صوّت أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي في كل من مجلسي النواب والشيوخ، في الكونغرس الأميركي، بأغلبية ساحقة، الأسبوع الماضي، لصالح تشريع يجبر وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” على إعادة تسمية القواعد العسكرية، التي تحمل أسماء القادة الكونفدراليين، بمن في ذلك فورت براغ بنورث كارولينا، وفورت هود في تكساس، وفورت بينينغ بجورجيا.
قادة الحرب الأهلية
جاءت هذه التحركات على الرغم من التهديدات المتكررة بالفيتو من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بشأن هذه القضية، لكن صدرت أوامر موازية جديدة من “البنتاغون” بحظر عرض علم المعركة الكونفدرالية على جميع المنشآت، وسط جدل واسع بشأن تكريم رموز خلافية تعود إلى حقبة الحرب الأهلية في الولايات المتحدة.
وفي وقت مبكِّر من يونيو (حزيران) الماضي، قال مسؤول في البنتاغون، إن وزير الدفاع مارك إسبر ووزير الجيش رايان مكارثي كانا “منفتحين على مناقشة الحزبين حول موضوع إزالة الأسماء الكونفدرالية من القواعد العسكرية”، البالغ عددها عشر قواعد.
وتفجّر الجدل بشأن أسماء القادة الكونفدراليين مع احتجاجات الأميركيين السود ضد عنف الشرطة، واستمرار بعض أوجه التمييز المجتمعي ضدهم، مايو (أيار) الماضي، في أعقاب مقتل المواطن من أصل أفريقي جورج فلويد، بعد أن ضغط شرطي أكثر من ثماني دقائق على رقبته خلال القبض عليه.
وتطوّر الأمر، منذ ذلك الحين، إلى مطالبات واسعة بإزالة جميع الآثار والنُّصب التذكارية للقادة والعسكريين الذين قاتلوا من أجل البقاء على العبودية ودعم التفوّق الأبيض، خلال حقبة الحرب الأهلية (الحقبة الكونفدرالية)، بين عامي 1861 و1865، وضرورة إعادة تسمية المنشآت التي تحمل أسماءهم. وخلال الاحتجاجات الغاضبة التي قادتها حركة “حياة السود مهمة”، جرى إسقاط وإتلاف عدد من هذه التماثيل.
وعلى الرغم من دعم الحزبين في الكونغرس، فإن مصير الأسماء ما زال بعيداً عن التسوية، إذ يرفض الرئيس ترمب بشكل قاطع أي مناقشات من هذا القبيل، وكتب على “تويتر”، “إدارتي لن تفكّر حتى في إعادة تسمية هذه المنشآت العسكرية الرائعة والأسطورية”.
وتصف الإدارة الأميركية هذه الجهود بأنها “جزء من أجندة الصوابية السياسية”، قائلة “تغيير الأسماء يمثل إهانة للقوات التي خدمت في هذه المواقع”. وقال البيت الأبيض في تهديد باستخدام حق النقض على مشروع قانون مجلس النواب: “كان الرئيس ترمب واضحاً في معارضته محاولات ذات دوافع سياسية مثل هذه، لإعادة كتابة التاريخ وإزاحة الإرث الدائم للثورة الأميركية بثورة ثقافية يسارية جديدة”.
مشروع قانون الدفاع
غير أن موقف الإدارة الأميركية لم يثنِ الجمهوريين عن الانضمام إلى الديمقراطيين في دفع مشروع القانون المسمّى “قانون تفويض الدفاع الوطني”، بأغلبية ساحقة 295 صوتاً مقابل 81، حيث أيَّد أكثر من نصف تجمع الجمهوريين في مجلس النواب، 108 أعضاء، التشريع. وبعد تصويت مجلس الشيوخ بأغلبية 86 : 14، الخميس، سيدخل مفاوضو مجلسي النواب والشيوخ في لجنة عمل بشأن التشريع، مع وضع مسألة أسماء القواعد على رأس قائمة نقاط الاحتكاك.
وحسب وسائل إعلام أميركية، تدعو نسخة مجلس الشيوخ من المشروع، البنتاغون إلى إنشاء لجنة، لمراجعة نطاق مشكلة الأسماء الكونفدرالية (لتشمل المباني الأساسية والشوارع والمعدات)، والتوصية بتغييرات في أسماء قواعد الجيش التي تمثل إشكالية، مع إتاحة ثلاث سنوات أمام مسؤولي الدفاع لإجراء التغييرات.
