هل الميليشيات الجديدة في العراق مناورة من الأطراف القديمة أم انقسامات؟

هل الميليشيات الجديدة في العراق مناورة من الأطراف القديمة أم انقسامات؟

يشهد العراق في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد إبداء حكومة مصطفى الكاظمي عزمها على مواجهة الميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة، موجة إعلانات عن مجموعات مسلحة جديدة، تقول إنها ستواصل العمل المسلح. وأعلنت إحدى تلك الميليشيات الجديدة عن انطلاقها في بيان جاء فيه “نحن مجموعة من المجاهدين المضحين المقاومين الرافضين للاحتلال والمستعمر، وبعد أن كنا على مدى الأعوام نقاتل في رحاب جيش الإمام المهدي وتحت لواء آل الصدر الكرام وما لحقه من المسميات الجهادية، نعلن اليوم عن تشكيل لواء الشهيد القائد كريم درعم”. كما ظهرت بيانات لميليشيات جديدة أخرى، حتى بدت وكأنها سلسلة لا تنتهي، منها ميليشيا “أصحاب الكهف” و”عصبة الثائرين”، و”سرايا ثورة العشرين الثانية”، و”قوات ذو الفقار”، و”سرايا المنتقم”، و”أولياء الدم”، و”ثأر المهندس”، و”قاصم الجبارين”، و”الغاشية”.

وتتنوع البيانات بين الإعلان عن تشكيل الفصيل واسمه، وتبني عمليات الهجوم على أرتال يُقال إنها تابعة للجيش الأميركي. كما صدرت بيانات تحذيرية كالذي أصدرته “سرايا أولياء الدم” وحذرت فيه بعثة الأمم المتحدة في العراق من السماح للقوات الأميركية باستخدام آلياتها لغرض الانتقال من مكان إلى آخر. وجاء في البيان “سنضطر لضرب عناصر الاحتلال الأميركي في آلياتكم وحينها ستُحرق عجلاتكم في الشوارع العراقية”.

وظهر منذ أكثر من 90 يوماً للعلن، 17 فصيلاً ومجموعة جديدة، يرى المراقبون أنها لن تكون الأخيرة، فالتوقعات قائمة بولادة ميليشيات جديدة لتشكل محاولةً لخلط الأوراق والتشويش على حكومة الكاظمي والقوات الأميركية على حد سواء.

قوى اللادولة نتيجة طبيعية للنظام بعد 2003

منذ عام 2003 وحتى اليوم، استمرت ظاهرة الميليشيات والفصائل المسلحة، فالنظام السياسي في العراق لا يعمل بطريقة المؤسسات الشرعية والتنافس الانتخابي. وقال أستاذ العلوم السياسية أياد العنبر إن “النظام الهش ينتج صراعاً حول تقاسم الموارد ونزاعاً على السلطة والنفوذ، وبما أن العراق لا يمكن اعتبار نظامه مؤسساتياً، باتت الفرصة مؤاتية للقوى التي تعمل بطريقة المافيات، سواء على المستوى الاقتصادي أو خارج نطاق عمل الدولة”.
وأوضح العنبر أن “هذه القوى تحاول توسيع نفوذها بقوة السلاح، وتسعى إلى الحفاظ على مصادر تمويلها التي غالباً ما تكون غير شرعية، فتحتاج إلى أن تؤمن لنفسها جناحاً يشارك في العملية السياسية، بالتالي فهي تمسك بطرف السلطة من جهة، وتبقى كقوى خارجة عن الدولة من جهة أخرى”.

انقسام أم قوى جديدة؟

من جهة أخرى، وفي حين أنه غالباً ما يُفهم من ظاهرة الإعلان عن ميليشيات وفصائل جديدة، أنها حالة انقسام في القوى التقليدية، يبدي الباحث في الشأن العراقي رعد هاشم، رأياً مغايراً، إذ يوضح لـ”اندبندنت عربية” أنه “لا يمكن فهم هذا الموضوع على أنه انقسام خلافي يزاحم القوى التقليدية، بقدر ما هو انشطار يصب في خدمة هذه القوى، من ناحية إنتاج فصائل بعناوين ومسميات مختلفه للتمويه، وإبعاد الشبهات والإفلات من العقاب، وتنفيذ المطلوب منها إيرانياً بالضغط على الأميركيين باستهداف مصالحهم أينما وجِدت في العراق”.
ولفت هاشم إلى أن هذه الميليشيات أتقنت لعبة السياسة في العراق فهي “مشارك مكشوف في العملية السياسية، ومشارك خفي في لعبة جر الحبل بغطاء ميليشياوي”.
في السياق ذاته، رأى المستشار السابق للتحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا، كاظم الوائلي أن “هذه الفصائل انبثقت من جيش المهدي وبالتالي فهم نفس الأشخاص والفصائل، لكنهم يسعون إلى تغيير التسميات لخلط الأوراق، فهذه الظاهرة لا يمكن تصنيفها كانقسامات، بل هي نتواءات من القوى التقليدية، فهناك قوات وهناك قوات خاصة، ومن الممكن عدّ الفصائل الجديدة على أنها قوات خاصة ذات تسميات مختلفة”.

