لم تكن مصادفة أبداً أن تتزامن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الهند مع وصول الاحتجاجات على قانون الجنسية الهندي الأخير إلى ذروتها وأن تتعرض بيوت ومحلات المسلمين في العاصمة نيودلهي للنهب والحرق وأن يقتل أكثر من 20 شخصاً ويجرح عشرات آخرون.
وصول الرئيس الذي شدّد في حملته الانتخابية على ضرورة منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، وخاض معركة كبيرة مع النظام القضائي الأمريكي لتمرير قراره التنفيذي الذي حاول تنفيذ هذا المنع (وإن اختصره على شعوب إسلامية بعينها)، لا يختلف في الحقيقة عن انتخاب ناريندرا مودي، زعيم اليمين الهندوسي المتطرف، الذي كان قبل 17 عاماً ممنوعاً من دخول الولايات المتحدة الأمريكية لمباركته أعمال عنف وقتل ضد المسلمين في ولاية غوجارات التي كان حاكمها آنذاك، والذي يقود منذ انتخابه حملة كبرى تستهدف المسلمين كان من أهم وقائعها ضم إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان والذين يضم أغلبية مسلمة، وإصدار قانون يسمح لكل الأقليات الدينية بالحصول على اللجوء ما عدا المسلمين، وهذا القانون، معطوفا مع خطة لإحصاء المواطنين، يعتبر تهديداً للملايين منهم بالحرمان من الجنسية والطرد من البلاد.
يبلغ عدد الهنود المسلمين قرابة 180 مليون نسمة، وتعتبر الهند، لهذا السبب، ثالث أكبر بلد بعدد المسلمين في العالم، كما أن المسلمين الهنود هم أكبر أقلية إسلامية في العالم، وقد تناوب حكّام مسلمون على حكم الهند كان منهم شاه جهان، الذي اشتهر ببنائه «تاج محل» كضريح لزوجته ممتاز محل (حيث التقطت صورة لترامب وزوجته في زيارته الأخيرة)، والذي يعد من روائع الفن المعماري، وقد انزاحت هذه الدولة مع قدوم البريطانيين الذين ساهموا، ضمن سياساتهم الاستعمارية، في إذكاء نار العداوة بين المسلمين والطوائف الهندية الأخرى كالهندوس والسيخ، وقد لحق المسلمين بعد حرب تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947 الكثير من الظلم، وتردت أوضاعهم السياسية والاقتصادية، وهم يعتبرون أكثر فقراً وأقل تعليماً من نظرائهم الهندوس، وتفوق الأمّية لديهم نسبة 40 في المئة، وانعكس ذلك بنقص حاد في تمثيلهم السياسي في مختلف مناطق الحكومة والمجتمع، ففي ولاية غرب البنغال التي يشكل المسلمون 27 في المئة من سكانها يشغل المسلمون أقل من 3 في المئة من الوظائف الحكومية.
وإذا كان صعود التيارات الشعبوية، دينيا وقوميا، ظاهرة بحد ذاتها في الحقبة الراهنة، ويمكن تتبع جذوره في أمريكا إلى فترة اضطهاد الهنود الحمر مروراً باستعباد السود والتاريخ الطويل للتدخّلات العسكرية، كما يمكن تتبع تطبيقاته أيضاً في المثال الإسرائيلي حيث يجتمع الاستيطان مع فكرة الدولة الدينية، وهو مثال صارت له حظوة عالمية حالياً ونرى مقاربات له في الهند وميانمار، واحتفاء به لدى نظم سياسية مختلفة.
ويبدو أن ترافق هذا الصعود مع العداء للإسلام والمسلمين، هو ظاهرة أخرى تثير التفكّر والتأمل، فهذا الصعود والاستهداف لا يهدد المسلمين، والأقليات الإثنية والدينية والقومية على العموم، بل يهدد أيضاً الديمقراطيّة نفسها، بحيث نشهد حلفاً غير مسبوق، يجتمع فيه مودي الهندوسي، مع بنيامين نتنياهو اليهودي، وعبد الفتاح السيسي المسلم، والزعيم الشيوعي الصيني تشي جينبينغ، الذين يزرعون في بلدانهم وفي العالم أشكال العنصرية والتطرّف والظلم بينما يتحدثون جميعاً عن مكافحة الإرهاب والتطرف.
القدس العربي