قرر الساسة اللبنانيون الدخول في أزمة جديدة تضاف إلى سلسلة المصائب التي حلت به، من انهيار النظام المصرفي إلى إفقار السكان المتسارع، إلى تداعيات وباء كورونا، فانفجار ميناء بيروت الهائل، وعليه اليوم أن يتعامل مع التوترات السياسية المتجددة.
بهذه المقدمة افتتحت صحيفة لوموند Le Monde الفرنسية مقالا بقلم بنيامين بارت ذكّر في بدايته باستقالة مصطفى أديب الذي اختير لتشكيل الحكومة خلفا لحكومة حسان دياب التي أسقطها انفجار بيروت الهائل، وذلك بسبب الانقسامات اللامتناهية للطبقة السياسية المحلية.
ولفت الكاتب إلى قول رئيس الوزراء المكلف “أعتذر عن عدم تمكني من مواصلة مهمة تشكيل الحكومة”، بعد تعهده بتشكيل حكومة “مهمة” مؤلفة من “متخصصين مستقلين”، انطلاقا من روح مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وذكّرت الصحيفة بأن ماكرون كان قد انتزع من قادة الأحزاب اللبنانية اتفاقا على خريطة طريق تهدف إلى إعادة بناء الميناء وإخراج البلاد من الركود الاقتصادي، في وثيقة أعطت قادة المجتمع -الذين دعا الشارع إلى إسقاطهم لإهمالهم وفسادهم- أسبوعين لتنصيب حكومة جديدة.
وأوردت الوثيقة -حسب الكاتب- قائمة الإصلاحات التي يتعين القيام بها، مثل تدقيق البنك المركزي وتنظيم قطاع الكهرباء، قبل عقد مؤتمر المانحين للبنان في النصف الثاني من أكتوبر/تشرين الأول.
وترى الصحيفة أن استقالة أديب تهدد بتدمير جدول التحفيز هذا الذي تم تقديمه على أنه الفرصة الأخيرة للبنان لتجنب الانهيار، وأعادت فشل تشكيل الحكومة إلى الخلاف بين التشكيلات الشيعية والسنية اللبنانية التي تؤثر فيها حاليا سياسة الضغط الأقصى للولايات المتحدة على إيران.
وأوضح بارت أن المعسكر الشيعي المتمثل في حركة أمل بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحزب الله الموالي لإيران يطالب بإبقاء وزارة المالية التي يسيطر عليها منذ 2014 تحت هيمنته، في حين يرى أديب ضرورة التناوب على الحقائب السيادية بين الطوائف، مدعوما في ذلك من قبل معظم السياسيين، بما فيهم تيار المستقبل بقيادة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري.
اعلان
وقال الكاتب إن جميع النشطاء والخبراء يوافقون على هذه الفكرة، خاصة أن حركة أمل بدت حريصة في الأشهر الأخيرة على تقويض حزمة الإنقاذ المالي لحكومة حسان دياب، لأن بري شخصيا عارض التدقيق في البنك المركزي وإقرار قانون مراقبة رأس المال، وهما شرطان من الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي لتوقيع اتفاقية مع لبنان.
بدوره، قال المحلل السياسي كميل نجم إن “بري يرفض فتح صندوق العجائب هذا لتغطية ظهره”، مضيفا أن “وضع أمل في المالية هو لضمان عدم وجود إصلاحات جوهرية”.
غير أن مبدأ الدوران بين الطوائف -كما يقول الكاتب- لم يتم تضمينه في خريطة طريق ماكرون، لأن أمل وحزب الله يعتبران أن نصيب الشيعة في السيطرة على العمل الحكومي -بدون وزارة المالية- يكون أقل من نصيب الطائفتين الرئيسيتين الأخريين في لبنان.
ونبه الكاتب إلى أن منصب وزير المالية يعطي الشيعة “الثلث المعطل” الذي يطالبون به في الحكومات، لأن التصديق على أي مرسوم يتطلب 3 توقيعات، هي توقيع رئيس الجمهورية الذي يعود تقليديا إلى الموارنة، وتوقيع رئيس الوزراء الذي يعود إلى السنة، وتوقيع وزير المالية.
ويفسر الكاتب موقف حركة أمل وحزب الله المساومة هذه المرة -إذا أصروا عليه- بأنه قد يعود للعقوبات الأميركية، خاصة أن واشنطن فرضت عقوبات بعد أسبوع من زيارة ماكرون لبيروت على سياسييْن لبنانييْن، أحدهما علي حسن خليل الساعد الأيمن لنبيه بري المتهم بالفساد والتواطؤ مع حزب الله.
وينقل الكاتب عن المحلل السياسي جوزيف باحوط قوله إن” أمل وحزب الله يتحملان المسؤولية بوضوح أكثر عن استقالة أديب، مع أن الجانب السني لعب أيضا دورا سلبيا، لأن أعضاءه فسروا المبادرة الفرنسية بطريقتهم الخاصة، وتصرفوا كما لو كان لديهم شيك على بياض في اختيار الوزراء، مما أزعج الفصائل الشيعية”.
ضبابية
وأشار الكاتب إلى أن الغموض النسبي في الجزء السياسي من مبادرة ماكرون على خلاف جزئها الاقتصادي الأكثر تفصيلا جعل خطفها أمرا سهلا، خاصة أنه دعا إلى تشكيلة “جماعية مستقلة”، لكنه طلب أن تحظى بأوسع تغطية سياسية.
ونبه باحوط إلى أن نجاح مبادرة ماكرون كان “يتطلب إدارة جزئية أكثر صرامة”، كما أن رسالة ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة -التي قال فيها إن انفجار الميناء سببه “هيمنة حزب الله”- أحرجت الحريري من أن يظهر أي ضعف تجاه الشيعة.
وبعد استقالة أديب، قال منسق الأمم المتحدة الخاص في لبنان يان كوبيس المعروف بصراحته في تغريدة غاضبة “أي درجة من اللامسؤولية هذه ومستقبل لبنان وشعبه على المحك، أيها السياسيون، هل خربتم حقا الفرصة الفريدة التي توفرها فرنسا؟ متى ستتوقفون عن ممارسة ألعابكم المعتادة وتستمعون إلى صرخات الناس؟”.
الجزيرة