النفي «الإسرائيلي» واللفلفة «الحماسية» لا ينفيان المفاوضات لأنهما موجهان إلى الداخل الفلسطيني و«الإسرائيلي»؛ إذ لا بد من تهيئة الساحة الداخلية قبل الإعلان عن التوصل إلى أي اتفاق، كما كان الحال بالنسبة لاتفاق أوسلو الذي ظلت المفاوضات بشأنه في كوبنهاغن طي الكتمان لأشهر عدة.
ثم إن الطرف التركي الذي يرعى اللقاءات من الأبواب الخلفية لم ينف المفاوضات ولا يجد حرجاً في تأكيدها على لسان ياسين أقطاي مستشار رئيس الوزراء الذي أعلن قبل يومين أن حماس تتجه نحو اتفاق شامل مع «إسرائيل»، وأن محادثات خالد مشعل في أنقرة خلال الأسبوع الماضي تناولت تفاصيل الاتفاق بشأن فك الحصار عن قطاع غزة، وأن تركيا ستتولى إعادة تشغيل المطار والميناء، وفتح خط بحري بين القطاع وقبرص التركية.. وهذا يعني أن المفاوضات التي تشمل أيضاً تسوية قضية السفينة «مرمرة» التي أدى اقتحامها أثناء محاولتها فك الحصار عن القطاع في مايو/أيار 2010 ومصرع 9 نشطاء أتراك إلى أزمة بين أنقرة وتل أبيب، ماضية في طريقها وأن الاتصالات بين «حماس» وبقية الفصائل الفلسطينية القائمة منذ أسابيع تتناول تفاصيل المفاوضات مع «إسرائيل» وتحاول الحركة تبرير انفرادها بالمفاوضات وخروجها على الإجماع الفلسطيني بأن القطاع في حالة حصار منذ أكثر من خمس سنوات، وقد يستمر لسنوات أخرى وبالتالي لا بد من كسر هذه الحلقة المفرغة التي تنهك سكان القطاع وتقض مضاجعهم.
إن تبرير المفاوضات مع «إسرائيل» بذرائع إنسانية يحوِّل مجمل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية فحسب وليس قضية حقوق وطنية وصراع مفتوح بين الحق والباطل.
ثم إن اختصار الصراع في هدنة وفك حصار يعني نسف مسألة حل الدولتين وتجزئة الحل وأيضاً تجزئة الأرض الفلسطينية، وهو الهدف الذي تسعى إليه «إسرائيل» منذ أمد بعيد.
إضافة إلى كل ذلك كيف تتورط «حماس» بهكذا مفاوضات منفردة؟ ومن فوضها بأن تقوم بذلك؟ وكيف تتجاوز منظمة التحرير كمرجعية وحيدة للشعب الفلسطيني؟ ألا يشكل ذلك خروجاً على الإجماع الفلسطيني ويكرس الانقسام؟
إذا كانت «حماس» قد انخرطت في معركة التوازنات الإقليمية لحسابات خاصة وفئوية، فمن المفترض ألا يكون ذلك على حساب القضية وناسها، خصوصاً أنها طالما اتهمت الآخرين بالتفريط في القضية الفلسطينية، ورفعت شعارات تتعارض مع أي مفاوضات ومع أي نتائج يمكن أن تفضي إليها.
إن فلسطين وحدة جغرافية واحدة، ولا يحق لأي طرف فلسطيني أن ينفرد بقرار مصيري بشأنها، لأن الشعب الفلسطيني لم يفوِّض أحداً بأن يتنازل أو يفرط بحقه.. وهو لم يتعب من النضال ولم يمل من المواجهة والصراع، لذلك يرفض أن يدخل قضيته في بازارات المصالح الفئوية والفصائلية أو أن يربطها بتحالفات وتوازنات إقليمية.
إذا كان فك الحصار عن القطاع ذريعة للمفاوضات، فإن هذا الهدف يمكن أن يتحقق بوسيلة أخرى من خلال تكريس المصالحة الفلسطينية وتسليم السلطة مقادير الأمور في السيطرة على المعابر وفق ما كان معمولاً به قبل الاستيلاء على القطاع.. وإلا فإن وراء الأكمة ما وراءها.
الخليج