عندما بدأت الثورة في إيران بالإطاحة بالشاه (1978)، كان سليماني يعمل في مرفق المياه في بلدية كرمان ونظم تظاهرات ضد الشاه، حتى نجاح “الثورة الإسلامية”، (1979). وبعدما اندلعت الحرب مع العراق (1980)، تطوع سليماني في الحرس الثوري وبدأ تصاعد نجمه، وعمل بعد ذلك في مكافحة المخدرات على الحدود مع أفغانستان.
تدرج سليماني في مناصب مختلفة حتى عينه مرشد الثورة قائدا لفيلق القدس (1998). بعد توليه هذا المنصب عمل قاسم سليماني على تعزيز دور إيران في المنطقة من خلال حزب الله في لبنان وتوطيد العلاقات مع النظام السوري وجماعات مختلفة في العراق.
خلال ثورة الطلاب عام (1999) وقع سليماني مع 23 قائدا من الحرس الثوري على عريضة إنذار حذروا فيها من أنهم متجهون لانقلاب في حال لم يتم التصدي لها. وفي 2011، قام المرشد علي خامنئي بترقية سليماني من لواء إلى فريق في الحرس الثوري. وأطلق خامنئي على سليماني لقب “الشهيد الحي”.
مشهد ما بعد سليماني لن يكون كقبله وسوف تحصل المزيد من المعارك حتى حصول التسوية الكبرى، والتي سيكون عراباها هما الأميركي والروسي بمشاركة من الإيراني والتركي
فيلق القدس كان المرشد الروحي والعسكري والمعنوي لإيران في المنطقة، حيث نجح في تصعيد نجم إيران في الشرق الأوسط. ومن أبرز انتصارات هذا الفيلق، السيطرة على بعض الجيوب في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، معركة 2006 في جنوب لبنان، الحرب على الثورة في سورية عام 2011، حيث كان لسليماني دوران سياسي وعسكري، ما أطال عمر النظام، بالإضافة إلى الحرب على داعش حيث اعتبر سليماني من أبرز القادة في هذه الحرب، بالإضافة إلى أدوار مختلفة مع الحشد الشعبي وحركة حماس، والحوثيين في اليمن وغيرهم، وكان يتمتع بلعب دور القائد والمنسق بين المجموعات المختلفة، لأنه كان يعتبر مصدر ثقة ورمزا بين كل المجموعات المختلفة.
كل هذه الأدوار كانت تدل على أهمية سليماني بالنسبة للنظام في إيران، وكان يعتبر نفسه أنه من الخطوط الحمر ولن يجرؤ أحد على اغتياله، ما جعله يتجول بشكل مريح، خاصة أنه شخصية رسمية إيرانية.
منذ انتهاء الحرب على داعش وبدء التسويات في المنطقة بين روسيا وإيران وتركيا من جهة، وروسيا وأميركا وتركيا من جهة أخرى، بدأت معادلات جديدة، سقطت معها أدوات التسويات الكبرى!.. كان أبرزها في مرحلة ما قبل التسويات أبو بكر البغدادي وقاسم سليماني، ولن يكونا الأخيرين!
وجراء تلك التسويات، بدأنا نلاحظها خلال معركة تركيا في شمال سورية وتجدد علاقات بعض دول الخليج مع النظام السوري، حيث بدا واضحا أن هناك اتفاقات تتبلور في المنطقة.
في الفترة الأخيرة كنا نسمع كثيرا تصريحات أميركية حول جيوب إيران في المنطقة، وأتت هذه التصريحات من أعلى مناصب في الولايات المتحدة، كل ذلك كان مؤشرا لحدث ما سيحدث، وخاصة أن ترامب لديه انتخابات في الأشهر المقبلة، والإدارة الأميركية لن تأتي بتصريحات من دون تنفيذ حدث ما يكون مربحا لترامب، ويدخل في إنجازاته، فكان اختيار سليماني، حيث سيكون ترامب أمام جمهوره بطلا لقتله أهم شخصيتين إرهابيتين بالنسبة لأميركا، البغدادي وسليماني.
هذا الحدث سوف يدخل تلك التسويات من أبوابها العريضة، حيث سيصعد نجما إيران وتركيا، لأن إيران عادت وكسبت شارعها مجددا في إيران ومناطق نفوذها بعد الحركات الاحتجاجية، وبعد اضمحلال الدور العربي، خاصة السعودية ومصر، وسوف تلعب تركيا دورا أكبر في المنطقة، يملأ فراغ الدور السياسي في الساحة العربية.
مشهد ما بعد سليماني لن يكون كقبله وسوف تحصل المزيد من المعارك حتى حصول التسوية الكبرى، والتي سيكون عراباها هما الأميركي والروسي بمشاركة من الإيراني والتركي، وبعض الأدوار الصغيرة للدول العربية، حيث ستكون أولوياتها حماية أنظمتها وبعض الأدوار الاقتصادية لتعزيز دورها داخليا.
خاصة أننا سمعنا من ترامب أن النفط لم يعد في سلم أولوياته في المنطقة! هذه التصاريح ورغم أنها سياسية أكثر منها اقتصادية، لكنها تقع ضمن حماية مصالحه الاقتصادية، وتشير إلى أنه غير متمسك بالسيطرة عسكريا على المنطقة، وأن حصول أي تسوية تضع (روسيا – إيران – تركيا) كوكلاء في المنطقة، لن تؤثر عليه شعبيا في أميركا، بل ستكسبه المزيد من الأموال العربية من أجل الحماية..
في المقابل، ستكون الدول العربية خسرت معظم معاركها العسكرية، من سورية إلى العراق إلى اليمن، ولنرى ماذا سوف يحصل في ليبيا، هذا الأمر سيجعلها ترضخ لتسويات كهذه بعد انتهاء المعارك المقبلة في ليبيا وغيرها، بالإضافة إلى أولوية ولي عهد السعودية بعد هزيمة اليمن في تمتين نفسه داخليا، لاستلام زمام الأمور، لكي يصبح ملكا بشكل مريح دون حروب خارجية.
العربي الجديد