ما زالت تداعيات الفيروس القاتل (كورونا) تتوالى، خصوصاً مع إعلان لجنة الصحة العامة في الصين ارتفاعاً كبيراً في عدد حالات الوفيات والمصابين إلى أرقام ضخمة.
وكشفت اللجنة، أنه جرى الإبلاغ عن وفاة 143 شخصاً جديداً جراء فيروس (كورونا) في الـ31 مقاطعة على مستوى الصين بنهاية يوم الجمعة، مع تأكيد إصابة 2641 آخرين، والاشتباه في 277 حالة أخرى.
وذكرت، أنّ العدد الإجمالي للوفيات في كل أنحاء الصين بلغ 1523 شخصاً، بينما بلغ إجمالي عدد المصابين 66.492 ألف شخص.
ومن حركة السفر إلى خسائر أسواق الأسهم والسندات إلى سوق النفط التي تواجه تحديات عنيفة، إذ شهد مطار هيثرو في لندن، اليوم السبت، إيقاف 8 طائرات بسبب اشتباه في إصابة عدد من الركاب بالفيروس.
وطلبت سلطات المطار من المسافرين على متن شركة طيران “يونايتد إيرلاينز” البقاء بمقاعدهم بعد الهبوط، للاشتباه بإصابة أشخاص بالفيروس.
ويبدو أن الاقتصاد العالمي لن يفوق من الصدمة التي خلَّفها انتشار فيروس (كورونا) في وقت قريب، خصوصاً مع استمرار صدور البيانات السلبية المتعلقة بحركة السفر وخسائر شركات الطيران، مع استمرار التحذيرات من الكوارث والصدمات الاقتصادية التي سيخلّفها الفيروس الذي بدأ رحلته من الصين.
الخسائر تضرب قطاعات النفط والسيارات والطيران
في بيان أمس، قالت وكالة الطاقة الدولية إن المراحل الأولى من أزمة تفشي فيروس (كورونا) أدَّت إلى انخفاض نسبته 70 في المئة بحركة السفر الجوي العالمية في الصين، بينما تراجعت حركة السفر المحلية 50 في المئة.
وقلَّص هذا توقعات الوكالة لطلب الصين على وقود الطائرات في الربع الأول بنسبة 14 في المئة، أو ما يعادل 125 ألف برميل يومياً، وتوقعاتها للربع الثاني بنسبة 15 في المئة، أو ما يعادل 140 ألف برميل يومياً.
في الوقت نفسه، توقّعت المنظمة الدولية للطيران المدني “إيكاو” التابعة إلى الأمم المتحدة، انخفاض إيرادات شركات الطيران العالمية بقيمة تتراوح بين 4 و5 مليارات دولار في الربع الأول، بسبب إلغاء الرحلات المُرتبطة بانتشار فيروس (كورونا).
ورجّحت المنظمة أن يؤثر الفيروس بشكل أكبر في القطاع، مقارنةً مع ما سببه وباء متلازمة التهاب الجهاز التنفسي الحاد (سارس) في 2003، في ضوء حجم أعلى ومدى أكبر لإلغاء الرحلات يُجرى تسجيله.
وذكرت، أن نحو 70 شركة طيران ألغت جميع الرحلات الدولية إلى البر الرئيس في الصين ومنه، وأن 50 شركة أخرى قلَّصت العمليات.
وتسببت هذه الإجراءات في خفض بنسبة 80 في المئة بطاقة شركات الطيران الأجنبية للمسافرين مباشرة إلى الصين ومنها، وتراجع بنسبة 40 في المئة بالطاقة من جانب شركات الطيران الصينية.
وتوقّعت المنظمة، أن تتكبد اليابان “خسائر بقيمة 1.29 مليار دولار في إيرادات السياحة في الربع الأول”، بسبب انخفاض عدد المسافرين الصينيين، واحتمال أن تخسر تايلاند 1.5 مليار دولار.
وفي قطاع السيارات، أعلن جميع شركات السيارات الكبرى التي تمتلك مصانع في الصين، مثل رينو، وهوندا، وبيجو، وتويوتا، وبي أم دبليو، وفولفو، وفولكس فاغن، وغيرها، توقف نشاطاتها لحين استقرار الأوضاع.
