«أخلاق الصحافة» على طريقة ماكرون!

«أخلاق الصحافة» على طريقة ماكرون!

بعد تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يرفض فيها إدانة إعادة نشر رسوم مسيئة للنبي محمد بحجة حرية التعبير تابعته عدسات الصحافيين في العاصمة اللبنانية بيروت وهو يوبخ صحافيا فرنسيا بسبب تقرير حول لقاء ماكرون بممثل عن «حزب الله» اللبناني في بيروت.
تبرير ماكرون لرفض نشر تقرير جورج مالبرونو، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، في صحيفة لوفيغارو الفرنسية، هو «حساسية الوضع» اللبناني، مما يجعله عملا «غير مسؤول تجاه فرنسا» و«تجاه هذا البلد» (لبنان)، واصفا إياه بـ«المروّع من الناحية الأخلاقية» و«خسيس» وقابل الصحافي الكلمات بإشاحة وجهه وإدارة ظهره للرئيس الفرنسي الذي غادر المكان قبل أن يسمع دفاع الصحافي عن نفسه.
حسب التقرير المنشور فإن ماكرون وجه للنائب محمد رعد، ممثل «حزب الله» في البرلمان اللبناني كلاما طالبه فيه بعودة عناصر قوات الحزب من سوريا واليمن إلى لبنان، مشيرا إلى «أن الجميع يقولون إنكم تخدمون أجندات إيرانية» وهو أيضا نوع من التوبيخ السياسي الذي أراد ماكرون، على ما يبدو، إبقاءه سرا.
واضح لمن يتابع المسار السياسي المتعرج لماكرون قدرته على جمع المتناقضات، فهذا الرئيس الذي أعلن رفض مشاركة بلاده في حرب ليبيا عام 2011 هو نفسه الذي وافق على سياسة بلاده العسكرية في ليبيا التي تقوم بدعم الجنرال خليفة حفتر، وعلى انتشار قواته في الصحراء الأفريقية، وعلى عكس حلفائه في الاتحاد الأوروبي، الذين يفرضون عقوبات على روسيا، فقد ساهم ماكرون في تحقيق تقارب كبير مع الرئيس فلاديمير بوتين، متجاهلا احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم وغزوها لأراضي أوكرانيا.
يحاول ماكرون، كما يقول محللون سياسيون، تمثّل شخصية الجنرال شارل ديغول بوضع سياسة خارجية فاعلة ومستقلة لفرنسا في أوروبا والعالم، لكن تقفّي آثار هذه السياسة الخارجية يشير إلى أن ماكرون يحاول استعادة جثمان فرنسا الاستعمارية، في حقبة صارت فيها التدخلات العسكرية الهوجاء، وتمتين العلاقات مع الأنظمة الاستبدادية، وصفة لفشل ذريع، يسيء إلى تراث فرنسا الحضاري، مقابل استعادة إرثها الإجرامي والوحشيّ في الجزائر وفيتنام، ومنظومتها الطائفية في لبنان، ويكرّسها كدولة معادية للإسلام والأقليات.
لقد أدت كارثة الانفجار التي جرت في مرفأ لبنان، والانحطاط الذي وصلت إليه الطبقة السياسية اللبنانية، إلى إحساس لدى اللبنانيين بالحاجة إلى إنقاذ دولي، وهو ما جعل الزيارة الأولى لماكرون تقابل بشكل إيجابي من فئات لبنانية عديدة، غير أن زيارته الثانية التي رتّبها لتتزامن مع ذكرى نشوء «دولة لبنان الكبير» واستعادة الطريقة الاستعمارية في التعامل مع الشعب اللبناني، أعادت التذكير بانتهازية ماكرون وبهلوانياته ودوره البائس في السياسة الدولية، وداخل فرنسا.

القدس العربي