ينتظر المسلمون وبخاصة فرعهم التركي السني موعد 2023 السنة التي سينتهي فيها مفعول معاهدة لوزان الموقعة في يوليو 1923 بين الأمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية والسلطات التركية لمدة قرن كامل، ولكن بنودها لم تفعل إلا في أكتوبر 24 وهي معاهدة تصفد أيدي تركيا لمدة قرن كامل عقابا للسلطان العثماني على مشاركة تركيا في الحرب العالمية الأولى ضد الحلفاء، ومعاهدة لوزان (1923) هي المعاهدة النهائية للحرب العالمية الأولى، التي تم التوقيع عليها من قبل ممثلي تركيا (خليفة الإمبراطورية العثمانية) من جهة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا ومملكة الصرب والكروات والسلوفيين من جهة أخرى. تم التوقيع على معاهدة لوزان بسويسرا في 24 يوليو 1923 حيث اعترفت المعاهدة بحدود ما سمي بالدولة الحديثة في تركيا، وتمثلت مطالب الحلفاء من تركيا في إعطاء الحكم الذاتي لكردستان التركية، وكذلك بالتنازل التركي عن الأراضي إلى أرمينيا والتخلي عن المطالبات بمناطق النفوذ في تركيا كما أقرت المعاهدة المهينة فرض الرقابة على المعاملات المالية بتركيا وفرض الوصاية على قواتها المسلحة، وأعلنت المضائق التركية بين بحر إيجة والبحر الأسود مفتوحة للجميع أي للملاحة الغربية بدون تدخل تركي.
ولكي نفهم كيف كبلت المعاهدة أيدي تركيا وسلبتها حقوقها يجب أن نسمع الرئيس أردوغان الذي ألقى خطابا في 29 سبتمبر 2016 هاجم خلاله معاهدة لوزان التي وقعتها تركيا مع الحلفاء عام 1923، وأفرزت ميلاد الجمهورية التركية الحديثة على أنقاض السلطنة العثمانية في خطابه قال أردوغان: «لقد حاولوا بيع لوزان لنا كانتصار سياسي لنا، وهو في الحقيقة انتصار لقوى الاستعمار وهزيمة وطنية لتركيا، حيث تخلينا عن جزر (بحر إيجة) القريبة منا لدرجة أنه يمكنك سماع صوتك عبرها جميعا إذا صرخت!. هل ذلك يعد نصرا؟ تلك الجزر كانت ملكنا وما تزال مساجدنا ومعالمنا وأضرحتنا هناك». ثم أضاف: «أولئك الذين جلسوا على طاولة المفاوضات في لوزان (يقصد الوفد الذي أرسله أتاتورك) لم يستطيعوا التوصل إلى أفضل اتفاق واليوم نحن نعاني من عواقب ذلك»، مختتما بتأكيده على أن معاهدة لوزان «ليست نصًا مقدسًا فنحن سوف نناقشها ونسعى للحصول على اتفاق أفضل والأهم حسب القانون الدولي لنا أن تنتهي بعد قرن أي عام 2023 وتستعيد بلادنا قوتها وعافيتها، فنحن عام 2020 مصنفون خامس قوة صناعية وتصديرية وسابع قوة عسكرية في العالم”.
فما هي معاهدة لوزان التي سوقها الغرب الاستعماري في شكل “اتفاق سلام” بينما هي إقرار الهيمنة على الشعب التركي وتكبيله بالأصفاد حيث تم توقيعه في مدينة لوزان السويسرية في الرابع والعشرين من شهر يوليو عام 1923 بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا من جانب وحكومة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا من جانب آخر أي مصطفى كمال أتاتورك، وقد تم توقيع المعاهدة في أعقاب حرب الاستقلال التركية ضد الحلفاء، وتم من خلالها ما سمي بـ”تسوية أوضاع الأناضول والقسم التركي الأوروبي من أراضي الدولة العثمانية”، اشتملت معاهدة لوزان على 143 مادة تم تقسيمها إلى عدة أقسام رئيسية منها المضائق التي تم تعديلها بعد ذلك من خلال معاهدة (مونترو) عام 1936 وإلغاء التعهدات بشكل تبادلي، وكذلك تبادل السكان بين اليونان وعن الاتفاقيات المشتركة بين الطرفين، كما نصت كذلك على حماية الأقليات المسيحية اليونانية الأرثوذكسية في تركيا، وكذلك حماية الأقليات المسلمة في اليونان، وقد ثار جدل كبير خلال السنوات الماضية حول الاتفاقية ونصوصها والموقف التركي منها، وطال الجدل حول عام 2023 الذي يتوافق مع ذكرى مرور مائة عام على توقيع الاتفاقية، وأمام أهمية المعاهدة في ذاتها وما ترتب عليها من نتائج جيوبوليتيكية وجيوإستراتيجية ليس فقط على الدول الأطراف الموقعة عليها ولكن على حوض المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط وأمام تصاعد الجدل المثار حولها من إقحام معلومات غير دقيقة بقصد وأحيانا بغير قصد أصبح نص بنودها مرتبطا أشد الارتباط بحقول الغاز المخزنة في أعماق شرق المتوسط والحقوق التركية في نصيبها الطبيعي والقانوني من هذا الغاز حسب الاتفاقات الدولية حول الجرف القاري منذ أن سعت الدول دائماً نحو فرض سيادتها على أكبر مسافة ممكنة من البحار الملاصقة لسواحلها. مما أفرز وجهات نظر متباينة ونزاعات دولية لا تحصى، فتوالت المعاهدات لتحديد ممارسة الحقوق الوطنية في حوض الأبيض المتوسط منذ أن عقدت روما وقرطاجة اتفاقية عام 509 قبل الميلاد. وتمَّ أيضاً تدوين قواعد الحرب البحرية وقمع القرصنة في تصريح باريس لعام 1856 واتفاقية جنيڤ لعام 1864 واتفاقيات لاهاي للأعوام 1899-1907م.. وعلى كل لم يبق زمن بعيد على موعد 2023، حيث سيخرج المارد من القمقم وهو ما تخشاه قوى الشر وصفقة الشر، وتتنادى إلى الإسراع بإسقاط أردوغان قبل موعده، ولكن الله متم نوره ولوكره الكافرون.
د.أحمد قديدي
صحيفة الشرق