في مرحلة ما بعد اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، جرى الخلاف حول تعريف كلمة لوصف قرار الرئيس دونالد ترامب؛ واحد عامي والآخر قانوني.
ويقول ماكس فيشر وأماندا تاوب في تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” إنه لا يوجد تعريف محدد لكلمة “اغتيال”، إلا أنها وهي المشحونة بمعان سياسية أخذت أهمية واسعة بحيث لم تعد تعني شيئا واحدا.
فقرار الرئيس ترامب قتل أهم قائد عسكري إيراني غير إخلاقي وغير قانوني وخطير. إلا أن إدارة الرئيس لا ترى في قتل سليماني اغتيالا ووصفت استخدام القوة لقتله أمرا مبررا وقانونيا.
وبالمعنى الشعبي يعرف الاغتيال بأنه قتل شخص أو ارتكاب جريمة لتحقيق أهداف سياسية، وتحديدا شخصية سياسية بارزة وإن لم يكن في كل الأحيان. وعليه فقتل سليماني يبدو أنه يناسب الوصف، فهو واحد من أهم الشخصيات في الحكومة الإيرانية، البلد الذي لم يعلن الحرب رسميا على الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي ركزت فيه إدارة ترامب على تبرير قتله بمحاولة وقف هجمات محتومة ضد المصالح الأمريكية إلا أن القتل عنى تغيير سلوك إيران بالمنطقة.
وبعيدا عن المعنى الشعبي هناك تعريف آخر، فقد منعت أمريكا الاغتيالات عام 1976 لكنها لم تحدده. ومع مرور الوقت أصبح التعريف للاغتيال أكثر دقة ومحلا للخلاف وتم فهمه في إطار ضيق حسب الإدارة العاملة في البيت الأبيض.
وتقول سوزان هينسي، مديرة الموقع القانوني “لوفير”، إن سلطات الحكومة لملاحقة أفراد في الخارج أصبحت واسعة “وأكثر خلافية وأكثر تعقيدا” و”مصطلح اغتيال هو عكس هذا وتحديد للطريقة التي تجاوزت فيها الحكومة صلاحياتها وخرقت الحظر الذي فرضته بنفسها”. وقامت الإدارات السابقة بتوسيع هذه االسلطات بشكل جوهري.
وعلقت هينسي: “لو قمت بدراسة مسحية مع كل باحث قانوني فمن المحتمل ان تعتبر هذه العملية قانونية” أي قتل سليماني. إلا أن هذا لا يجعل من القتل أخلاقيا أو حكيما ولكنها عملية تقع في إطار السوابق التي بدأتها الإدارات السابقة وأي محاولة لعقلنة الأمر تظل نظريا.
ولم تقدم الإدارة الحالية أي مبرر قانوني مما يثير أسئلة حول قرارها وأنها تصرفت قبل أن تحصل على نصيحة قانونية.
وترى الصحيفة أن الخلاف حول تعريف الاغتيال بين ما هو قانوني وشعبي قد يكون في النهاية لغويا. وربما عكس الانقسام المتزايد بين استخدام القوة القاتلة بطريقة متناسبة والسلطات الممنوحة للرئيس للقتل في الخارج.
وقتل سليماني يعكس استخداما متطرفا لهذه السلطات ويلفت الانتباه إلى أن التعريف أصبح واسعا ومغلفا بسرية الأمر التنفيذي. ومن هنا فأي عمل يتناسب تعريفه مع الفهم الشعبي للاغتيال يمكن اعتباره قانونيا ومسموحا به.
ولكن السؤال عن القتل الذي يعتبر اغتيالا، وهو ما يدعو للعودة إلى المنع الأصلي للقتل بدافع سياسي. وجاء هذا المنع بعد تحقيق الكونغرس في سلسلة من الخطط لقتل قادة أجانب في السبعينيات من القرن الماضي، بشكل أثار غضبا في الداخل والخارج. ونظر للمؤامرات على أنها انتهاك للأعراف الدولية والقيم الأمريكية وأنها تعرض حياة القادة الأمريكيين للخطر.
وأصدر الرئيس جيرالد فورد أمرا يمنع الحكومة القيام بـ”الاغتيال السياسي” بدون أن يعرف ماذا يعني بالمصطلح. وبعيدا عن منع التآمر لقتل القادة الأجانب لم يكن المصطلح واضحا.
