“في 6 تشرين الأول/أكتوبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع مهدي خلجي وأريان طباطبائي ومايكل آيزنشتات. وطبطبائي هي زميلة لشؤون الشرق الأوسط في “التحالف لتأمين الديمقراطية” التابع لـ “صندوق جيرمان مارشال”. وآيزنشتات هو زميل “كاهن” ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في المعهد. وخلجي هو صحفي إيراني سابق وعالم لاهوت درس في قم، وزميل “ليبيتزكي فاميلي” في المعهد. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
مهدي خلجي
ليس هناك مفر من المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، بغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر. وفي حين يميل قادة إيران إلى التحدث بلهجة عدائية حين تكون البلاد في موضع قوة، إلا أنهم يدْعون إلى الحوار في أوقات الضعف. وتعززت هذه النظرة الحذرة بعد عملية الاغتيال التي استهدفت فيها الولايات المتحدة قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير 2020، والتي فاجأت القادة الإيرانيين نظراً إلى تجنّب الرئيس ترامب العلني الدخول في نزاع عسكري في المنطقة.
وللنخب في إيران وجهتي نظر بشأن نتيجة الانتخابات الأمريكية. فمن ناحية، من المرجح أن تشعر بنوع من الارتياح في التفاوض مع إدارة بايدن وستستمتع بالإحراج الذي ستسببه الهزيمة الانتخابية للرئيس ترامب. ومن ناحية أخرى، أدّت تجربتها مع الرئيس أوباما إلى الشعور بأن المفاوضات مع إدارة يشغلها الحزب الجمهوري ستساعد على نحو أكبر في التوصل إلى اتفاق مستدام يحظى بدعم حلفاء أمريكا في المنطقة.
وفي أعقاب مقتل سليماني وأزمة جائحة “كوفيد-19″، أصبحت إيران في وضع ضعيف وهش، حيث لا يزال الشعب يعاني اقتصادياً ونفسياً، ويعتبر الحكومة مسؤولة عن ذلك. كما ينفر الرأي العام إلى حدّ كبير من صدمة كبيرة أخرى، حتى ولو كانت انتقاماً لمقتل سليماني. ويدرك قادة إيران هذا الشعور جيداً ويبذلون ما بوسعهم لكي لا يخسروا الشرائح المخلصة تقليدياً من أبناء الشعب. ومن شأن هذا الاعتبار أن يقوّض احتمال حدوث أي أعمال عدائية قبل الانتخابات الأمريكية بل ويزيد من احتمالية تقديم تنازلات في منطقة نزاع مثل العراق، الأمر الذي قد يمهد بدوره الطريق أمام إجراء محادثات.
وإذا اختار المرشد الأعلى علي خامنئي التفاوض مع الولايات المتحدة، فمن غير المرجح أن يضمّ وفده الرئيس الحالي حسن روحاني أو وزير الخارجية محمد جواد ظريف أو أي عضو آخر من فريق التفاوض السابق. ويصرّ منتقدو روحاني في الحكومة على أن «خطة العمل الشاملة المشتركة» تخلت عن الكثير من المصالح الإيرانية، رغم تأكيدهم بأن البلاد هي حالياً في وضع أفضل للتفاوض.
آريان طباطبائي
يتمثل الهدف الأساسي لإيران في الفترة التي تسبق الانتخابات الأمريكية في الحفاظ على الوضع الراهن والممارسة في الوقت نفسه ضغوط محدودة على واشنطن. وعلى هذا النحو، يكتفي قادة الجمهورية الإسلامية بالترقب وانتظار النتائج.
وتركز النشاط الرئيسي لإيران قبل الانتخابات في مجاليْ الإعلام والإنترنت. وقامت الجمهورية الإسلامية بتضخيم نظريات المؤامرة الخاصة بفيروس كورونا، وانتقد المسؤولون فيها علناً أيضاً الظلم العنصري في أمريكا، حتى أنهم عبّروا عن دعمهم للاحتجاجات التي شهدتها المدن الأمريكية هذا العام. وتهدف مثل هذه الخطوات إلى مفاقمة الاستقطاب السياسي الأمريكي والتقليص من جاذبية الحكم الديمقراطي في الخارج وعلى الصعيد المحلي أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، سعت الكيانات المدعومة من إيران مؤخراً إلى اختراق العديد من الأهداف البارزة، بما فيها الحملة [الانتخابية] للرئيس ترامب و”منظمة الصحة العالمية” وشركات تجري بحوثاً على لقاح “كوفيد-19”.
كما تجنبت إيران اتخاذ العديد من الخطوات التصعيدية المحتملة قبل الانتخابات. وعلى الرغم من استمرار البلاد في انتهاك [شروط] «خطة العمل الشاملة المشتركة»، إلا أنها لم تُقدم على أي خطوات استفزازية إضافية في المجال النووي في الأشهر الأخيرة. ويؤدي مثل هذا الجمود إلى إبقاء الاتفاق حياً إلى ما بعد الانتخابات. ويمكن للإشراف والتدقيق الدوليين المساعدة في منع تطوير برنامج أسلحة سري، رغم أن قرار الجمهورية الإسلامية حتى الآن بعدم تصنيع قنبلة نووية يُعتبر خياراً سياسياً أكثر منه نتيجة عراقيل فنية. وقد تقرر إيران تطوير سلاح كمصدر للضغط في المفاوضات المستقبلية، ولا سيما في حال فوز ترامب بولاية ثانية، ولكن لا يوجد ما يشير إلى أنها اتخذت هذا القرار أساساً.
