الهدوء القسري والمؤقّت الذي فرضته جائحة كورونا على الشارع العراقي، يمنح نظام المحاصصة فرصة إعادة تنظيم صفوفه وترميم جداره الذي تداعى أمام قوّة الانتفاضة الشعبية التي انطلقت خريف العام الماضي ولم تنجح أكثر الأساليب شدّة وعنفا في وقفها. وذلك ما يفسّر التوافق المفاجئ لطيف واسع من فرقاء العملية السياسية على شخص مصطفى الكاظمي المرشّح الجديد لتشكيل الحكومة، وهو توافق يمتد، على ما يبدو، ليشمل واشنطن وطهران اللتين وقفتا وراء تأسيس النظام نفسه وتجمعهما مصلحة ضمان حمايته من السقوط رغم كلّ ما بينهما من تنافس حاد وخصومات شديدة.
بغداد – تسير عملية تشكيل حكومة عراقية جديدة تملأ الفراغ الذي خلّفته استقالة حكومة عادل عبدالمهدي، بسرعة وسلاسة لم تكونا متوقّعتين قبل أسابيع قليلة عندما ظهرت عوائق كثيرة حالت دون توافق الأطراف المشاركة في العملية السياسية على خليفة لعبدالمهدي، ما أدى إلى سقوط مرشحّين لشغل منصب رئيس الوزراء هما محمّد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، قبل أن يتمّ فتح الطريق بشكل مفاجئ لتكليف مرشّح جديد هو مصطفى الكاظمي.
ورجَّحَ برلمانيون عراقيون أنْ يقدم الكاظمي تشكيلة الحكومة الجديدة قبل حلول شهر رمضان بعد أقلّ من أسبوعين.
ورأى متابعون للشأن العراقي أنّ وراء السلاسة التي رافقت تكليف الكاظمي تشكيل حكومة جديدة من قبل الرئيس العراقي برهم صالح، عاملين رئيسيين، أوّلهما رغبة فرقاء العملية السياسية في ترميم صفوف النظام وإبعاد شبح السقوط عنه بأسرع وقت ممكن، وذلك باستغلال حالة الهدوء القسري في الشارع بفعل جائحة كورونا التي أوقفت الانتفاضة الشعبية العارمة التي كانت قد انطلقت في أكتوبر الماضي وفشلت السلطات في وقفها بكل الطرق وأشدّها عنفا ودموية، الأمر الذي شكّل أكبر تحدّ للنظام القائم منذ سنة 2003.
وعمليا لم يحدث في العراق أي تحسّن في الأوضاع العامّة بما من شأنه أن يغيّر رأي الشارع في تجربة الحكم الفاشلة الجارية منذ 17 سنة، ما يجعل عودة الانتفاضة بزخم جديد بعد زوال خطر كورونا، أمرا شبه مؤكّد.
أمّا ثاني العوامل الداعمة لنجاح الكاظمي في تشكيل حكومة جديدة، فيعزوه المراقبون إلى عودة التوافق التلقائي والضمني بين الولايات المتّحدة وإيران بشأن الملف العراقي، حيث تتنافس الغريمتان بشدّة على النفوذ في العراق وتختصمان على العديد من التفاصيل، لكنّهما تتوافقان على الحفاظ على استمرارية النظام الذي ولد بفعل التوافق ذاته، ويشكّل استمراره مصلحة لكلتيهما تتمثّل أساسا في إضعاف البلد ذي المقدّرات الكبيرة ومنعه من تشكيل قوّة إقليمية.
وكدليل على بروز ذلك التوافق مجدّدا، رصدت مصادر سياسية عراقية تطابقا في موقفي الولايات المتّحدة وإيران بشأن تكليف الكاظمي تشكيل الحكومة العراقية، حتى أنّهما استخدمتا عبارات متقاربة في التعليق على تكليفه تدور في مجملها على الترحيب بالخطوة والتعقيب عليها بجملة من الاشتراطات الشكلية تصب إجمالا في حثّه على اتباع سياسة متوازنة، والعمل على تحقيق مطالب شعبه.
وبشأن استعجال تشكيل الحكومة الجديدة قال رئيس كتلة الرافدين في مجلس النواب يونادم كَنّا إنَّ الكاظمي سيطرح برنامجه الحكومي خلال الأيام القليلة المقبلة، مؤكّدا أنّه سيقدم تشكيلته الحكوميّة قبل حلول شهر رمضان. ونقلت صحيفة “الصباح” المحلّية عن النائب ذاته القول إنّ “أعضاء مجلس النواب سيعقدون جلستهم في القاعة الكبرى (بمقر البرلمان) وسيجلسون متباعدين عن بعضهم البعض للتصويت.. ولا يمكن التحجج أو التعذر بكورونا أو غيره”.
أما سناء الموسوي، عضو مجلس النواب، فقالت إنّ “وضع العراق لا يحتمل أزمات أكثر من الموجودة في الوقت الحالي، ولا بد للقوى السياسية أن تحسم أمرها باتجاه إجراء انتخابات مبكرة”.
وأضافت أنّ على “رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي المضي بتشكيل الحكومة، والبدء بمشروع النهوض بالواقع الاقتصادي والسياسي والخدمي والتعليمي والصحي في البلد، رغم أنَّ هناك قوى سياسيَّة تحفظت على تكليفه”.
وطالب النائب عن تحالف سائرون جواد حمدان رئيس الوزراء المكلف بتقديم برامج مقتضبة وفعالة في هذه المرحلة ومختلفة عن برامج الحكومات السابقة ويتجاوز فيها النمطية. ودعا الكتل السياسية إلى أن تكون على قدر عال من المسوؤلية وإقرار كل قوانين النزاهة والقوانين الخلافيّة التي ما زالت تطويها رفوف المجلس.
وقال النائب عباس عليوي إنّ “المهمة ليست سهلة أمام الحكومة المقبلة، وتحتاج إلى تكاتف الجميع من أجل تجاوز الأزمة وتحقيق مطالب المتظاهرين”، معتبرا أن كثرة المشكلات “تحتاج إلى استقرار سياسي وحكومي”.وتنتظر الكاظمي في الفترة الوجيزة التي سيقود خلالها السلطة التنفيذية في العراق قبل إجراء انتخابات مبكّرة، مهمّات في غاية الصعوبة وتتجاوز قدراته والوسائل المتاحة له. ورغم رفعه سقف الوعود عاليا وحديثه عن تحقيق مصلحة العراق بعيدا عن التجاذبات الخارجية، وكذلك عن ضبط فوضى السلاح وحصره بيد الدولة، فإن أمل حدوث تحسّن في أوضاع البلد في عهده بشكل يغيّر موقف الشارع من النظام القائم، يبدو ضئيلا إلى أبعد حدّ.
وتقول مصادر عراقية مطّلعة إنّ الفعاليات المدنية والديمقراطية المؤيدة للانتفاضة العراقية تراقب خطوات تشكيل الحكومة الجديدة بدقّة، وتستعدّ للإيذان باستئناف حركة الاحتجاج العارمة بمجرّد أن يصبح ذلك ممكنا، في إشارة إلى زوال العوائق التي فرضتها جائحة كورونا.
العرب