خلافات النخب الحاكمة في إيران تطفو عشية الانتخابات البرلمانية

خلافات النخب الحاكمة في إيران تطفو عشية الانتخابات البرلمانية

يعمل النظام في إيران على ضمان أن لا تحمل العملية الانتخابية التي ستجري في فبراير المقبل، مفاجآت تؤثر سلبا على سيطرة الجناح المتشدد القريب من الولي الفقيه والحرس الثوري على مقاليد الحكم ومؤسساته.

ونجح مجلس صيانة الدستور في إيران في إبعاد أعداد كبيرة من الإصلاحيين من الترشح لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.

وأبطل مجلس صيانة الدستور المتشدد والذي يفحص أوراق المرشحين ترشح نحو تسعة آلاف من بين 14 ألفا تقدموا بطلباتهم. ويقول التيار المعتدل إنه ليس له مرشحون في معظم المدن.

ويملك المجلس نفوذا سياسيا وقانونيا واسعا لـ”تطهير” الانتخابات من “أعداء الثورة” تحت عناوين ووفق مسوّغات لا يُفصح عنها.

وأبعد المجلس الذي يسيطر عليه الجناح المتشدد حتى الآن 90 نائبا حاليا من السباق الانتخابي الذي سيجري في 21 فبراير المقبل، ناهيك عن رفضه طلبات ترشيحات آلاف من المرشحين الجدد.

فضيحة في إيران
لا يعدم المجلس وسيلة أو حجة للسيطرة على المشهد البرلماني المقبل، ومنع أي مفاجأة قد تحملها صناديق الاقتراع. ويقول المتحدث باسم المجلس عباس علي كدخدائي إن “أسبابا متعددة” تم على أساسها رفض المرشحين، بما في ذلك الفساد المزعوم والاختلاس وتعاطي المخدرات أو التورط في إدانات سابقة أو سوء السلوك. وعلى هذا يحق لهذا المجلس أن يخرج دفتر سلوك كي يفتح للمرشحين طريق الانتخابات أو يغلقها في وجوههم.

وباتت المسألة تشكل فضيحة في إيران نفسها عبّر عنها الرئيس حسن روحاني، حيث قال في اجتماع حكومي في 15 يناير، إن “الناس يفضلون التعددية السياسية في الانتخابات. ولا يمكننا ببساطة أن نعلن عن الموافقة على 1700 مرشح وتجاهل السؤال حول عدد المجموعات السياسية التي يمثلها هؤلاء”، معلّقا “هذا ليس ما تعنيه الانتخابات”.

إيران

وشبه روحاني الأمر بما يحدث في متجر يدعي فيه المالك التنوّع من خلال “تقديم 2000 منتج على رفوفه، لكن جميعها من نفس السلعة”.

ويضم المجلس المؤلف من 12 عضوا ستة من كبار رجال الدين يعيّنهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. أما الأعضاء الستة الآخرون فهم محامون يرشحهم رئيس القضاة ويتم تعيينهم بعد الحصول على موافقة البرلمان. وقد أثار موقف روحاني المباشر والحاد رد فعل مجلس صيانة الدستور، فخرج المتحدث باسمه مدافعا.

وقال كدخدائي في تغريدة له على تويتر إن “إثارة ضجة حول عملية التدقيق ليست أمرا جديدا، لكن من المؤسف أن نرى الرئيس في طليعة هذه الحملة ضد الأمة”، وأنهى تغريدته بالقول إن “ما يصفه الرئيس بتطهير واستبعاد التيارات السياسية الأخرى هو في الواقع استبعاد لمرشحين ذوي صلات عائلية”.

واعتبر مراقبون أن في تغريدة كدخدائي تلميح ما إلى قيام المجلس باستبعاد ترشّح صهر روحاني البالغ من العمر 34 عاما، كامبيز مهديزاده، الذي أراد تمثيل دائرة تبريز الشمالية الغربية.

بيد أن رد فعل مجلس صيانة الدستور على ملاحظات روحاني زاد من اشتعال السجال حول هذه المسألة. فقد أصدر مكتب الرئيس روحاني بيانا شديد اللهجة ندد فيه بتصريحات كدخدائي ووصفها بأنها “غير مدروسة ومتسرعة ووضيعة”.

