظة للدورة الحالية ، ونال الموضوع اهتمامهما الشخصي فأوعزا لملاك الوزارتين بالتحرك السريع لكانت المياه جرفت شرق المحافظة بالكامل .
في حين أكد ممثل دائرة الموارد المائية في المحافظة فيصل عبدالقادر ، أن الملاكات المشتركة من الموارد المائية والمحافظة والموانئ وشـــــــركة النفط العراقــية إضافة لجهد القوات الأمنية استكملت إصلاح مسافة ألف ومئة وخمسين مترا من أصل أكثر من أحد عشر كيلو مترا متضررا من أجزاء السدّة .
بينما أضاف عضو المجلس جواد الإمارة ، إن اتفاقا جرى في وقت سابق مع الجانب الإيراني من اجل قيامه بإنشاء قناة لتصريف مياه البزل نحو البحر ، لكن ما تم الاتفاق عليه لم ينفذ حتى الان .
هذا ، فيما نفت القنصلية الإيرانية بالمحافظة قيام إيران بتسريب مياه البزل عبر نهر الكارون إلى مياه شط العرب ، مشيرة إلى أن استقامة نهر الكارون تؤدي إلى تدفق مياه البزل نحو البحر وليس في المياه العراقية .

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية