في أول تحرك رسمي لها بهذا الحجم، شنت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي «صولة ليلية» ضد الفصائل المسلحة المنفلتة المتهمة بالضلوع في عمليات إطلاق صواريخ «الكاتيوشا» على المنطقة الخضراء، والمعسكرات التابعة للجيش العراقي، وقوات التحالف الدولي، والسفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء وتواجدها العسكري في العراق.
وجاء تحرك الحكومة الأخير في إطار تعهدات سابقة قدمها الكاظمي بحصر السلاح بيد الدولة، ومجابهة الفصائل المسلحة التي تعمل خارج إطار الدولة. وسبق أن حذر في وقت سابق جماعات «الكاتيوشا»، وهدد بمعاملتهم طبقاً لأحكام قانون مكافحة الإرهاب.
وفي تفاصيل ما جرى، أقدمت قوة مشتركة من جهاز مكافحة الإرهاب، ووحدة العمليات الخاصة في الجيش العراقي، بمشاركة جهاز المخابرات، على اقتحام مقر لمليشيا “كتائب حزب الله” في حي الدورة، جنوبي العاصمة بغداد، في ساعة متأخرة من ليلة الخميس، بأوامر من الكاظمي ومذكرات قضائية رسمية.”
وأفادت المعلومات المتوفرة بشأن العملية، التي تعد الأولى من نوعها التي تنفذها قوات نظامية ضد مليشيا ولائية، بأن الاقتحام الذي نفذته القوة المشتركة وبإشراف ومتابعة من الكاظمي، جاء عقب معلومات من جهاز المخابرات تشير إلى وجود مخطط لاستهداف معسكر للقوات الأميركية يقع ضمن حرم مطار بغداد الدولي، غربي العاصمة، كان قد تم استهدافه مرتين الأسبوع الماضي، بواسطة صواريخ “كاتيوشا”.
وعن ملابسات العملية، تفيد المعلومات الصحفية الموثقة، أن قوة تتألف من نحو 40 عربة مدرعة اقتحمت مقر “كتائب حزب الله” في قرية البو عيثة، الواقعة في منطقة الدورة، جنوبي بغداد، والتي هجّرت المليشيا الكثير من سكانها، ونجحت خلال العملية باعتقال جميع أفراد المجموعة المسلحة الموجودة في المقر، فضلاً عن مصادرة 3 منصات لإطلاق الصواريخ محلية الصنع وصواريخ من طراز “كاتيوشا” وأجهزة ملاحة وتحديد مواقع “جي بي أس”، وأجهزة تفجير عن بُعد، وبطاريات وأسلاك، فضلاً عن أسلحة مزودة بكاتم للصوت ومواد ممنوعة مختلفة. وأضاف أن المجموعة كانت تتهيأ لتنفيذ هجوم صاروخي، وجرت العملية بأوامر قضائية ورسمية.
ولفت إلى أن المجموعة واحدة من أصل ثلاث مجموعات متورطة بمهاجمة القواعد والمصالح الأميركية، بما فيها السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، نافياً في الوقت نفسه أن تكون العملية تمت بإسناد عسكري أميركي كما روجّت له وسائل إعلام تابعة للمليشيات، كاشفاً عن اقتياد المجموعة إلى سجن تابع لمديرية الاستخبارات العسكرية.
في السياق، قالت مصادر سياسية للصحافة العربية، إن أحد الذين تم اعتقالهم من المجموعة إيراني الجنسية، وهو ما لم تؤكده مصادر أخرى تواصلت معها “العربي الجديد”، لكن أحد ضباط الشرطة الاتحادية المنتشرة في منطقة الدورة، جنوبي بغداد، قال لـ”العربي الجديد”، إن المكان يستضيف بالعادة إيرانيين ولبنانيين منذ عام 2017. وأكدت المصادر أن من بين المعتقلين أشخاصاً بارزين، أحدهم يلقب بـ”حيدر سمتيه”، ويعتقد أنه متورط بالهجوم الذي استهدف متظاهري ساحة الخلاني في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، وأسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الشبان العراقيين المتظاهرين والمعتصمين، في مجزرة مروعة لم تفِ حكومة عادل عبد المهدي بوعود كشف ملابساتها. وشددت المصادر على أن التحليق الكثيف للمروحيات التابعة للجيش العراقي في سماء بغداد كان من أجل رصد أي محاولات إطلاق صواريخ على المنطقة الخضراء أو تحرك غير محسوب من قبل مليشيا “حزب الله”.
