استقر سعر صرف العملة البريطانية، الجنيه الإسترليني، في تعاملات صباح الخميس، مستعيداً بعضاً من خسائر اليوم السابق، حين هوى الجنيه إلى أدنى مستوى في ستة أسابيع أمام العملات الرئيسة، مع الفوضى المحيطة باتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”.
لكن، سعر الجنيه الإسترليني ظل تحت حاجز 1.3 دولار، إذ وصل إلى 1.29 دولار، بعدما هوى الأربعاء إلى 1.28 دولار للجنيه. لكن، الإسترليني ظل عند أدنى مستوى في شهر ونصف الشهر أمام العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، بسعر صرف 1.09 يورو للجنيه.
وبدأت الأسواق هذا الأسبوع التحسب لاحتمال أكبر أن لا يجري التوصل إلى اتفاق يحكم العلاقات التجارية والاقتصادية وغيرها بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي (بريكست من دون اتفاق) قبل الـ15 من أكتوبر (تشرين الأول). ولأن كل التحليلات والتقديرات ترى أن تضرر بريطانيا من بريكست من دون اتفاق أكبر من تضرر أوروبا، يكسب اليورو أمام الإسترليني.
هذا إضافة إلى أن اليورو يواصل الارتفاع في قيمته أصلاً في الآونة الأخيرة، إذ أضاف نحو ثلاثة في المئة إلى سعر صرفه، مع ما بدا من تفاؤل المسؤولين الأوروبيين بتعافي الاقتصاد من أزمة وباء فيروس كورونا (كوفيد 19). كما تنتظر الأسواق نتائج اجتماع البنك المركزي الأوروبي الخميس، وما سيصدر عنه بشأن السياسة النقدية لدول الاتحاد. ومع أنه سبق أعلن أن البنك الأوروبي لا يخشى معدلات التضخم مع ارتفاع سعر صرف اليورو وعودة النشاط إلى الاقتصاد، ما يعني أنه لا تفكير في رفع سعر الفائدة الأوروبية، فإن ما ستعلنه رئيسة البنك كريستين لاغارد، سيوضح توقعات أداء الاقتصاد الأوروبي بشكل عام.
سوق مضطربة
وإذا كان سعر صرف الجنيه الإسترليني يتعرض للضغوط بسبب الفوضى الحالية بشأن مفاوضات اتفاق بريكست وزيادة احتمال بريكست من دون اتفاق، فإن أسواق العملات تشهد اضطراباً منذ بدأ سعر الدولار الأميركي يتراجع في الآونة الأخيرة. وظل مؤشر سعر الدولار أمام سلة العملات المكونة من ست عملات رئيسة مستقراً صباح الخميس عند 93.2 نقطة.
لكن، الدولار فقد قدراً معقولاً من قيمته، وبنهاية أغسطس (آب) كان مؤشر سعر صرف العملة الأميركية يدور حول 92 نقطة، وأخذ في التعافي خلال الأيام الماضية مع اضطراب أسواق الأسهم على إثر انهيار أسهم شركات التكنولوجيا في أسواق وول ستريت بنيويورك.
المثير بالنسبة إلى المحللين والمراقبين أن أسعار السلع المقومة بالدولار، التي تتناسب عكسياً مع سعر صرف العملة الأميركية، لم ترتفع بموازاة تراجع سعر صرف العملة، خصوصاً النفط والذهب. ومن الواضح أن العامل النفسي المتعلق بتوقعات أداء الاقتصادات الرئيسة في ظل استمرار وباء كورونا وعدم حدوث أي تطور حاسم في جهود احتواء الوباء تلعب دوراً رئيساً في جعل السوق مضطربة، سواء بالنسبة إلى السهم أو العملات أو عقود السلع.
وتنتظر الأسواق مزيداً من إعلانات الحكومات والبنوك المركزية عن حزم تحفيز اقتصادي جديدة، لمواجهة احتمالات موجة ثانية من وباء كورونا. ورغم أنه لا يتوقع إعلانات رسمية في الأيام المقبلة فإن تطورات مفاوضات اتفاق بريكست والخلاف التجاري الصيني الأميركي تسدان هذه الفجوة في زيادة اضطراب الأسواق، بما فيها أسواق العملات.
بريكست والإسترليني
منذ استفتاء بريكست عام 2016 والجنيه الإسترليني هو مؤشر أساسي على مسار خروج بريطانيا من أوروبا. لذا فقد الجنيه نحو 2.5 في المئة من قيمته هذا الأسبوع مع تطورات مفاوضات اتفاق بريكست السلبية، وما بدا من أن الاتفاق بعيد المنال حتى الآن.
وفي آخر مسح لوكالة رويترز استطلعت فيه آراء الاقتصاديين كان احتمال أن تنتهي مفاوضات بريكست إلى خروج من دون اتفاق عند 40 في المئة، مرتفعاً عن 30 في المئة في أغسطس. ولأن ذلك المسح أجري قبل التطورات الأخيرة المتعلقة بقانون السوق الداخلية في بريطانيا، التي تنتهك اتفاق الانسحاب مع أوروبا، فتلك النسبة الكبرى الآن. ويقدر محلل أسعار صرف العملات في شركة نومورا جوردان روشستر أن تكون نسبة احتمال بريكست من دون اتفاق أكبر من 50 في المئة الآن.
ورغم التحسن في سعر صرف الجنيه الأربعاء مقترباً من حاجز 1.3 (لكن أقل مما كان عليه من قبل عند أكثر من 1.31) فإن كثيراً من المحللين يتوقعون أن يكون ذلك تحسناً مؤقتاً مرتبطاً بعوامل السوق العالمية أكثر منه بعوامل بريطانية محلية. بالتالي تشير كل التوقعات إلى عودة الجنيه الإسترليني إلى الهبوط، حتى إن بنك إتش إس بي سي عدل توقعاته، مقدراً أن يهوي سعر صرف الجنيه الإسترليني إلى 1.2 دولار للجنيه.
وتستند تلك التقديرات إلى عوامل بريطانية محلية، خصوصاً ما يتعلق بمفاوضات اتفاق بريكست، أكثر من عوامل السوق العالمية وحركة سوق العملات. وتنتظر الأسواق ما ستسفر عنه جولة المفاوضات الثامنة بين الفريق الأوروبي بقيادة ميشيل بارنييه والبريطاني بقيادة ديفيد فروست الخميس أو الجمعة.
لذا، لا يعد استقرار سعر صرف الجنيه حالياً أمراً موثوقاً إلى مساء الخميس، أو تعاملات نهاية أيام الأسبوع الجمعة. إذ يظل سعر صرف الجنيه الإسترليني أقوى مؤشر على مسار بريكست حتى الآن.
أحمد مصطفى
اندبندت عربي