لم يعد بإمكان إيران الاعتماد على التجارة مع الصين، وذلك بعد تدهور التجارة بين الجانبين بنسبة 89%، الأمر الذي يجعل كل ادعاءات بكين بدعم طهران عرضة للاصطدام بالعقوبات الأميركية، ويُشعر إيران بقلق شديد، بحسب شبكة “بلومبيرغ” الأميركية.
فقد انحدرت تجارة الصين مع إيران إلى مستوى جديد مذهل، بعدما أظهرت بيانات صادرة عن إدارة الجمارك الصينية الخميس الماضي، أن واردات النفط الإيراني المعلنة في مارس/آذار بلغت قيمتها 115 مليون دولار فقط، بانخفاض 89% على أساس سنوي.
يُشار إلى أن قيمة صادرات النفط الشهرية الإيرانية المعلنة إلى الصين لم تكن منخفضة إلى هذا الحد منذ 20 عاماً، تزامناً مع انخفاض الطلب على النفط الإيراني المُعاد تصديره عبر ماليزيا بشكل كبير أيضاً.
وقد لا تشكّل هذه مفاجأة، إذ منذ أكثر من عام وحتى الآن، كانت الصين تخفض علاقتها التجارية مع إيران، كما يتبيّن من تقلص التجارة الثنائية والتغييرات في سياسة “بنك كونلون” Bank of Kunlun، المؤسسة المالية الناشطة في قلب التجارة بين الصين وإيران.
وكما هو الحال مع جميع الاقتصادات النامية، تعتمد آفاق نمو الاقتصاد الإيراني على علاقة تجارية فعالة مع الصين، ولذلك فإن الاتجاه الهبوطي مقلق للغاية بالنسبة إلى طهران.
ورغم أن الصادرات غير النفطية إلى الصين ظلت مستقرة في مارس/آذار عند 384 مليون دولار، فقد عانت إيران من عجز تجاري مع الصين منذ سبتمبر/أيلول 2019، ما ساهم في ممارسة ضغط كبير على خلل ميزان المدفوعات.
وفي حين أن تجارة الصين مع معظم الاقتصادات النامية ستتعافى على الأرجح مع خروج الدول من الإغلاق الناجم عن وباء فيروس كورونا، ومع تعافي أسعار السلع العالمية، إلا أنه ليس واضحاً ما إذا كانت تجارة إيران مع الصين ستتمتع بالانتعاش نفسه؛ إذ لا تزال بكين غير مستعدة للدفاع عن علاقاتها التجارية مع إيران في مواجهة العقوبات الأميركية.
وقد تأثرت تجارة الصين مع إيران خصوصاً بعد 10 يناير/كانون الثاني، عندما أصدرت إدارة ترامب الأمر التنفيذي الرقم 13902 والذي فرض عقوبات على البناء والتعدين والتصنيع والمنسوجات في إيران، وهي قطاعات إيرانية كانت أظهرت علامات الصلابة بمواجهة حملة عقوبات “أقصى ضغط” التي أضرّت بصادرات النفط ودفعت البلاد إلى ركود على مدى عامين.
وصدرت العقوبات الجديدة، قبل أقل من أسبوع من توقيع إدارة ترامب على المرحلة الأولى من اتفاقها التجاري مع الصين، فكان لها تأثير مباشر؛ إذ غيّر”بنك كونلون” سياسات الامتثال الخاصة به، ما أدى إلى تقييد نطاق التجارة الذي يُعالج المدفوعات لصالحه.
وأبلغ المصرف عملاءه الإيرانيين أنه بعد 9 إبريل/نيسان “لن يقبل أية تسوية تجارية في البناء والتعدين والصناعات التحويلية والصناعات النسيجية”، على أن تقتصر خدماته على “التسويات المرتبطة بالإمدادات الإنسانية والصناعات غير الخاضعة للعقوبات”.
وهذا ما دفع بالمسؤولين التنفيذيين الإيرانيين إلى اللجوء إلى ما يسمونه “تجارة الشامدوني” chamedooni trade، في إشارة إلى المدفوعات التي تُدفع نقداً وتُنقل عبر الحدود بحقائب اليد.
ومن خلال استخدام “شركات الواجهة” front companies والمدفوعات الموجهة عبر دولة ثالثة أو المدفوعة نقداً، بإمكان الشركات الإيرانية وشركائها الصينيين الأكثر ولاء، ضمان ألا تصل التجارة الثنائية إلى الصفر. لكن الأساليب غير الفعالة والمبهمة المطلوبة الآن لتسهيل المدفوعات ستضع حداً حاسماً لكمية التجارة التي يمكن القيام بها.
لكن نظراً لمواردها الهائلة، فإن ما فعلته الصين كان أقل من الاتحاد الأوروبي من أجل الدفاع عن تجارتها مع إيران العام الماضي، رغم دعم بكين المعلن للاتفاق النووي عام 2015 ومعارضتها الصريحة للعقوبات الثانوية الأميركية.
ويخلص التقرير إلى استنتاج أن الحقائق التجارية قد تعني أن سنوات الازدهار انتهت، بالنسبة إلى التجارة بين الصين وإيران.
العربي الجديد