في توقعات جديدة وصادمة، قال صندوق النقد الدولي إن دول العالم “قد تواجه” إفلاسات ضخمة وضرراً اقتصادياً دائماً، إذا أُوقِف قبل الأوان الدعم النقدي وخطط التحفيز المالي المقدم في الوقت الراهن، لمساعدة اقتصاداتها خلال الأزمة الحالية. وأضافت كريستالينا غورغيفا مديرة صندوق النقد الدولي، في كلمة عبر الإنترنت بمناسبة مرور 125 عاماً على تأسيس كلية لندن للاقتصاد، “نحن واضحون تماماً في الرسالة التي نبعث بها، وهي عدم سحب الدعم قبل أوانه. إذا فعلنا ذلك فقد نواجه إفلاسات ضخمة وبطالة هائلة”.
وأوضحت غورغيفا أن صندوق النقد لا يرى مخرجاً من الأزمة الراهنة في العام المقبل، لذا ينبغي مواصلة تعليق مدفوعات خدمة الدين للدول الفقيرة. مؤكدة أن الإصلاح الضريبي بالغ الأهمية لمساعدة البلدان في التزامات الدين، ومضيفة أن أسعار الفائدة شديدة الانخفاض أو السلبية، يمكن أن تُسهم في دعم الاقتصادات خلال الجائحة، لكنها تنطوي على مخاطر متزايدة على أصحاب المدخرات والنظام المصرفي.
انهيار احتياطيات البنوك المركزية
في وقت سابق من مايو (أيار) الماضي، رصدت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية حركة مؤشرات الاحتياطي من النقد الأجنبي في أكثر من 50 دولة من الدول الكبرى، وأيضاً الاقتصادات الناشئة والنامية، لتظهر هذه المؤشرات أن 30 دولة منها سجلت احتياطياتها النقدية نزيفاً حاداً منذ تفشي جائحة فيروس كورونا في العالم، أبرزها الصين من حيث القيمة، التي فقد احتياطيها النقدي أكثر من 46 مليار دولار دفعة واحدة في مارس (آذار) الماضي، فيما تصدرتها من حيث النسبة تركيا، التي فقد بنكها المركزي أكثر من 15 في المئة من الاحتياطي النقدي بقيمة 15.5 مليار دولار في شهر واحد.
وحذرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الأسواق الناشئة تحديداً هي الآن أكثر عرضة لمزيد من الصدمات الاقتصادية، بعد أن أجبرتها مخاطر وتداعيات فيروس كورونا على استنفاد جزء كبير من احتياطياتها من النقد الأجنبي، وبأسرع وتيرة منذ حقبة الأزمة المالية العالمية عام 2008، وهو ما ظهر في كثير من الدول، أهمها البرازيل وإسرائيل وسنغافورة وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ وإندونيسيا وبولندا.
وتشير بيانات شركة “أركيا”، المتخصصة في البحوث الاقتصادية، إلى أن الاحتياطي الأجنبي لنحو 12 دولة من أكبر الدول النامية، من بينها البرازيل وروسيا، سجّل تراجعاً بما يصل إجماليه إلى 143.5 مليار دولار في مارس الماضي فقط، في ما يعد أكبر معدل تراجع منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية قبل 12 عاماً.
وأوضحت أن تلك الدول استعانت بما لديها من احتياطي نقدي أجنبي من أجل مكافحة هبوط عملاتها، نتيجة التداعيات السلبية لتفشي فيروس كورونا التي تسببت في شل حركة الاقتصاد العالمي منذ منتصف مارس الماضي.
وقالت مديرة صندوق النقد الدولي إن الاقتصاد العالمي يبدو “أقل سوءاً” مما كان عليه في يونيو (حزيران) الماضي، والصندوق سيُجري تعديلاً لتوقعاته للإنتاج العالمي في 2020 بزيادة طفيفة. وتابعت، “رسالتي الأساسية هي أن ينهض الاقتصاد العالمي مجدداً من أعماق هذه الأزمة”.
وأضافت، “لكن هذه الكارثة لم تقترب بعد من نهايتها. وتواجه كل البلدان الآن ما سأسميه (الصعود الطويل)، وهو صعود صعب سيستغرق وقتاً طويلاً، وسيكون متقطعاً وضبابياً وعرضة للعثرات”.
وفي يونيو الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي إجراءات الإغلاق الناجمة عن فيروس كورونا إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي 4.9 في المئة، ليكون أكبر انكماش منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي، ودعا الحكومات والبنوك المركزية إلى مزيد من الدعم عن طريق السياسات.
ومن المقرر أن ينشر الصندوق توقعاته المعدلة الأسبوع المقبل، إذ تشارك البلدان الأعضاء في الاجتماعات السنوية التي تنعقد إلى حد كبير عبر الإنترنت.
وقالت غورغيفا إن الصندوق لا يزال يتوقع تعافياً “جزئياً وغير منتظم” للاقتصاد العالمي خلال 2021. وتوقع الصندوق في يونيو أن يبلغ معدل النمو العالمي مستوى 5.4 في المئة خلال 2021. لكن مديرة الصندوق قالت إن الدعم المالي الذي وصل إلى 12 تريليون دولار، الذي صاحبه تيسير نقدي غير مسبوق، أتاح لكثير من الاقتصادات المتقدمة، منها الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، تجنب الضرر الأسوأ وبدء التعافي. وتتعافى الصين أيضاً بشكل أسرع من المتوقع.
وذكرت أن الأسواق الناشئة والبلدان المنخفضة الدخل تواجه وضعاً محفوفاً بالمخاطر، بسبب ضعف الأنظمة الصحية وارتفاع الدين الخارجي، والاعتماد على قطاعات هي الأكثر انكشافاً على الجائحة، مثل السياحة والسلع الأولية.
ودعت مديرة صندوق النقد إلى مزيد من المساعدة في ما يتعلق بالديون على وجه السرعة للبلدان المنخفضة الدخل بخلاف تجميد مدفوعات الديون الثنائية الرسمية حتى نهاية 2020. وقالت إن مكاسب التنمية قد تتبدد من دون الحصول على مزيد من المنح والائتمان الميسر وتخفيف أعباء الديون.
وفي أوروبا، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، إن موجة ثانية من جائحة كورونا “تنذر بتأخر التعافي الاقتصادي” لمنطقة اليورو. وأضافت خلال منتدى “وول ستريت جورنال” لرؤساء الشركات، “نخشى الآن أن يكون لإجراءات الاحتواء التي اتخذتها السلطات تداعيات على هذا التعافي، لذلك بدلاً من منحنى التعافي السريع الذي نتطلع إليه جميعاً ونأمله، نخشى أن يجعل ذلك أحد طرفي المنحنى أكثر تقلباً بقليل”.
دول العالم بحاجة إلى إنفاق 20 تريليون دولار
وفي تقرير سابق لصندوق النقد الدولي، أشار إلى أن دول العالم بحاجة إلى استثمارات عامة تتجاوز 20 تريليون دولار في العقدين المقبلين بعد انتهاء وباء كورونا. مشدداً على اضطرارية الإنفاق على أنظمة الرعاية الصحية والبنية التحتية والتغير المناخي.
وذكر أن معدلات الفائدة المنخفضة تتيح فرصة للاستثمار العام، لتعزيز النمو وتحديث المطارات القديمة والموانئ والسكك الحديدية في الاقتصادات المتقدمة. لافتاً إلى أنه في الدول التي تكون فيها المساحة المالية محدودة قد يكون من الأنسب إعادة تركيز الإنفاق على الاستثمار في أنظمة الرعاية الصحية والبنية التحتية والأفراد.
وأشار الصندوق إلى أن ارتفاع مستويات الديون وتكاليف الفائدة في الاقتصادات الناشئة والنامية، يعني أن الإنفاق يجب أن يحدث بطريقة مسؤولة مالياً. وحث دول العالم على التخطيط الآن لمشاريع استثمارية، يمكن تنفيذها عندما يخف الوباء وتدابير يمكن نشرها بسرعة لمساعدة مواطنيها، مشيراً إلى بطء الدعم المالي خلال التباطؤ الاقتصادي السابق، كما دعا صندوق النقد جميع الدول إلى تعزيز إعانات البطالة وشبكات الأمان الاجتماعي.
خالد المنشاوي
اندبندت عربي