يدخل السباق الرئاسي الأميركي مرحلة مهمة وقبل النهائية، وأبرز ما يميز هذه المرحلة إجراء المناظرات الرئاسية التلفزيونية الثلاث بين المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن، وتبدأ أولى المناظرات يوم الثلاثاء 29 سبتمبر/أيلول في جامعة كيس ويسترن بمدينة كليفلاند بولاية أوهايو.
ومن المتوقع أن تُجرى المناظرة الثانية يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول بجامعة ولاية ميشيغان، والثالثة في جامعة بيلمونت بولاية تينيسي يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول، في حين تشهد جامعة يوتا بمدينة سولت ليك سيتي المناظرة الوحيدة بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس في 7 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وتعد المناظرات الرئاسية خطوة مهمة مع احتدام المعركة الانتخابية في أجواء متوترة وغير مسبوقة في التاريخ الأميركي، سواء بسبب الحالة التي سببها انتشار فيروس كورونا المستجد وتداعياتها على طريقة التصويت وطرق عد وفرز الأصوات، أو انتشار العنف وأعمال الشغب على نطاق واسع على خلفية سلوك الشرطة ضد الأفارقة السود.
ويتعدى الاهتمام بالمناظرات الولايات المتحدة والناخب الأميركي، ومع اهتمام الرأي العام العالمي بالقضايا الرئيسية على خريطة الانتخابات الأميركية لم يعد تأثير الانتخابات مقتصرا على الداخل الأميركي، بل امتد لكل دول العالم.
المناظرات كان لها دور بارز في تفوق أوباما على منافسيه في عامي 2008 و2012 (رويترز)
أهمية المناظرات
تعد المناظرات جزءا من عملية ضخمة لتسويق الرئيس، يتولاها فريق ضخم يعمل لسنوات ويتوج عمله بالمناظرات الثلاث، مدة الواحدة منها ساعة ونصف الساعة، وهي مناظرات استعراضية أمام الجمهور.
تتيح المناظرات لكل مرشح أن يقول ما يشاء وأن يظهر نفسه بأبهى صورة، كما تسمح له بالتركيز والاستطراد في خططه وسياساته المستقبلية والإجابة عن تساؤلات مختلفة، وتعتبر لحظة فارقة في مسار الحملات الانتخابية، وفرصة أخيرة لكل مرشح لترجيح كفته على الآخر، لكن التأثير الأهم لها هو توجيه الذين لم يحسموا أمرهم بعد بشأن انتخاب مرشح بعينه.
وكما أن المناظرات تظهر إيجابيات المرشحين فهي تظهر أيضا العيوب والسلبيات، فكل حركة وإشارة لها دلالات، وكل ابتسامة أو نبرة قلق لها أبعاد، حتى شكل ربطة العنق قد تفقد المرشح الكثير من الأصوات، ومهما تحلى المرشح بالرزانة والجَلَد فإن زلة لسان عابرة قد تقصيه بعيدا عن الرئاسة.
وشهدت كل المناظرات -التي بدأت في صورتها الحديثة التلفزيونية عام 1960 بين المرشح الديمقراطي جون كينيدي والجمهوري ريتشارد نيكسون، وكان آخرها بين الرئيس دونالد ترامب ومنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون قبل 4 سنوات- لجوء أحد المرشحين أو كليهما إلى المبالغة وأحيانا إلى الكذب، وتحولت المناظرات في حالات أخرى إلى تراشق بالاتهامات بين الطرفين دون التركيز على برنامج كل منهما.
وللظهور في أبهى صورة يتلقى المتناظران تدريبات على مواجهة الجمهور على يد خبراء في العلاقات العامة، حتى لا يقع أي منهما في الهاوية أمام الملايين التي تتابع المناظرات.
وتعطي المناظرتان الأولى والثانية انطباعا عن قدرة هذا المرشح أو ذلك على الدفاع عن وجهة نظره والتمسك بآرائه وإقناع الجمهور بها، وتوضيح صفات القيادة لدى المرشح، أما المناظرة الثالثة فهدفها إيضاح قدرة هذا المرشح أو ذلك على عرض آرائه بشكل يجعل منه إنسانا عاديا ومقبولا من قبل الجمهور.
المناظرات وسيلة متبعة في الولايات المتحدة تتيح للناخب الحكم على أفكار وسياسات المرشحين (الفرنسية)
تأثير المناظرات
لا يوجد تأثير مباشر للمناظرات يمكن القياس عليه، لكنها المناسبة الوحيدة والنادرة لجمع ومقارنة المرشحيْن للرئاسة في نفس المكان، ويتيح ذلك ومن خلال طرح نفس الأسئلة عليهما الحكم والمقارنة بينهما.
لا تؤدي المناظرات نفسها إلى فوز مرشح وخسارة آخر، لكنها تعزز بصورة كبيرة المواقف المعروفة مسبقا، وتؤدي أي أخطاء فيها أو زلات لسان أو أي سلوك غير مقبول فيها إلى إضعاف أو تقوية صورة المرشح عند الملايين ممن يشاهدون الحدث على الهواء مباشرة.
وتعقد مناظرات هذا العام دون الحضور الكبير للجمهور بسبب احترازات انتشار فيروس كورونا، وهذا يتيح فرصة أفضل للجمهور للحكم على المرشحيْن دون التأثر النابع من حرارة تصفيق الجمهور لهذا المرشح أو ذاك.
وتنظم عادة 3 مناظرات بين المرشحين خلال الحملة الانتخابية تتناول السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، وتتميز بطابعها الاستعراضي الإعلامي، حيث يسعى المرشحان عادة خلالها لإعطاء انطباع بقدرة كل واحد منهما على الدفاع عن وجهة نظره وإقناع الجمهور بها، وتوضيح صفات القيادة لدى المرشح.
ويتم خلال المناظرات ضبط كافة التفاصيل بدقة من قبل مفاوضين كبار ممثلين للمرشحيْن الرئاسيين، من أجل الاتفاق على ترتيبات شكلية وتحديد مواضيع النقاش والتزامات الجانبين باعتبار أن الحدث سياسي وتلفزيوني، وأي خطأ في أداء المرشح -سواء بكلمة أو حركة- قد يكلفه منصب الرئاسة، مما يفرض على كلا المرشحين خوض تدريب على مواجهة المرشح الآخر على أيدي خبراء في العلاقات العامة.
محمد المنشاوي