على خطى القيصر بطرس الأكبر، وفي استعراض جديد لقوة روسيا العسكرية في نهر المدينة التي شهدت قبل أكثر من ثلاثة قرون تأسيس أول أسطول بحري عسكري روسي، تفقد الرئيس فلاديمير بوتين قطعاً بحرية من الأساطيل الموزعة على حدود البلاد، وأشاد بقوة البحرية وقدرتها على «ردع الأعداء» وتأمين مصالح روسيا في البحار والمحيطات.
في الجزء التاريخي من مدينة سانت بطرسبورغ، ومقابل ضريح بطرس الأكبر باني أمجاد روسيا العسكرية ومؤسس أسطولها البحري، استعرض بوتين أكثر من 40 قطعة بحرية من أساطيل البلطيق، والشمال، وقزوين، والبحر الأسود، وشاركت في العرض طائرات بحرية روسية، وحوالى أربعة آلاف بحار. وتنقل الرئيس بعدما فتحت جسور المدينة له، على متن قارب سريع في نهر النيفا، وحيّا رجال البحرية بعيدهم السنوي.
وفي كلمة ألقاها في الاحتفال بالعيد، أشار بوتين إلى أنه « منذ أكثر من 300 سنة ما زال الأسطول يثبت وضع روسيا كقوة بحرية عظمى قادرة على الصمود والثبات للحفاظ على مصالحها القومية وحماية أراضي الوطن». وأكد أن «الأسطول الروسي يلبي حاجات الدفاع عن الوطن ويساهم بقسط كبير في محاربة الإرهاب الدولي ويلعب دوراً مهماً في تأمين التكافؤ الاستراتيجي». وزاد: «مصالح روسيا في البحار والمحيطات تؤمّنها عشرات السفن والغواصات التي نفتخر بأدائها وجاهزيتها القتالية وإمكاناتها الاستراتيجية والتكتيكية والعملياتية».
ويجمع بين بوتين وبطرس الأكبر كثير من الصفات. فالرئيس المتحدر من المدينة التي بناها بطرس الأكبر ودفِن فيها، اعتلى الحكم في بلد هزم في مواجهة الغرب، ما ادى إلى تفكك الاتحاد السوفياتي. وأتت سنوات التسعينات على كل عوامل القوة الأخرى الاقتصادية والعسكرية والسياسية، في حين تجرّع بطرس الأكبر في بداية حياته مرارة الهزيمة من السويد. والرجلان يؤمنان بأن لا معنى لوجود قيصر من دون أسطول بحري وجيش قوي، ما دفع الأول إلى تحديث الجيش وبناء أسطول قوي، والثاني إلى تخصيص موازنات ضخمة لإعادة الاعتبار إلى بلاده كقوة عظمى، قادرة على التأثير في كل القضايا العالمية. والأكيد أن بوتين حقق طموحات بطرس الأكبر بالوصول إلى المياه الدافئة، وتأمين وجود دائم لروسيا في البحر الأسود والبحر المتوسط.
واضح أن الأحلام الكبيرة، والقدرة المذهلة على العمل المتواصل لخدمة طموحات « امبراطورية»، جمعت بين الرجلين، وأدت إلى نتائج سريعة في كل حالة، فبطرس الأكبر عوّض خسارته وأصبح من أهم القوى البحرية والعسكرية في أوروبا.
وبعد سنوات التسعينات العجاف، وتخصيص عشرات بلايين الدولارات، استطاع بوتين تجهيز خمسة أساطيل بأسلحة حديثة، من أسطول المحيط الهادئ شرقاً إلى أسطول البلطيق غرباً، وأسطول البحر الأسود وبحر قزوين جنوباً إلى الأسطول الشمالي على حدود القطب المتجمد. وباتت روسيا تملك 352 قطعة بحرية و62 غواصة، وحاملة طائرات، إضافة إلى مدمرات. وبوجود صواريخ أسرع بمرات من سرعة الصوت، وأخرى تتجاوز كل أجهزة الرصد، تملك روسيا قوة ردع ضخمة، لكنها، وفق خبراء، لم تستطع تحقيق معادلة مهمة، هي التوازن بين قوة روسيا الخارجية وتحسن أوضاع أبنائها اقتصادياً واجتماعياً، وما زالت رهناً لمعادلة محيّرة حددها مؤرخون منذ زمن طويل… وتكمن في زيادة بؤس الروس كلما ازدادت القوة الخارجية لبلادهم، وتوسعت حدود الامبراطورية.
الحياة