أما السلطات العراقية، فأكدت في بيان، اعتقال 14 عنصراً من “كتائب حزب الله” بناء على مذكرات قضائية لتورطهم بعمليات قصف المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي، محذرة في الوقت نفسه من أنها ستواجه أي تصرفات مخالفة للقانون، في إشارة الى تهديدات مليشيات مسلحة مرتبطة بإيران للحكومة وتحديدها مهلة للحكومة لإطلاق سراح المعتقلين.
وقال بيان صحفي لقيادة العمليات المشتركة العراقية يوم الجمعة أن جهاز مكافحة الإرهاب قام بعملية أمنية بمهنية عالية واعتقل 14متهما بتنفيذ عمليات إرهابية .
وقالت القيادة “لقد انشغل شعبُنا العراقي الأبيّ والعالم بإطلاق النيران غير المباشرة على مقرات الدولة والمعسكرات العسكرية العراقية والسفارات الأجنبية المحمية من قبل الدولة للسنوات الماضية، ولأهمية الموضوع وانعكاساته السلبية على الأمن الوطني العراقي، بات موضوعاً متابعاً من أعلى المستويات”.
وأوضح البيان ” بهدف إحاطة الشعب العراقي والرأي العام بالحقيقة لما يتعلق بهذا الموضوع والتطورات الحاصلة بشأنه ليلة 26/25 حزيران /يونيو الجاري نبين أنه توفرت معلومات استخبارية دقيقة عن الأشخاص الذين سبق وأن استهدفوا المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي بالنيران غير المباشرة عدة مرات ورصدت الأجهزة المعنية نوايا جديدة لتنفيذ عمليات إطلاق نار على أهداف حكومية داخل المنطقة الخضراء».
وذكر« تم تحديد أماكن تواجد المجموعة المنفذة لإطلاق النيران استخبارياً، وأعدّت مذكرة إلقاء قبض أصولية بحقهم مِن القضاء العراقي وفق قانون مكافحة الإرهاب وتم تكليف جهاز مكافحة الإرهاب بتنفيذ واجب إلقاء القبض والحيلولة دون تنفيذ العمل الإرهابي ضد مواقع الدولة، حسب الاختصاص، ونفذ الجهاز المهمة بمهنية عالية، ملقياً القبض على أربعة عشر متهماً” .
وأكد البيان «إننا وفي الوقت الذي نؤكد فيه خطورة هذا التصرف وتهديده لأمن الدولة ونظامها السياسي الديمقراطي نبين أن هذه الجهات قد استخدمت قدرات الدولة. وبما لا يمكن السماح به تحت أي ذريعة كانت. ونؤكد الإصرار على مواصلة المسيرة في تحقيق الأمن للشعب العراقي وإيكال الأمر إلى القضاء السلطة المختصة.
وعلى الفور وحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاشتراتيجية، شكلت لجنة تحقيقية برئاسة مدير المديرية العامة للإستخبارات ومكافحة الإرهاب وعضوية ممثلين من جهاز الأمن الوطني وجهاز المخابرات الوطني العراقي وأمن الحشد الشعبي للتحقيق مع الأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم من قبل جهاز مكافحة الإرهاب والمتهمين بإطلاق الصواريخ باتجاه المنطقة الخضراء.
وفي يوم الثلاثاء الفائت، أكد أحمد ملا طلال، الناطق باسم رئيس الوزراء، أنه تم الإفراج عن 13 شخصا من بين 14 ألقي القبض عليهم الأسبوع الماضي، في عملية ملاحقة مطلقي صواريخ الكاتيوشا، مبينا أن الشخص الرابع عشر كان هو المطلوب وما يزال في عهدة القضاء. وبحسب المعلومات الخاصة التي حصل عليها مركز الروابط والبحوث فإن الشخص الذي بقي في عهدة القضاء يدعى إبراهيم العزاوي كان عضوًا في تنظيم القاعدة وانتقل بعذ ذلك إلى تنظيم داعش الإرهابي ومن ثم إلى كتائب حزب الله العراقي، وهو خبير في مجال تصنيع وتوجيه الصواريخ وعمليات الاغتيال، لذلك يعد المطلوب الأول من قبل التحالف الدولي في العراق.