وهناك فرصة ضئيلة في إقدام قائد مارق في «الحرس الثوري» الإيراني على اتخاذ خطوات ضد الولايات المتحدة دون موافقة الحكومة. فإيران هي دولة وحدوية، وأي عمل ينطوي على تداعيات استراتيجية مهمة سيتطلب موافقة العديد من مراكز القوة. ومن المرجح إلى حدّ كبير أن يأتي أي هجوم يتعارض مع استراتيجية إيران من أحد وكلائها.
ومع ذلك، فبغض النظر عن الإدارة الأمريكية، لا تزال إيران ترغب في إظهار قدرتها على التصدي لحملة الضغط الأقصى التي تنفذها الولايات المتحدة، وذلك بشكل أساسي في محاولة لكسب ميزة في المفاوضات المستقبلية. ويكمن التحدي بالنسبة لطهران في كيفية القيام بذلك دون منح الرئيس ترامب عوامل داعمة لحملته الانتخابية، ودون إثارة أزمة تؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة.
مايكل آيزنشتادت
كانت أهداف إيران الأولية في ردها على حملة الضغط الأقصى الأمريكية ذات شقين: إرغام واشنطن على تخفيف العقوبات أو رفعها، وحمل أوروبا على تجاهلها. وقد أحرزت الجمهورية الإسلامية تقدماً محدوداً نحو تحقيق هذه الأهداف وتدرك أنه من غير المرجح حدوث ذلك قبل الانتخابات الأمريكية. ومن المحتمل أن تمتنع القيادة الإيرانية عن تنفيذ أي نشاط عسكري كبير قبل الانتخابات (أي “مفاجأة تشرين الأول/أكتوبر”) خشية منح الرئيس ترامب دعماً غير مقصود في الانتخابات.
وعلى مدى العامين الماضيين، تطورت الهجمات الإيرانية على شحنات النفط والبنية التحتية النفطية من حيث مدى تعقيدها من هجوم بسيط بألغام مغناطيسية على ناقلات ثابتة، مروراً بهجوم بألغام مغناطيسية على ناقلات متحركة، وصولاً إلى هجمات كبيرة بطائرات بدون طيار وصواريخ جوالة على منشآت “أرامكو” في السعودية. ومنذ ذلك الحين، حصرت إيران تحركاتها ضد قطاع النفط بتحويل مسار عدد صغير من الناقلات في مضيق هرمز وحوله. ويمكن أن يُعزى هذا الانخفاض إلى الاحتجاجات الدولية ضد الخطوات التي تعيق تدفقات النفط العالمية، أو إلى وجود معزّز للبحرية الأمريكية والأوروبية في الخليج العربي.
أما في العراق، فقد اتبعت الهجمات التي نفذتها جماعات وكيلة إيرانية نمطاً مماثلاً في عام 2019، حيث ازداد عدد الهجمات على القوات الأمريكية – فضلاً عن عدد الصواريخ المستخدمة وعيارها – إلى أن أسفر هجوم في كانون الأول/ديسمبر عن مقتل جندي أمريكي. وبعد حدوث ارتفاع في عدد الهجمات الصاروخية في أعقاب مقتل سليماني في كانون الثاني/يناير 2020 وارتفاع آخر في آذار/مارس أسفر عن مقتل ثلاثة من جنود قوات التحالف (أمريكيان وبريطاني)، عمد وكلاء إيران في العراق مرة أخرى إلى زيادة وتيرة هجماتهم منذ حزيران/يونيو. ورغم استمرار الهجمات الصاروخية، فقد تضمنت العمليات الأخيرة استخدام الأجهزة المتفجّرة المرتجلة ضد القوافل اللوجستية التي يديرها عراقيون والتي تعتمد عليها السفارة الأمريكية. ومن خلال استهداف عناصر دعم مماثلة دون تعريض أمريكيين للخطر بشكل مباشر، تُمكّن هذه الهجمات إيران من زيادة الضغط على الولايات المتحدة وتنفيذ ضربة جريئة وتفادي في الوقت نفسه أفعالاً تصعيدية محتملة.
وإذا كان هناك أي شيء، فقد تمثلت المفاجأة الفعلية في تشرين الأول/أكتوبر بتهديد الولايات المتحدة بإغلاق سفارتها في بغداد. وربما يكون التحذير قد أغرى الإيرانيين بالتصعيد على أمل تحقيق هدفهم الطويل الأمد: إنهاء الوجود الأمريكي في العراق بشكل خاص وفي المنطقة بشكل عام. ومع ذلك، من المحتمل أن تكون طهران في وضع متخبط لأن تكاليف مثل هذه الخطوة قد تفوق المكاسب. ومن شأن أي خطوة عسكرية كبيرة أن تعزز فرص فوز الرئيس ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر. كما أن لإغلاق السفارة التأثيرات التالية: رفع القيود عن ردّ الولايات المتحدة على الخطوات الإيرانية؛ حرمان وكلاء إيران من مصدر ضغط على الولايات المتحدة؛ وإرساء بعض الأسس لفرض عقوبات أمريكية على العراق والتي قد تكون لها تداعيات سلبية غير مباشرة على الاقتصاد الإيراني المتعثر أساساً.
ومع ذلك، في حين من غير المرجح أن تشنّ إيران هجوماً كبيراً قبل الانتخابات الأمريكية، إلّا أن هذا لا يمنع إمكانية حصول ذلك بعد الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر. وإذا فاز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، يمكن لشنّ هجوم أن يحقق الغرض المزدوج المتمثل بإذلال الرئيس ترامب أثناء مغادرته السلطة، وإظهار عزيمة إيران للإدارة المقبلة. وفي حال فوز ترامب، فمن المفترض أن ترغب إيران في تحفيز المفاوضات لكي تتمكن من الحصول على تخفيف للعقوبات، على الرغم من أنها قد تجد نفسها بين إثارة أزمة أو اغتنام الفرصة المنتظرة لتحقيق هذا الهدف.
مهدي خلجي
معهد واشنطن