وكشفت الجمعية الصينية لسيارات الركاب، في بيان حديث، عن تراجع مبيعات السيارات في البلاد بنسبة تتراوح بين 25 في المئة و30 في المئة لشهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، بسبب فيروس (كورونا).
ووفقاً لوكالة “بلومبيرغ”، فإن مبيعات السيارات الصينية من المُنتظر أن تسجّل نحو 25 مليون وحدة فقط خلال العام الحالي.
توقعات بتباطؤ كبير في النمو الاقتصادي
خبير الاقتصاد العالمي، محمد العريان، قال في تحليل حديث إلى وكالة “بلومبيرغ أوبنيون”، “في الوقت الذي تكافح فيه السلطات العالمية من أجل احتواء انتشار فيروس (كورونا)، فإن السوق تنظر إلى التأثير الاقتصادي في الصين على أنه سوف يتجسَّد في تسجيل تباطؤ حاد في النمو هذا الربع، يتبعه تعافٍ قوي في الربع الثاني”.
وعلى هذا النحو، جادل كثيرون بأن أفضل نهج تحليلي يكمن في “النظر إلى ما وراء الأزمة”، ومعاملة آثارها الاقتصادية على أنها قابلة للاحتواء ومؤقتة، وقابلة لتغيير اتجاهها.
وذكر العريان، “أتمنّى أن يكون ذلك صحيحاً، لكن لا يمكن للاقتصاد العالمي وعلى وجه التحديد تلك الدول التي تشهد ديناميكيات نمو اقتصادي أكثر هشاشة، تحمُّل صدمة كبيرة ذات تداعيات سلبية جيوسياسية وآثار جانبية مؤسسية (…) لكن ولسوء الحظ لا يزال من السابق لأوانه الإعلان بثقة عن التطور المأمول”.
وأضاف العريان، “في واقع الأمر، بالنظر إلى ما سمَّيته ديناميكيات متتالية للتوقف المفاجئ جراء فيروس (كورونا) بالنسبة إلى الصين وخارجها، فإن نموذجيّ شكل (U) أو شكل (L) في عام 2020 لا يزالان مرتفعين للغاية، لدرجة أن لا يجرى تجاهلهما”.
ويشير شكل (V) إلى تراجع حاد للنشاط الاقتصادي، يليه تعافٍ سريع ومستدام، في حين أن الشكل (U) يشير إلى تعافٍ في فترة تتراوح بين 12 و24 شهراً. في حين أن الشكل (L) يشير إلى هبوط حاد للنشاط الاقتصادي يعقبه تعافٍ بطيء ربما يستغرق عقوداً للعودة إلى النقطة نفسها المُسجّلة قبل الهبوط.
وتابع، “لكن، ما يجعل التوقعات الاقتصادية للصين غير مؤكدة بشكل خاص هو الطبيعة المتعددة الجوانب لهذه الصدمة الأخيرة. وعلى سبيل المثال، فإنها تنطوي على اضطرابات حادة في كل من الطلب والمعروض، الأمر الذي يؤثر في النشاطَين الصناعي والخدمي، كما يعطّل التجارتَين الداخلية والخارجية”.
واستكمل، “على أرض الواقع، فإنّ هذا ربما حدث من خلال ديناميكيات اقتصادية متتالية للتوقف المفاجئ، بعد أن كان الأمر يتركّز في البداية داخل المقاطعة التي جرى تحديد اندلاع الفيروس منها للمرة الأولى”.
وتمثلت النتيجة في توقف النشاط الاقتصادي، سواء الإنتاج أو الاستهلاك، إضافة إلى حركة الأشخاص والسلع، وتضمّنت المرحلة التالية الشلل الزاحف للنشاط الاقتصادي في أماكن أخرى من الصين، ما أدّى إلى تعطيل التجارة الداخلية والسفر.
تأثيرات “كورونا” تمتد إلى جميع أنحاء العالم
التحليل أشار إلى أنه يوجد حالياً أدلة متزايدة على التأثير المتعاقب في بقية أنحاء العالم، إذ أغلقت آبل وآيكيا وغيرهما المتاجر بالصين، كما أبلغت مجموعة “بربري” عن تراجع المبيعات في ثلاثة فصول.
وحذّرت “فيات كرايسلر” من أنها ربما تضطر إلى وقف عمليات الإنتاج في أحد مصانعها الأوروبية، بسبب مشكلات سلاسل التوريد.
