كان قاسم سليماني شخصاً متعصباً دينياً، ولكن ليس أكثر من الحاخام يوئيل بن نون، الذي نشر مقالاً جدياً في “ميكور ريشون”، الصحيفة الجدية تماماً، تحت عنوان “تصفية هامان ومساعديه: يجب مباركة المعجزة” (8/1/2020). كتب أحد رؤساء الصهيونية الدينية، تلك الحركة الجدية التي تشكل وجه المجتمع في إسرائيل أكثر من أي تيار آخر، أن الله هو الذي قام بتصفية سليماني.
من خلال تحليل مفصل، عرض بن نون دلائل عدة لتدخل الله في التصفية. وقد قارنه بوثيقة إستر، حول إنقاذ يهود بلاد فارس من محاولة إبادتهم. وضمن أمور أخرى، أشار بن نون إلى أن سليماني مثل هامان “كان رأس المؤامرة من أجل إبادتنا”؛ وأن خبراء البنتاغون قدموا للرئيس عدداً من اقتراحات العمل، واقتراح التصفية هو الذي كان أكثر تطرفاً من بينها، وتم طرحه بصورة نظرية فقط. ولم يخطر ببالهم أن رئيسهم… سيختار هذا الخيار بصورة تناسبه هو نفسه فقط”.
من هنا، فإن ترامب هو حقاً مبعوث آلهة إسرائيل، وليس أقل من ذلك. هذا الادعاء يضاف إلى الادعاء المعروف في الصهيونية الدينية بشأن كون نتنياهو مبعوث الإله.
“معجزة سليماني” (هذا النسخ مني، وهذا هو الدور المتواضع الذي ألقاه الخالق عليّ في إطار هذه المعجزة الكبرى) يضعها بن نون في المستوى نفسه مع “المعجزة الكبرى لاستقلال إسرائيل” والخروج من مصر، وبالطبع معجزة عيد المساخر. بن نون مقتنع بوجود “يد الله” وأن “الأشخاص هم مبعوثوه”، في كل جوانب معجزة سليماني. وهو يدفع القراء للشكر على “المعجزة التي صنعها الله لنا”. ومن أجل أن “يمتد هذا الاعتراف في إسرائيل، وربما حتى في العالم”. وإلا “سيكون هذا حدثاً آخر إخبارياً دراماتيكياً ليس أكثر من ذلك”. لا يجب السماح لمعجزة سليماني بأن تأخذ طابعاً عادياً، بل يجب أن يتردد صداها في الوعي.
العلماني في إسرائيل يجد نفسه معزولاً ومحاطاً بالمتعصبين الدينيين الهستيريين. فالإفنغلستيون الأمريكيون والبروتستانتيون يؤمنون بالخلاص على يد المسيح. والشيعة يرون في الخليفة الرابع عليّ الوريث الحصري للنبي محمد، والصهاينة المتدينون يرون في الاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل بداية الخلاص.
هؤلاء المتعصبون يحاصرون العلماني، ويشبهون بعضهم بعضاً أكثر مما يشبهون العلماني. وهم جميعاً يسعون إلى الخلاص الإلهي ويركزون طموحاتهم لتجسيده في الدولة المكتظة والملوثة التي يعيش فيها العلماني الإسرائيلي ويعمل ويدفع الضرائب ويربي أولاده. وهم يؤثرون على حياته أكثر مما يؤثر هو على حياتهم. جميعهم مجانين، ويريدون الحرب. وفي طريقهم إلى الجنة على الأرض يحطمون حياة العلماني الذي كل ما يريده هو أن يتركوه بحاله. ورؤية بن نون أقرب لرؤية سليماني من رؤيته مني، رغم أننا يهوديان، فكلاهما يرى يد الله في المكان الذي ليست فيه.
إن رؤية الحاخام بن نون تسيطر على البلاد. والمعجزة التي يقتنع إيمانه المريض نفسياً بوجودها تدوي في الوعي الجماعي هنا. هذه الرؤية مرتبطة بالمحاولة العنيفة للإسلام الشيعي الذي من إنتاج إيران للسيطرة على الشرق الأوسط، والإفنغلستية المحمومة التي تمسك بخيوط دولتي من أمريكا. لجميع هؤلاء المتعصبين ثمة خطط كبيرة من أجلي. وهم لا يرونني على بعد متر. بالنسبة إليّ، جميعهم في سلة واحدة، يحبون ويفهمون بعضهم بعضاً أكثر مما يحبونني. هم أعدائي.
القدس العربي