كان إطلاق نحو 30 صاروخا في 17 كانون الأول/ديسمبر على القاعدة العسكرية الأمريكية K-1 قرب مدينة كركوك هو الهجوم رقم 11 الذي تشنه وحدات تابعة لـ«الحشد الشعبي» العراقي على مناطق فيها أمريكيون في العراق، ولكن الهجوم الأخير أدى إلى مقتل متعاقد مدني أمريكي وإصابة 4 آخرين، وهو ما اعتبرته القوات الأمريكية، على ما يبدو، تطوّرا نوعيا يستوجب الانتقام، فنفّذت ضربات جوية متزامنة في العراق وسوريا على مواقع لـ«حزب الله» العراقي في اليوم نفسه، مما أدى إلى مقتل العشرات بينهم قيادي في الحزب.
ردا على الغارات اقتحم أنصار من «الحشد الشعبي» حرم العراقي السفارة الأمريكية في بغداد في ليلة نهاية السنة الميلادية الثلاثاء الماضي، وهو حدث كبير ذكّر الأمريكيين بالطبع بحدث احتلال سفارتهم في طهران عام 1979 واحتجاز 52 أمريكيا رهائن فيها حتى 20 كانون الأول/يناير من عام 1981، بل إن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو (وقبله صحيفة «واشنطن بوست») اتهم ثلاثة من قادة الميليشيات الشيعية المسلحة بالتخطيط لاقتحام السفارة، بل إن أحدهم، جمال جعفر الإبراهيمي (الملقب بأبي مهدي المهندس)، وهو نائب رئيس قوات الحشد، متهم أيضا بالمساعدة في تنظيم تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا في الكويت عام 1983، وكانت محكمة كويتية قد حكمت عليه بالإعدام غيابيا، كما وضعته واشنطن في العام نفسه على قائمة الإرهاب.
تأتي هذه المواجهات في وقت يتابع فيه المتظاهرون العراقيون ثورتهم على النظام السياسي الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية بعد غزوها العراق عام 2003، والذي كانت الهيمنة السياسية فيه لإيران، عبر سيطرتها على الأحزاب الشيعية (التي ساعدتها على التمكن عبر صناديق الاقتراع أو في المعارك الطائفية)، أحد نتائجه المباشرة وتمتد هذه الهيمنة إلى الشؤون العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وهو ما جعل هذه الميليشيات أحد أذرع إيران لمواجهة الثورة الشعبية والحفاظ على النظام، إضافة إلى كونها أداتها للنزاع على السيطرة مع البقية الباقية من القوات الأمريكية في العراق، منذ إعلان انسحابها عام 2011.
إضافة إلى توظيفها هجمات الميليشيات على القوات الأمريكية في مواجهتها المفتوحة مع خصومها، ومنهم الأمريكيون، على جبهات متعددة، وبطرق معقدة، فإن هناك فوائد أخرى لهذه الهجمات والردود الإيرانية الذكيّة المركّزة عليها، ومنها تصديع جبهة المتظاهرين والثائرين على النظام السياسي العراقي عبر تأجيج أولوية الصراع مع الأمريكيين وتأطير المنتفضين على هيمنة إيران على العراق ونظامه السياسي الفاسد في صورة المتواطئين مع الأمريكيين، وهو اتهام سبق لمسؤولين إيرانيين عديدين، بينهم المرشد الأعلى علي خامنئي، أن اتهموا به الثوار المطالبين بتغيير النظام في العراق (وكذلك لبنان وسوريا).
طبيعي، والحال كذلك، أن يرفض المحتجون المناهضون للنظام، والذين يواصلون التظاهر منذ ثلاثة أشهر، تحويل بلادهم إلى ساحة للصراع الإيراني ـ الأمريكي، وحسب أحد الناشطين في مدينة النجف فإن «صراع المحاور» و«تصفية الحسابات» الجاري بين أمريكا وإيران، كان أحد الدوافع الأساسية لنزول المحتجين للشوارع دفاعا عن سيادة بلدهم ولمنع تحكم واشنطن أو طهران في حكام العراق، وهي خطوة ضرورية لجعل حكومتهم المنتخبة تستجيب لمصالح العراقيين، لا لمصالح إيران أو أمريكا.
القدس العربي