أشار مراسل صحيفة “الغارديان” في واشنطن، جوليان بورغر، إلى أن الهجوم على السفارة الأمريكية ببغداد كشف عن ضعف الولايات المتحدة ومحدودية الخيارات المتوفرة لها في هذا البلد الذي أطاحت برئيسه واحتلته لمدة ثمانية أعوام.
وقال إن الهجوم على السفارة الأمريكية ينظر إليه عادة على أنه علامة على التراجع الأمريكي، وعليه فإن صور السفارة الأمريكية المحاصرة هي نهاية تامة للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
ومع أن أحداث اليوم ليست حاسمة كتلك في عام 1975 عندما هبطت مروحية أمريكية فوق السفارة في سايغون أو السيطرة على السفارة الأمريكية في طهران بعد أربعة أعوام من فيتنام. فقد وصلت القوات العراقية في النهاية لحماية السفارة الأمريكية. وكشف عن أن السفير الأمريكي كان في إجازة، ولهذا لم يواجه إهانة الصعود إلى سقف السفارة كما فعل السفير الأمريكي في سايغون، إلا أن الضعف الأمريكي كان واضحا للعيان، وبعد إنفاق تريليوني دولار على الحرب في العراق، وتجاوز المتظاهرين والمشاركين في الشغب على السفارة نقاط التفتيش التي أقامها الجيش العراقي، وكان بين المتظاهرين الموالين لميليشيا كتائب حزب الله، نواب من الكتلة المشاركة في الحكومة.
وراقبت قوات الأمن التي لم يكن لديها أوامر لإطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع على جماجم المتظاهرين كما فعلت في ساحة التحرير، حيث بقيت تتفرج على القنابل الحارقة وهي ترمي صوب مجمع السفارة الأمريكية.
وفي البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة العراقية، حمّلت الأمريكيين المسؤولية أكثر من إيران. وبالنسبة لطهران، فالشغب حول السفارة الأمريكية هو آخر تحرك في استراتيجية مدروسة لزيادة الثمن على الوجود الأمريكي في العراق ودق إسفين بين الحكومة العراقية وواشنطن.
وكانت المنافسة بين الولايات المتحدة وإيران ستظهر عاجلا أم آجلا مع تراجع خطر تنظيم “الدولة”، إلا أن جهود الولايات المتحدة لتدمير إيران اقتصاديا من خلال حملة أقصى ضغط عنت أن الإيرانيين لم يعد لديهم شيء ليخسروه.
ونقلت الصحيفة عن باربرا ليف، السفيرة الأمريكية السابقة في الإمارات العربية المتحدة: “كان الإيرانيون منظمين في الأشهر الستة الماضية حول الطريقة التي ردوا فيها على حملة أقصى ضغط. ولسوء الحظ لم يواجهوا برد آخر”. و”السؤال هو: في الوقت الذي تملك فيه إيران وسيلة منظمة لرفع سقف الرهان، فهل سيتجاوزون الخط الأحمر الذي لا يعرفون إن كان موجودا؟”.
وكان من الواضح أن أمريكا سترد على الهجمات المتكررة من كتائب حزب الله على القواعد العراقية التي يعمل فيها الجنود الأمريكيين، كما حدث بعد هجوم الجمعة قرب كركوك. مما قاد لهجوم انتقامي على معسكرات كتائب حزب الله في العراق وسوريا أيضا.
ويرى أريان طبطائي، المحلل في مؤسسة راند، أن الولايات المتحدة تجد نفسها في وضع صعب؛ لأنها لو لم ترد، بعد مقتل مواطن أمريكي فسترسل رسالة أن الخط الأحمر الذي وضعته بشأن القتلى الأمريكيين لا يعني شيئا، ولكن الهجوم كشف عن عجز الحكومة العراقية في الدفاع عن أراضيها، ومن هنا حرف الهجوم الانتقامي النظر عن الوجود الإيراني في البلاد إلى الرغبة بالتخلص من الأمريكيين.
ومن هنا ففي لعبة الانتقام والانتقام المضاد، تبدو واشنطن ضعيفة وبخيارات قليلة، ولا يعرف أحد ماذا سيحدث بعد، فقد كانت واشنطن تريد من سياسة الضغط القاسية إجبار طهران على القبول باتفاقية نووية أسوأ من تلك التي وقعت عليها عدة دول عام 2015 وخرج منها الرئيس دونالد ترامب.
وفي الوقت الذي أضرت العقوبات على المصارف والنفط الإيرانية بالاقتصاد، إلا أنها فشلت في تركيع إيران وإجبارها على تلبية المطالب الأمريكية بالتخلي عن نشاطاتها في الشرق الأوسط وعن تخصيب اليورانيوم أكثر مما سمحت به اتفاقية عام 2015.
وبدلا من ذلك، هاجمت إيران ناقلات النفط في الخليج ومعامل تكرير النفط في السعودية، وزادت من الضغط على القوات الأمريكية في العراق. وتحدث المسؤولون الأمريكيون في الفترة الأخيرة عن “العودة للردع” ضد تحركات كهذه، وضرب أهداف لكتائب حزب الله، وحذروا بأنهم جاهزون للتصعيد لنقل المعركة إلى الأراضي الإيرانية.
ولكن سياسة الردع فقدت تأثيرها؛ لأنها لم تترك لإيران ما تخسره. بالإضافة لسياسة متقبلة للرئيس دونالد ترامب الذي يدخل عامه الانتخابي ويريد تخليص أمريكا من حروبها الأجنبية والظهور في الوقت نفسه بمظهر الشخص المتشدد مع إيران.
ففي تغريدة أرسلها وهو في طريقه للعب الغولف في بالم بيتش، دعا ملايين العراقيين الذين لا يريدون سيادة إيرانية عليهم “هذه فرصتكم”. وبدلا من ركوع وخنوع إيران للضغوط الأمريكية، زاد ترامب من الفوضى، ولا أحد حتى الرئيس نفسه يعرف كيف سيرد.
القدس العربي