ويتوقع مراقبون أن يحشد مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، ثلثي أصوات المجلس اللازمة لتجاوز الفيتو الرئاسي المحتمل. وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، لشبكة فوكس نيوز: “آمل أن يعيد الرئيس النظر في استخدام حق النقض ضد مشروع قانون الدفاع بأكمله، الذي يتضمن زيادات في الأجور لقواتنا، بشأن بند هناك قد يؤدي إلى تغيير أسماء بعض هذه القواعد العسكرية”.
ميزانية الدفاع والانتخابات
وقد تتحكّم هذه القضية في مشروع القانون، الذي يشمل ميزانية الدفاع البالغة 740.5 مليار دولار، ويتضمن أحكاماً يجب تمريرها، مثل زيادة الأجور العسكرية، وخطط شراء معدات الدفاع، والوضع الاستراتيجي للقوات في السنوات المقبلة.
وإذا رُفِض مشروع القانون الضخم فسوف تعرقل سرعة اتخاذ قرارات كبيرة تتعلق بشراء الغواصات الهجومية من فئة فرجينيا ومقاتلات أف 35 المتعلقة ببرنامج Joint Strike Fighters، وحتى حجم ونطاق صندوق خاص لردع الصين في المحيط الهادئ.
ولا تزال القضية تشكل خلافاً داخل الكونغرس، إذ قد تأتي في مقدمة ومركز حملات إعادة انتخاب المشرعين في نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام. وتعهد السيناتور المخضرم جيم إنهوف، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، إلغاء البند الخاص بأسماء القادة الكونفدراليين، من مشروع القانون.
وغرد ترمب مجدداً، قائلاً إن السيناتور إنهوف أبلغه بأن أسماء القواعد العسكرية “لن تتغير”. وكتب “لقد تحدّثت إلى السيناتور المحترم للغاية جيم إنهوف، الذي أبلغني أنه لن يغير أسماء قواعدنا العسكرية والحصون العظيمة. مثلي، فإن جيم ليس مؤمناً بإلغاء الثقافة”.
رفض أغلبية للتغيير
وحسب استطلاع أجرته شبكة “إيه بي سي نيوز” بالتعاون مع شركة إيبسوس، فإن 56 في المئة من المستطلعين عارضوا تغيير أسماء القواعد العسكرية. وعلقت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كايلي ماكناني، إن القواعد العسكرية الأميركية ليست معروفة بأسماء الجنرالات الذين تحملهم، لكنها معروفة بأبطالها.
وغرد بريان مارك ريغ، مؤرخ عسكري وجندي مارينز سابق، “كان العديد من القادة الكونفدراليين ممتازين، وجرت دراسة مسيرتهم من قِبل أعظم القادة والمؤسسات في البلاد. الأكثر شهرة، مثل روبرت إي لي وستونوول جاكسون وجيمس لونجستريت، خدموا الاتحاد وتخرجوا في ويست بوينت قبل أن يصبحوا خونة (بمعنى آخر متمردين). إعادة تسمية القواعد الكونفدرالية المسماة (فورت هود، وفورت براغ، وما إلى ذلك)، التي تحمل أسماء القادة العسكريين الشجعان والبارعين الذين جرى قبولهم مرة أخرى في الاتحاد بعد الحرب الأهلية كأميركيين، يبدو أنها تطرح أسئلة كثيرة. من يجب أن نكرم من ماضينا؟”.
وكتب الجنرال الأميركي والقائد السابق لوكالة الأمن القومي الأميركي، ديفيد بيتريوس، في مجلة “ذا أتلانتك” متحدثاً عن مسيرته المهنية التي تحمل عديداً من أسماء هذه القواعد العسكرية الخلافية، قائلاً “الأمر ربما يمثل ارتباكاً، لكن هذه القواعد، بعد كل شيء، هي منشآت فيدرالية وموطن للجنود الذين أقسموا اليمين لدعم والدفاع عن دستور الولايات المتحدة”.
إنجي ماجد
اندبندت عربي