وقال البيان إن “انتقادات الرئيس كانت تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية وإقبال الناخبين، بيد أن المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور قلل من هذه القضية واعتبرها مسألة شخصية بحيث جاء ردّه بنبرة غير حكيمة كشفت عن نهجه تجاه الانتخابات.

وتأتي المواجهات الأخيرة بين النخب الحاكمة على خلفية أزمات متعددة تواجهها إيران في الأشهر الأخيرة.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن السخط العام جراء الأزمة الاقتصادية وتعامل الدولة مع الاحتجاجات التي تفجرت في الشوارع على مستوى البلاد في نوفمبر الماضي، قد قلّلا بشكل كبير من استعداد الإيرانيين للمشاركة في الانتخابات المقبلة.

فقد رسمت وكالة استطلاعات الطلاب الإيرانية صورة قاتمة لما ينتظر هذه الانتخابات.

ووفقا لتقريرها الصادر في أوائل يناير، فإن ما يصل إلى 49 بالمئة من السكان الذين شملهم الاستطلاع في العاصمة طهران، لن يشاركوا في التصويت، فيما قال 26.5 بالمئة من المستطلعين إنهم لن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع إلا إذا وافق مجلس صيانة الدستور على قبول ملفات مرشحيهم المفضلين. وعبر 55.1 بالمئة عن وجهات نظر ساخرة من الانتخابات متوقعين عدم نزاهتها.

وجاءت نتائج استطلاع الرأي القاتمة هذه قبل موجة الغضب العلني الأخيرة في الشوارع الإيرانية ضد ما اعتبره الكثيرون محاولة الدولة للتغطية على إسقاط طائرة ركاب أوكرانية في 8 يناير بصاروخ إيراني ما أسفر عن مقتل 176 شخصا كانوا على متنها كثير منهم من أصل إيراني.

انتقادات لاريجاني
أثارت المبررات الرسمية لعمليات الاستبعاد الواسعة للمرشحين، والتي طالت كبار السياسيين مثل علي مطهري، الذي شغل منصب نائب رئيس البرلمان لمدة ثلاث سنوات، انتقادات من رئيس البرلمان علي لاريجاني الذي قال إنه “تم استبعاد بعض نواب البرلمان الحاليين من الانتخابات المقبلة على قاعدة أنهم لم يبدوا التزاما عمليا بالجمهورية الإسلامية. هذا بينما كنت أعمل معهم يوميا على مدار السنوات الأربع أو حتى الثماني الماضية، ولم ألحظ هذه المشكلة لدى معظم هؤلاء”.

وكان لاريجاني، الذي يرأس البرلمان الإيراني منذ 12 عاما، أعلن على نحو مفاجئ في أواخر نوفمبر الماضي أنه لن يرشح نفسه مرة أخرى للبرلمان.

مجلس صيانة الدستور أبطل ترشح نحو تسعة آلاف من بين 14 ألفا تقدموا بطلباتهم. ويقول التيار المعتدل إنه ليس له مرشحون في معظم المدن

وفي دفاعه هذه الأيام عن زملائه النواب، حثّ “السادة في مجلس صيانة الدستور على ممارسة النباهة اللازمة حتى لا تنتهك حقوق المرشحين”. ويبدو أن النقاش السياسي المحتدم على أعلى المستويات لا يهتم له السواد الأعظم من الإيرانيين.

فقد أدت المشاكل المتعددة التي تواجهها حكومة روحاني، وأهمها فشل الصفقة النووية، إلى خيبة أمل عميقة لدى الشعب الإيراني، مما أدى إلى تلاشي اهتمامهم بما تصدره صناديق الاقتراع.

وما يزيد من سوء اللامبالاة هو الأداء الضعيف الملحوظ من قبل العديد من النواب الإصلاحيين، الذين فازوا في انتخابات عام 2016 واكتسبوا الأغلبية البرلمانية بفضل إقبال ملحوظ من الجمهور على أمل إحداث التغيير.

ومع بروز هذه العوامل القاتمة، يتوقع المراقبون أن تكون الانتخابات المقبلة الأقل تنافسية في تاريخ إيران. ووسط حقيقة انخفاض الإقبال، فإن الأصوات ستركز في أيدي الناخبين المحافظين بحيث ستتراجع حظوظ الإصلاحيين في تحقيق اختراق يذكر داخل برلمان البلاد المقبل.

العرب