الانتخابات الإيرانية وعودة الرهان على المشاركة الشعبية

الانتخابات الإيرانية وعودة الرهان على المشاركة الشعبية

على الرغم من أن المدة الفاصلة للانتخابات الرئاسية الإيرانية لا تزيد عن تسعة أشهر، المقررة في 18 يونيو (حزيران) عام 2021، إلا أن المعركة الرئاسية يبدو أن وتيرتها بدأت بالارتفاع وأنها وضعت على نار حامية لدى كلا المكونين السياسيين في الشارع الإيراني الإصلاحي والمحافظ، نظراً لحساسيتها ومفصليتها لدى الطرفين وانعاكساتها على الخيارات السياسية والاتجاه الذي سيسلكه النظام إن كان على المستويين الداخلي أو الخارجي.

المراقب للجدل الدائر على الساحة الداخلية الإيرانية بين القوى السياسية الممثلة للمعسكرين الإصلاحي والمحافظ، يلمس بكل وضوح عودة الرهانات لدى التيارين المتنافسين على حجم المشاركة الشعبية في عملية الاقتراع ودورها وتأثيرها في النتيجة التي يرغب فيها كلا الطرفين لصالحه، خصوصاً لدى التيار الإصلاحي الذي يرى أن عودته إلى مواقع القرار أو الاستمرار في المشاركة عبر السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية مرهون بحجم المشاركة الشعبية في عملية الاقتراع، وأن ارتفاع نسبة المشاركة ستصب في صالح مرشحهم على حساب مرشح التيار المحافظ أو الفريق المنافس.

في هذا السياق، يدرك التيار الإصلاحي بجميع أجنحته المتشددة والمعتدلة، أن هذه العودة مرتبطة بقدرته على ترميم صورته الشعبية وتقديم خطاب مختلف عن الخطاب الذي سيطر في المراحل السابق وأثر بشكل سلبي في إحجام الشارع عن الوقوف إلى جانبه والتمسك بدعمه في وجه الحملة الشرسة، التي تعرض لها عندما لجأ مجلس صيانة الدستور إلى أوسع حملة إقصاء واستبعاد للمرشحين الإصلاحيين في الانتخابات البرلمانية الماضية، التي كان من نتائج المذبحة التي ارتكبت أن مهدت وسهلت الطريق أمام سيطرة المحافظين على غالبية مقاعد البرلمان بحيث حصلوا على أكثر من 250 مقعداً من أصل 290 مقعداً.

وإذا ما كانت أزمة القوى والأحزاب الإصلاحية تبدو كثيرة التعقيد، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة ترميم العلاقة بينها وبين الناخب الذي تتحكم به هذه المرة كثير من المعطيات والمؤثرات المعيشية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية، على حساب المؤثر السياسي الذي خسر الأولوية في سلم الاهتمامات والمؤثرات، فإن التيار المحافظ في المقابل، يدرك جيداً أن معركته في السباق الانتخابي لرئاسة الجمهورية لن تكون سهلة وميسرة، لاعتبارين أساسيين، يقوم الأول على صعوبة توحيد الصفوف الداخلية والاتفاق على مرشح إجماع بين أجنحته والقوى الفاعلة فيه، أما الاعتبار الثاني فيعتمد على دور مجلس صيانة الدستور وقدرته على أعمال مقصلة استبعاد بعض المرشحين من هذا التيار لصالح المرشح الذي ترغب دوائر القرار في النظام بوصوله لاستكمال صورة الإمساك بمواقع الرئاسات الثلاث.

الجهود المحافظة المعبرة عن إرادة النظام التي بدأها مجلس صيانة الدستور، ظهرت من خلال الحسم المبكر لإشكالية الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد التي وضعت حداً للتحدي الذي يتسبب به طموحه الدائم للعودة إلى موقع الرئاسة، عندما قدم عباس علي کدخدائي الناطق باسم مجلس الصيانة، أحد أعضائه القانونيين نصيحة لكل المرشحين السابقين الذين سبق أن رفض ترشيحهم من قبل لجنة دراسة الأهلية والجدارة بعدم الترشح في الانتخابات المقبلة، وهي توصية لا تقتصر على أحمدي نجاد على الرغم من أن جميع الأوساط السياسية الإيرانية لم تفهم سوى ذلك، بل تشمل أيضاً المرشحين الإصلاحيين الذين سبق لهم ذلك، في ظل الحديث عن إمكانية دخول الرئيس الأسبق محمد خاتمي هذا السباق الذي سمع توصية مباشرة عام 2009 بعدم المشاركة وانسحب لصالح مير حسين موسوي، وأيضاً ما يدور من همس عن إمكانية أن يدفع الإصلاحيون بالسيد حسن الخميني حفيد المؤسس ونجل ابنه أحمد، وهو الذي رفض ترشيحه من قبل لجنة دراسة الأهلية عندما ترشح لعضوية مجلس خبراء القيادة.

وعلى الرغم من فعالية هذا السلاح الذي يمتلكه النظام ويعمل على حسم النتائج مبكراً لصالح التيار المحافظ كما حصل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إلا أن عملية إقصاء القوى الإصلاحية بجميع أطيافها عن السباق الرئاسي قد يكون محرجاً وفاضحاً بشكل لا يمكن تسويغه أو تمريره. فهذا السباق إما أن يكون تنافسياً بين مرشحي جهة واحدة، أو بين جهتين، ما يعني الإصلاحيين حصراً دون غيرهم من قوى المعارضة في الداخل او الخارج في مقابل المحافظين، انطلاقاً من أن الإصلاحيين يقبلون بالدستور ومندرجاته التي تشكل شرطاً لأي نشاط سياسي تحت سقف النظام وفي مقدمها الاعتراف والالتزام بمبدأ ولاية الفقيه المطلقة وقيادة آية الله خامنئي للنظام والدولة. الأمر الذي يعقد عملية إقصاء الإصلاحيين عن هذا السباق، لكنه يترك المجال واسعاً أمام انتقائية متشددة لا تسمح للتيار الإصلاحي بدفع شخصية قادرة على إحراج مرشح المحافظين وتضع النتائج المرجوة في دائرة الخطر أو تسمح بتكرار نتيجة انتخابات عام 1997 مع خاتمي والتحدي الذي تسبب به مير حسين موسوي عام 2009، وفشل مرشح النظام إبراهيم رئيسي عام 2017 في إزاحة حسن روحاني من الرئاسة.

ما يبدو واضحاً من الحراك السياسي والحزبي والجناحي على خط الانتخابات الرئاسية أن مراكز القرار في النظام تعمد إلى تقويم كل المعطيات والخطوات بشكل دقيق لمنع الوقوع في أي حسابات خاطئة تأخذ النتائج إلى حيث لا يريدون أو يرغبون، وقد تركزت جهودها مع انطلاق التحضيرات للمعركة الرئاسية على استبعاد أي إمكانية تسمح لأحمدي نجاد بالتأثير على النتائج أو جرها لصالح مرشح مدعوم منه من جهة، وعلى تعميق الجراح في صفوف الإصلاحيين وتحميلهم مسؤولية الفشل الذي تعاني منه حكومة حسن روحاني في إدارة الملف الداخلي في الجانب الاقتصادي والمعيشي والصحي، والخارجي في رهن البلاد بمخرجات الاتفاق النووي والرهان على التعاون الغربي، ما يسهم في رفع نسبة العزوف الشعبي عن المشاركة.

أما الجهد الرئيس فينصب على محاولة توحيد الصفوف والدخول في السباق الانتخابي بمرشح مركزي إلى جانب مرشحين محافظين لا يشكلون مصدر خطر في توزيع الأصوات مستفيدين من رهانهم تراجع المشاركة الشعبية التي تعد الخطوة الأولى بالنسبة إليهم في حسم المعركة، خصوصاً أن الإصلاحيين يعملون من أجل التوصل إلى تسوية تسمح لهم بالدخول بمرشح قوي يحوّل السباق إلى معركة حقيقية وليس مبايعة من الكتلة الشعبية التي يمتلكها المحافظون.

خسن فحص

اندبدنت عربي