ولقد قوبلت «صولة» الكاظمي بارتياح وتأييد شعبي واسع، وأطلق مدونون عراقيون عقب العملية هاشتاغ «مع جهاز المكافحة ضد الأحزاب». أما المليشيات الولائية، اطلقت تهديدات وشتائم بحق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أبرزها ما جاء على لسان المتحدث باسم “كتائب حزب الله”، أبو علي العسكري، الذي هاجم الكاظمي ووصفه بـ”المسخ”، مطالباً في منشور عبر “تلغرام”، بإطلاق سراح من تم اعتقالهم.
لكن هذا الوصف لا يليق بمصطفى الكاظمي السياسي الوطني، وإنما يليق أي “المسخ” بمن يفضل مصالح إيران على العراق، المسخ من يعمل على تخريب بلاده خدمة للمشروع الإيراني في العراق والمشرق العربي، “المسخ” من يتلقى الأوامر من خارج العراق لتعريض أمنه وأستقراره للخطر، ما فعله الكاظمي هو القضاء على ذلك ” المسخ” في مهمة وطنية شجاعة لم يسبقه على القيام بها أي رئيس وزراء عراقي سابق، فالكاظمي يستحق الشكر والثناء على ذلك وليس العكس لأنه رفع شعار العراق أولًا
يعتبر مصطفى الكاظمي، رئيس الحكومة العراقية، حسب القانون، قائدا عاما للقوات المسلحة، وبهذه الصفة فإن على “كتائب حزب الله” لا أن تلتزم بأوامر رئيس الحكومة العراقيّة فحسب، بل أن تلتزم بقوانين العراق، وهذه القوانين لا تسمح، نظريا، لهذه الفصائل بأن تتلقى أوامرها من خارج العراق، ولا أن تخالف القوانين المرعيّة، فالمليشيا المذكورة قامت في مرّات كثيرة بجرائم حرب، واخترقت القوانين، وتحدّت أجهزة الدولة، وهددت أمن البلاد والمواطنين.
تشكّل عملية مداهمة مقر أحد هذه الفصائل، «كتائب حزب الله»، أول أمس الخميس، واعتقال أكثر من 14 من أعضائه، سابقة جديدة في السياسة العراقية، فهو فصيل معروف بتطرّفه في طرق التعبير عن «الرغبات» الإيرانية، سواء فيما يخص القضايا الداخلية، مثل اعتبار الحراك الشعبي «مؤامرة صهيونية» ضد إيران نفسها وليس مرتبطا بالفساد والمظالم التي يتعرض لها العراقيون، أو فيما يخص القضايا الخارجية، فهو من أكثر الفصائل حماسة لإعلان الحرب على أي جهة خارجية تختلف مع طهران أو تتنافس معها.
تعبّر ميليشيات عن عطب هائل في النظام السياسي العراقيّ، والذي ظهر أمل في تغييره مع بدء الاعتصامات السلميّة والحراك الثوريّ بعد الثورات العربية، ولكنّ كونه كان مركّزا في المحافظات السنّية، فقد قام «النظام العراقي» المعطوب بقمعها بشدة ومطاردة زعمائها السياسيين واستثمر بخبث في تحشيد الشيعة ضد السنّة، إلى أن دارت الدائرة وقامت المحافظات الشيعية نفسها بالثورة على هذا النظام، ولم يعد أمام أركان الفساد في النظام، وأتباع الخارج، سوى العودة إلى سرديات المؤامرة، والقمع المحض. تعبّر المداهمة رمزيّا عن حاجة عضويّة لدى الدولة العراقية لاستعادة سيادتها المفقودة، وهي حاجة لدى الأحزاب العراقية أيضا، لا تقتضي بالضرورة معاداة إيران، ولكنّها تقتضي، بالتأكيد، وضع مصالح العراق أولا. وبهذه الخطوة غير المسبوقة استعاد مصطفى الكاظمي هيبة الدولة العراقية التي هشمتها المليشيات.
وحدة الدراسات العراقية