وقرر كذلك كثيرٌ من الدول وقف رحلات الطيران إلى الصين، مع وضع قيود على القادمين من هناك، كما جرى وضع الركاب على السفن تحت الحجر الصحي، والقائمة تطول في هذا الشأن.
اقرأ المزيد
الطاقة الدولية: “كورونا” سيهبط بالطلب على النفط في الربع الأول
جيروم باول يحذر من تأثيرات “كورونا”
وكانت التجربة الأخيرة لهذا النوع من الديناميكيات المتعاقبة للتوقف المفاجئ شوهدت على نطاق واسع في عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية.
العريان أشار إلى أنه مع تلاشي مخاطر الطرف الآخر، وتراجع الجهات الفاعلة السليمة من الناحية المالية عن التفاعلات الأساسية، فإن النشاط المالي توقّف بشكل ملحوظ.
وفي الواقع، فإنّه من دون التدخل الكاسح للبنوك المركزية لاستئناف الأنشطة المالية وإعادة ربط الأسواق المُعطّلة، كان الاقتصاد العالمي يتجه سريعاً إلى الدخول في حالة من الكساد الاقتصادي سنوات متعددة.
ويبدو أن الديناميكيات الناجمة عن شكل (V) أثرت الآن في كثير من الناس، عندما يتعلق الأمر بتقييم الصدمة المرتبطة بفيروس (كورونا).
وتكمن الحجة الأكثر شيوعاً في أن معدل الإصابة بالصين وصل إلى القمة، وسوف ينخفض سريعاً، كما أنّ الحالات خارج الصين محدودة، إضافة إلى أن اللقاحات المضادة يجرى تطويرها بسرعة، فضلاً عن أن البنوك المركزية بدءاً من بنك الشعب الصيني قادرة ومستعدة لضخ كميات هائلة من السيولة لدعم الميزانيات العمومية وتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي.
وأضاف، “بقدر ما أتمنّى أن يحدث ذلك سريعاً، أتذكّر ما يُجرى تعليمه لخبراء الاقتصاد في بداية حياتهم المهنية بأنّ أسواق السلع تستجيب ببطء أكثر من الأسواق المالية، وهذه هي الحال مع فيروس (كورونا)”، إذ بدأت صدمة التوقف المفاجئ الأولية بشكل أبطأ وتدريجي، مقارنة بما شهده الاقتصاد العالمي خلال الأزمة المالية.
متى يُستأنف النشاط الاقتصادي؟
وأبدى العريان تخوّفه من أنّ الأمر ربما يستغرق وقتاً أطول لاستئناف النشاط الاقتصادي في حال تعرضه إلى اضطرابات شديدة.
كما أعلن قلقه من أن كثيراً من المحللين لا يقومون بالتقدير الكامل للفروقات الملحوظة بين التوقف المفاجئ من الناحيتين المالية والاقتصادية.
وبدلاً من إعلان شكل (V) بثقة، يحتاج الاقتصاديون إلى مزيدٍ من الوقت والأدلة لتقييم الأثر في الاقتصاد الصيني والتداعيات السلبية ذات الصلة، وهو اعتبار أصبح أكثر أهمية من خلال ملاحظتين، تتمثل الأولى في أن الاقتصاد الصيني كان في وضع هشّ بشكل غير معتاد بسبب أثر التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، والثانية أن الاقتصاد الصيني كان يمر بمرحلة انتقالية صعبة في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية، التي شهدت تعثّر كثيرٍ من الدول قبل الصين في “فخ الدخل المتوسط”.
ويشير كل ذلك إلى أنه من السابق لأوانه التعامل مع التداعيات الاقتصادية لفيروس (كورونا) على الصين والاقتصاد العالمي، باعتبارها أموراً سهلة الاحتواء ومؤقتة وقابلة لتغيير اتجاهها سريعاً، وبدلاً من ذلك، يجب على المحللين مراعاة درجة عدم اليقين في الساحة، بما في ذلك الإدراك غير المريح بأن احتمال استخدام شكل (U)، أو الأسوأ من ذلك استخدام شكل (L) لعام 2020 لا يزال مرتفعاً للغاية لدرجة عدم الشعور بالراحة.