إن بيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن موافقة إيران على إدخال مراقبي الوكالة إلى موقعين مشبوهين بتنفيذ نشاطات نووية فيهما، يشكل تطوراً مهماً في مفترق القرارات الذي تقف فيه إيران.
تصدت طهران في الأشهر الأخيرة لسلسلة خطوات دبلوماسية استهدفت، في نظرها، التقويض النهائي لما تبقى من الاتفاق النووي. ففي لقاء منتدى الأمناء الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا في 19 حزيران، اتخذ قرار يطالب إيران بالسماح لمراقبي الوكالة في الدخول إلى موقعين علم بوجودهما في أعقاب اقتحام الموساد الأرشيف النووي الإيراني، والرد على أسئلة بشأن موقع ثالث وجدت فيه بقايا يورانيوم طبيعي. وبالتوازي، قادت واشنطن خطوة في مجلس الأمن لتمديد مفهوم حظر السلاح على إيران، والذي سينفد في 18 تشرين الأول. وانضمت هذه التطورات إلى سلسلة أحداث، على رأسها الانفجار الذي وقع في 2 تموز في المنشأة لتركيب أجهزة الطرد المركزي المتطورة في نطنز، والذي شكل ضربة للمخططات الإيرانية للانتقال إلى مراحل متطورة أكثر في المشروع النووي.
يبدو، مع ذلك، أن الخطوات الدبلوماسية بقيادة الولايات المتحدة تصطدم حتى الآن بمصاعب مهمة. ففي منتصف آب، رد مجلس الأمن وبأغلبية ساحقة الاقتراح الأمريكي لتمديد حظر السلاح. وفي أعقاب ذلك، فعلت الولايات المتحدة آلية العقوبات التي في الاتفاق النووي والمسماة “سناب باك” بحجة أن إيران تخرق الاتفاق. غير أن 13 من أصل 15 دولة عضو في مجلس الأمن، أعربت عن معارضتها للخطوة بدعوى أن ليس لواشنطن الحق في تفعيل الآلية لأنها انسحبت من الاتفاق النووي في أيار 2018.
تصر الولايات المتحدة على ادعائها بأن لها أساساً قانونياً صلباً لتنفيذ إعادة العقوبات، وأن كل عقوبات الأمم المتحدة على إيران – بما فيها حظر السلاح- ستعود في غضون 30 يوماً. على الرغم من ذلك، فإن التوافقات التي توصلت إليها طهران مع الوكالة الدولة للطاقة الذرية تسمح لها بأن تعطل نية واشنطن شق الطريق لاتخاذ قرار في اجتماع الأمناء التالي في الوكالة في أيلول بنقل ملف إيران إلى مجلس الأمن وتهيئة الأرضية السياسية لإعادة العقوبات.
ليس مفاجئاً أن ترى طهران في هذا التطور إنجازاً سياسياً هاماً يشدد العزلة الدبلوماسية التي علقت فيها الولايات المتحدة. في مقال تحليلي نشر في صحيفة “اعتماد” الإيرانية الدولية، كتب بأن طهران نجحت في سد “المسار المناهض لإيران في فيينا ونيويورك”. لقد أمل الرئيس ترامب ورئيس الوزراء نتنياهو، بزعم الصحيفة، في أن يجعلا أيلول شهراً صعباً على إيران من خلال نقل ملف النووي إلى مجلس الأمن، وتمديد حظر السلاح، وإعادة العقوبات، غير أن إيران لم تنجح فقط في إحباط هذه النية، بل منعت إسرائيل من العودة إلى استخدام الأرشيف النووي في المستقبل كي تطلب حق وصول للوكالة إلى مزيد من المواقع المشبوهة. وذلك بعد أن اتضح في ختام زيارة رئيس الوكالة رفائيل غروسي إلى طهران بأن ليس للوكالة أسئلة وطلبات أخرى بشأن حق الوصول إلى مواقع أخرى غير تلك التي أعلنت عنها طهران.
إن تخفيف الضغط الدبلوماسي عن إيران كفيل بأن يكون مؤقتاً، وفي كل الأحوال لا يحل الأزمة الاقتصادية الحادة وضائقة كورونا التي جبت حتى الآن حياة أكثر من 21 ألف شخص. ومع ذلك، فإنه يسمح لإيران في اجتياز الأسابيع المتبقية حتى الانتخابات الأمريكية، بأمل أن تسمح لها الظروف الناشئة بعدها أن تدير الأمور في ظروف محسنة.
في آب 2018 قدر مصدر إسرائيلي رفيع المستوى بأنه في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي واستئناف العقوبات الاقتصادية “ثمة احتمال جيد بأن تنزل إيران على ركبتيها. إيران الآن ضعيفة، مستضعفة وفي حالة هستيريا”. غير أنها بعد سنتين من ذلك، ورغم الضربات القاسية التي نزلت عليها، تصر إيران على رفضها العودة إلى طاولة المفاوضات إلا بشرط رفع العقوبات، فما بالك أن توافق على اتفاق نووي محسن. وبعد الانتخابات في الولايات المتحدة كل شيء مفتوح.
القدس العربي