على الرغم من التحديات الكثيرة والمتشعبة التي يواجهها النظام الإيراني، إن كان على صعيد الأزمة الاقتصادية وانهيار قيمة العملة الوطنية أمام الدولار، أو اتساع رقعة الفقر والتراجع في قدرة شريحة كبيرة من الشعب الإيراني تصل إلى حدود 60 مليون شخص على تأمين الحد الأدنى من حاجاتهم اليومية (آخر الإحصاءات تتحدث عن 60 مليون إيراني يعيشون عند خط الفقر أو تحته)، أو كان على صعيد ما تواجهه إيران من مصاعب خارجية تبدأ من ملفات نفوذها ووجودها الإقليمية ولا تنتهي بالأزمة المستجدة والحرب المتفجرة على حدودها الغربية الشمالية في منطقة القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان. كل هذه التحديات لم تمنع الداخل الإيراني من الابتعاد عن الاهتمام والتركيز على مستقبل الحياة السياسية والانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في الثامن عشر من شهر يونيو (حزيران) المقبل 2021.
وإذا ما كانت الانتخابات البرلمانية الأخيرة قد حفزت الكثير من الشخصيات في المعسكر المحافظ بجميع أجنحته على طرح نفسها كمنافس في بازار الانتخابات الرئاسية، بالاعتماد على الآليات التي لجأ إليها النظام ومجلس صيانة الدستور ولجنة دراسة أهلية المرشحين التابعة له باستبعاد أي مرشح يشكل مصدر تهديد لمرشح محافظ في أي دائرة انتخابية في كل إيران والعمل على إقصاء المرشحين الإصلاحيين وإخراجهم من السباق الانتخابي، ما سمح بتشكيل مجلس أو برلمان حسب الطلب وذي طابع يسيطر المحافظون على تفاصيله وقراراته من دون منافس أو رقيب أو معارض.
إن الانتخابات الرئاسية لن تبتعد عن اعتماد الأسلوب والنهج نفسه في التعامل مع أي مرشح من خارج دائرة النظام أو حسب التعبير المحافظ “الموالين”، تمهيداً لاستكمال عملية إعادة السيطرة على مراكز القرار في السلطات الدستورية الثلاث في هرمية النظام، وتسهيل عملية استعادة السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية بعد إحكام القبضة على السلطتين التشريعية والقضائية.
المعسكر الإصلاحي بكل أجنحته يواجه أزمة حقيقية على مستوى الشكوك التي تدور حول قدرته على فرض نفسه منافساً حقيقياً في الانتخابات الرئاسية، أو في إيصال مرشح محسوب على هذا التيار أمام استنفار مؤسسات النظام الممسكة بمفاتيح لعبة القرار لقطع الطريق على هذا الاحتمال أو هذا الخطر، فإن التيار المحافظ أيضاً يعاني من تعدد الطامحين للوصول إلى موقع رئاسة السلطة التنفيذية، الأمر الذي رفع مستوى القلق داخل دوائر القرار في هذا التيار من ضرورة التوصل إلى رؤية موحدة حول معركة الرئاسية والآليات التي تسمح في خوض معركة بأقل جهد أو خسائر. غير أن الجدل والصراع داخل وبين أجنحة هذا التيار تبدو حتى الآن بعيدة أو غير سهلة المنال بسهولة، ويكشف عنها تعدد الأسماء المطروحة من قبل كل جماعة من جماعات هذا المعسكر لتكون متقدمة على غيرها في هذا السباق وتكون قادرة على كسب أو إحراز ثقة المرشد الأعلى والدولة العميقة التي تتحكم بمسارات السلطة والقرار في النظام.
يمكن القول إن المعسكر المحافظ قد حسم التحدي الأكبر الذي قد يواجهه عندما أخرج الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد من دائرة التنافس بعد النصيحة التي وجهها له بشكل غير مباشر المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور عباس كدخدائي، وأكد فيها أن المجلس لن يوافق على أهلية أي مرشح سبق أن رفضته لجنة دارسة الأهلية، في إشارة إلى إسقاط أهلية أحمدي نجاد عام 2017 ومحاولته العودة إلى السلطة التنفيذية على حساب الدورة الثانية للرئيس الحالي حسن روحاني، وبالتالي فإن هذا القرار سيشمل أيضاً وتتسع دائرته لتطال كل مرشح محسوب على جناح أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية المقبلة خصوصاً وأن التجربة مع هذا الجناح في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لم تكن مريحة للنظام لأنها ترفع منسوب الخوف بأن يكرس هذا الجناح نفسه كمنافس حقيقي على الساحة السياسية على حساب القوى والأجنحة الأخرى داخل التيار المحافظ.
وأمام تعدد المرشحين للانتخابات الرئاسية من داخل المعسكر المحافظ، وخطورة أن يؤدي ذلك إلى تشتت الأصوات في يوم الاقتراع وتتحول المعركة الانتخابية إلى معركة داخل أجنحة هذا التيار كصراع على السلطة بين أقطابه، يبدو أن قيادة النظام والدولة العميقة لم تقل كلمتها بعد وهي تراقب حتى الآن مجريات الصراع الداخلي ضمن البيت المحافظ، وما يمكن أن يخرج من خطوات نتيجة الجدل بين أجنحة المعسكر الإصلاحي، لإخراج أرنب الحل أو حسم الجدل حول الشخصية التي من المفترض أن تتولى دفة إدارة السلطة التنفيذية، من خلال الدفع بمرشحها الذي سيحسم الجدل ليس فقط بين الإصلاحيين، بل أيضاً داخل المعسكر المحافظ التي تهيمن عليه وتتحكم به.
معركة السباق الرئاسي المبكرة التي تشهدها الساحة الإيرانية قد تكون محكومة باعتبارات عدة لدى كل من المعسكرين، وقد تترجم مستوى التأزم الذي وصلت إليه الأمور داخل كل منهما حول موقع ودور رئاسة الجمهورية داخل آليات اتخاذ القرار في النظام، محاولة تنصل الطرفين من الأخطاء التي يجري الحديث حولها في إدارة الحكومة الحالية لمختلف الملفات الداخلية والدولية، لتلميع صورتهما امام الناخب الإيراني وإقناعه بأن كلاً منهما يملك القدرة السحرية على حلها، محملاً مسؤولية الفشل للرئيس روحاني وفريقه وحدهم. إلا أن الموقف الحاسم في هذا الصراع وهذه المعركة لم يظهر حتى الآن، وهو يقع في يد المرشد الأعلى، علي خامنئي، الذي يملك الكلمة الفصل في هذا الإطار، واتخاذ هذه الخطوة قد لا تكون محصورة بالتركيز على معالجة الأزمات الداخلية الاقتصادية والمعيشية والمالية، بل تحاول التريث في حسم خياراتها للوقف على التطورات التي تحدث على الساحة الدولية وتؤثر على الموقف الإيراني، خصوصاً الانتخابات الرئاسية الأميركية، لجهة أن الرئيس الإيراني المقبل من المفترض به أن يتعامل مع نتائج هذه الانتخابات، إن كان في حال عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض أو وصول منافسه الديمقراطي جو بايدن، فالرئيس الإيراني المقبل سيكون أمام مهمة التفاوض مع الإدارة الأميركية بغض النظر عمن سيصل إلى البيت الأبيض.
حسن فحص
اندبندت عربي