من جهة أخرى، يعتبر مراقبون أن العامل الخارجي هو مَن يسعى إلى جعل هذه الفصائل والميليشيات عبارة عن سلسلة غير منتهية من الانشطارات والتجديد، “بل إنها تسعى لانشطاراتها المتعددة، لكي تضمن ديمومتها”، وفق ما أوضح أياد العنبر. وأضاف أن “هناك إرادات خارجية تسعى إلى ألا يكون لأي طرف من قوى اللادولة التي تدعمها، دوراً أساسياً في إضعاف الحكومة، كما تسعى إلى ألا يكون هناك أي تركز للقوة داخل أي طرف، وعليه فإن الإرادات الخارجية ترغب بضمان أن تكون قوى اللادولة ممثَلة بأكثر من جهة وفصيل لكي يصعب تفكيكها وحلها”.

الطريق الصعب

يرى البعض أن الطريق إلى حل الميليشيات سيكون محفوفاً بالمخاطر، فتلك لها أذرع سياسية وتعمل في الحكومة، بالتالي فإن عملية تفكيك هذا الارتباط أشبه بالمستحيل، بحسب رعد هاشم، الذي أشار إلى أنه “لا بد من عملية فرز شاملة بين الفصائل، بغية تحييد الفصائل الولائية التابعة لإيران عن الفصائل التي تأتمر بأوامر الحكومة والقائد العام. ومن شأن ذلك أن يخلق حالة عزل، ويفك الاشتباك بالمفاهيم والتداخل بالمسميات التي تعيق المعالجة الدقيقة للسلاح المنفلت، والتمييز بين سلاح الوطن عن السلاح القادم من خارج الحدود”.
أما كاظم الوائلي فيرى أن “حل الميليشيات لا يكون إلا بعملية عسكرية، فمن المستحيل أن تتخلى طوعاً عن أسلحتها، وإيران لن تسمح بأن يسلم هؤلاء أسلحتهم لأنها تعتبرهم الحماية العسكرية لمصالحها وأداة لتهديد أميركا في العراق، فهم مستعدون للموت في سبيل إيران من دون مقابل”.
وذكّر الوائلي أن “جيش المهدي أعلن في أكثر من مناسبة عن نزع أسلحته وجمد نشاطه وفاوض الحكومة العراقية، لكنه مع ذلك باق تحت تسمية “سرايا السلام”، وعليه لا يمكن حل هذه الميليشيات إلا بعملية عسكرية كبيرة مثلما حدث في صولة الفرسان في عام 2008”.

الحكومة والميليشيات

من ناحية ثانية، قال الباحث في شؤون الأمن الوطني حسين علاوي، إن “حكومة مصطفى الكاظمي تعمل الآن على مسارين، الأول سياسي يتمثل في عملية تحديد هذه الجماعات واستخدام أوراق الضغط السياسي من قبل الكتل الشيعية الكبرى المهمة، أما المسار الثاني فهو العمل الاستخباري لتحديد محور حركة هذه الجماعات المسلحة الخاصة”. وأضاف أن “هذه الجماعات تتوهم بأن الشرعية الثورية أكبر من الشرعية الدستورية للقوات المسلحة العراقية، ويُعدّ ذلك مؤشراً على عدم فهم هذه الجماعات المتمردة تاريخ العراق السياسي الحديث، الذي نشأت فيه جماعات الظل المسلحة التي ذابت وانتهت في النهاية”.
وتبقى الميليشيات هي الأقوى حالياً، في ظل غياب أي جهد سياسي لحلها، فهي تمسك بالسلاح من جهة وتتحكم بالسياسة من جهة أخرى، وذلك يهدد باحتمال أن تكسب الانتخابات المبكرة بقوة السلاح أيضاً.

غفران يونس

اندبندت عربي