وفي عهد رونالد ريغان، قال المحامون إن القتل يجب أن يكون غير قانوني حتى نعتبره اغتيالا. وقام البرفسور في الجامعة الأمريكية كينث أندرسون بنصح إدارة باراك أوباما حول برنامجها لملاحقة المشتبه بتورطهم بأعمال إرهابية في الخارج، حيث قال إن الاغتيال أصبح يعرف بأنه قتل غير قانوني تقوم به الحكومة. لكن المحامين في القرارات التنفيذية هم من يحددون سلطة الحكومة لقتل أشخاص في الخارج.
وترى هينسي أن “هناك نوعا من المنطق الدائري لهذا، فأي شيء يقوم به الفرع التنفيذي سيقولون إنه قانوني، ولهذا سيؤكدون أنه لم يكن اغتيالا”.
وعليه قامت كل إدارة منذ ريغان بتضييق مدى التعريف لاعتبار القتل اغتيالا. وركزت كل نظرة على ما يعتبر اغتيالا على التهديد الإرهابي مثل عام 1984 عندما قدم محامو المخابرات المركزية مبررا للحكومة يمكنها من خلاله اغتيال قادة حزب الله. وقالوا إن حزب الله هو تهديد مستمر ولهذا فقتل قادته هو فعل دفاع عن النفس.
وبعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 والطلب العام لوقف الهجمات الإرهابية، ظهرت عدة تعريفات للاغتيال وتركت لترامب عددا من التفسيرات القانونية والسوابق للبناء عليها.
وفي حالة قتل سليماني قدمت إدارة ترامب فهمين قانونين: الأول وهو أن الجنرال يعتبر هدفا عسكريا مشروعا وأن قتله مبرر للدفاع عن النفس. وفي الثاني فقد استندت إلى قانون صلاحيات استخدام القوة العسكرية ضد العراق الذي مرره الكونغرس عام 2002 وهو القرار الذي شرع عملية غزو العراق. ولا يزال القرار في محله ويقدم سلطات قانونية كما أن الحرب لم تنته.
وقال أندرسون إن الإدارة لو تمكنت من إظهار أن نشاطات سليماني في العراق تجعله عدوا في ذلك النزاع فلديها سلطة حربية لاستهدافه. وقالت الإدارة إن سليماني يمثل “تهديدا محتوما” على حياة الأمريكيين في إشارة لسوابق في الإدارات السابقة.
وتوصلت إدارتا جورج دبليو بوش وأوباما إلى أنهما تستطيعان قتل شخص بطريقة قانونية لو مثل تهديدا محتوما أو اقترحت نشاطاته أنه سيكون تهديدا في المستقبل. وكانت هذه أساسا لبرامج القتل المستهدف. ولكن هناك أدلة تقول إن الولايات المتحدة تستخدم بشكل مستمر كلمة “محتوم”، ويتساءل الكثيرون إن كان هذا متوافقا مع المعايير القانونية الدولية.
ويقول أندرسون إن قتل سليماني كان سيوافق المعايير القانونية التي استخدمتها إدارة أوباما بشكل يجعل سليماني “مستهدفا” لدوره في بناء الجماعات الوكيلة وهجماتها ضد القوات الأمريكية.
وقالت إدارة ترامب إن القتل كان من أجل منع هجمات في المستقبل وليس وقف هجمات. ولم تقدم أي مبرر قانوني وقال بعض المسؤولين داخل الإدارة إن الحالة ضعيفة ولا تعطي صورة عن دوافع ترامب. ومع أن بعض القانونيين يرى في تصنيف الولايات المتحدة لجماعته بالإرهابية يجعله هدفا، في وقت يرى آخرون أن هذا لا يجعله تهديدا محتوما.
وعليه فقتل سليماني بدون أن يكون هناك تهديد محتوم يفتح ترامب لاتهامات القتل غير القانوني وأنه تم لأغراض سياسية أي اغتيال. ويمكن لترامب التذرع بالسرية كما فعلت السلطات السابقة مما يجعله غير مجبر لتقديم معلومات قانونية.
وفي الوقت الذي لم تقدم فيه إدارته مبررا قانونيا بناء على القانون الدولي، ناقش ماري إلين أوكونيل من جامعة نوتردام على الموقع القانوني “إيجل” أن المعلومات التي نشرت حول القتل لا “تطابق” الظروف القانونية للدفاع عن النفس بشكل يجعل القتل قانونيا في ظل القانون الدولي. لكن قتل سليماني يمثل زيادة في استخدام السلطات التنفيذية والتي تم وضعها في ظروف جيوسياسية مختلفة. ومن المفارقة أن أمريكا عادت إلى الظروف التي دعتها لمنع الاغتيال عام 1976 وهو قتل قائد بارز في بلد ليس في حالة حرب معها.