تتصاعد حدة التوتر التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، بتلويح واشنطن، بضم أكبر شركة صينية لتصنيع الرقائق الإلكترونية إلى القائمة السوداء التجارية، بينما تتشكل إرهاصات رد صيني قد يكون بمثابة “نووي اقتصادي” يزيح واشنطن عن صدارة الاقتصاد العالمي، وفق وصف خبراء صينيين.
ويدرس منظمون أميركيون إضافة المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات الصينية ” إس إم أي سي” إلى قائمة المشترين الأجانب الذين يحتاجون إلى إذن حكومي للحصول على التكنولوجيا أو المكونات، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال ووكالة رويترز، أمس السبت، مشيرين إلى أن المسؤولين الأميركيين يبحثون إذا ما كانت المؤسسة تلعب دوراً في تطوير الجيش الصيني.
لكن الشركة سرعان ما نفت، وفق وكالة أسوشييتدبرس، اليوم الحد، أن تكون لها أي صلات بالجيش الصيني، موضحة أن منتجاتها مخصصة فقط “للمستخدمين المدنيين والتجاريين”. وأضافت أنها “منفتحة على التواصل الصادق والشفاف” مع واشنطن لحل “سوء تفاهم محتمل”.
قال مسؤول بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن إدارة ترامب تدرس ما إذا كانت ستضيف أكبر شركة صينية لتصنيع الرقائق الإلكترونية إلى القائمة السوداء التجارية، وذلك في وقت تصعد فيه الولايات المتحدة حملتها على الشركات الصينية.
واستأنف الرئيس الأميركي مساعيه للضغط على الشركات الصينية التي بدأها بشركة “هواوي” لشبكات الاتصالات والهواتف عام 2018، حيث أصدر مرسوماً يحظر على شركات الاتصالات الأميركية شراء معدات من شركات أجنبية، اعتبر أنها تمثل خطراً عليها، في إجراء يستهدف الشركة الصينية العملاقة.
كما أعلن عزمه على بحث حظر شركة “علي بابا ” الصينية العملاقة للتجارة الإلكترونية، وتصفية أعمال شركة “بايت دانس” المشغّلة لتطبيق “تيك توك”.وفاقمت جائحة فيروس كورونا الجديد، حدة الصراع التجاري بين عملاقي الاقتصاد العالمي، بينما كان البلدان قد اتفقا مطلع العام الجاري، على هدنة تجارية بعد أكثر من عشرين شهراً من المفاوضات الماراثونية بينهما لوقف حرب الرسوم الجمركية الانتقامية المتبادلة واستهداف الشركات الكبرى.
واعتبر ترامب عقب إبرام المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري في يناير/كانون الثاني الماضي، أن الاتفاق يمثل انتصاراً كبيراً لسياساته، ويعوض آلاف المزارعين من ناخبيه المتضررين من الرسوم الجمركية الصينية، إلا أن الصين خرجت ممسكة بأوراق ضغط كبيرة، لا تقل أهمية عن المكاسب التي قالت الولايات المتحدة إنها حققتها من وراء الضغط الذي مارسته على بكين.
ومحور الاتفاق، تعهد صيني بشراء سلع أميركية إضافية بقيمة 200 مليار دولار على مدى عامين بهدف خفض عجز تجاري ثنائي مع أميركا وصل إلى ذروته عام 2018 عندما بلغ 420 مليار دولار.
وتتضمن المشتريات طائرات من عملاق صناعة الطائرات الأميركي بوينغ، وسيارات وقطع غيار سيارات وآلات زراعية وأجهزة طبية، إلا أن جائحة كورونا التي شلت مفاصل التجارة العالمية خلال الأشهر الماضية حالت دون تحقيق الاتفاق على أرض الواقع وفق محللين، ما وضع ترامب الطامح لفترة رئاسية ثانية في مأزق شديد، بينما يتعرض الاقتصاد الأميركي لأضرار بالغة وديون غير مسبوقة.
وتبدو الصين في موقف أكثر قوة، إذ سرعان ما طوقت تداعيات الوباء وأعادت الاقتصاد إلى عجلة الإنتاج. ومساء الجمعة الماضي، شهدت العاصمة بكين، انطلاق أول معرض تجاري يحضره الجمهور، منذ بدء تفشي الفيروس.
وكانت الصين، حيث بدأ الوباء في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أول اقتصاد يتعرض للإغلاق، لكنها أعلنت الانتصار على الوباء في مارس/ آذار، حيث أعيد فتح المصانع وأبراج الشركات ومراكز التسوق، وأصبحت أول اقتصاد يعود إلى النمو بنحو 3.2% في الربع الثاني من العام مقابل انكماش بنسبة 6.8% في الربع الأول.
مكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي، توقع في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري، أن تسجل الميزانية الفيدرالية عجزاً بقمية 3.3 تريليونات دولار في السنة المالية الحالية، وأن يصل الدين إلى أعلى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية.
في المقابل، يتعرض الاقتصاد الأميركي لانكماش هو الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، فقد أظهر تقرير صادر عن وزارة التجارة الأميركية نهاية أغسطس/آب الماضي انكماش الاقتصاد، خلال الربع الثاني من العام الحالي، بنسبة 7.31%.
كما توقع مكتب الميزانية بالكونغرس، في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري، أن تسجل الميزانية الفيدرالية عجزاً بقمية 3.3 تريليونات دولار في السنة المالية 2020، التي تنتهي في 30 سبتمبر/أيلول الجاري، أي أكثر من ثلاثة أضعاف العجز المسجل في 2019، مشيرا إلى أن “هذه الزيادة هي في الغالب نتاج الاضطراب الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا”.
ورجح مكتب الميزانية، أن يتجاوز الدين، المقدر حتى مطلع إبريل/نيسان الماضي بنحو 24 تريليون دولار، حجم الاقتصاد خلال العام 2021، وهو أعلى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية.
وقد زادت جائحة كورونا من سوء وضع الديون، إذ أعلنت إدارة ترامب عزمها اقتراض ثلاثة تريليونات دولار في الربع الثاني لمواجهة تداعيات تفشي الفيروس، بينما الرقم الذي ترغب واشنطن في اقتراضه، أكثر من خمسة أضعاف الرقم الذي اقترضته في ذروة الأزمة الاقتصادية عام 2008 – 2009، ويتجاوز إجمالي المبلغ الذي اقترضته العام الماضي، المقدر بنحو 1.28 تريليون دولار.
وسيسهم قرض التريليونات الثلاثة في قفزة إجمالي الديون الأميركية إلى أكثر من 27 تريليون دولار، الأمر الذي قد يكون بمثابة ورقة في يد الصين لتوجيه ضربة قاسمة إلى الولايات المتحدة، حال بيع ما بحوزتها من أذون وسندات خزانة أميركية (أدوات دين) سواء جاء ذلك رداً على استهداف الشركات العملاقة وتقويض التجارة الصينية أو القفز من مركب الاقتصاد الأميركي المترنح.
وفي الأيام الأخيرة، عاد التلويح الصيني، ببيع سندات الخزانة الأميركية إلى الواجهة من جديد، حيث نقلت صحيفة غلوبال تايمز الصينية المدعومة من الدولة، عن خبراء قولهم إن بكين ربما تخفض تدريجياً حيازاتها من سندات وأذون الخزانة الأميركية.
والصين، ثاني أكبر حائز غير أميركي لأذون وسندات الخزانة بقيمة 1.074 تريليون دولار حتى يونيو/ حزيران الماضي، انخفاضا من 1.083 تريليون في مايو/أيار، وفقا لأحدث بيانات رسمية.وقال شي جين يانغ، الأستاذ في جامعة شنغهاي للمالية والاقتصاد إن “الصين ستقلص تدريجياً حيازاتها من الديون الأميركية إلى نحو 800 مليار دولار في ظل الظروف الطبيعية” ولم يذكر إطارا زمنيا مفصلا لذلك.
وأضاف شي، وفق ما نقلت وكالة رويترز، الجمعة الماضي، عن الصحيفة الصينية :”لكن بالطبع، ربما تبيع الصين كل سنداتها الأميركية في حالة قصوى، مثل النزاع العسكري”.
والخفض إلى 800 مليار دولار من المستوى الحالي قد يعني تقلص حيازاتها بأكثر من 25%. ويقول محللون إن حدوث بيع صيني على نطاق كبير، عادة ما يُشار إليه “بالخيار النووي”، وقد يطلق اضطرابا في الأسواق المالية العالمية.
وأشارت الصحيفة الحكومية إلى سبب آخر للبيع وهو خطر التعثر المحتمل في الولايات المتحدة، إذ إن دين أكبر اقتصاد في العالم ارتفع بشدة إلى نحو نفس حجم الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية ويفوق بكثير خط الأمان المعترف به دوليا عند 60%، وفق مكتب الميزانية في الكونغرس يوم الخميس الماضي.
والصين منكشفة بقوة على الدولار والأصول المقومة به. وتبلغ الاحتياطيات الأجنبية الرسمية للصين 3.154 تريليونات دولار بنهاية يوليو/ تموز الماضي.
العربي الجديد