سجل ملف الدين العام الأميركي أرقاماً مرعبة، إذ تطورت النسب بشكل عنيف منذ عام 2010 وحتى منتصف العام الحالي. وربما أسهمت الجائحة الصحية التي يمر بها العالم في الوقت الحالي، في أن تقفز وتيرة الديون العالمية وعلى رأسها الديون الأميركية بنسب مرعبة ومخيفة.
البيانات الرسمية تشير إلى أن تقديرات الدين العام الأميركي تتجه لتسجيل نحو 27 تريليون دولار خلال العام الحالي، وهو رقم ضخم يعادل نحو 10.46 في المئة من إجمالي الدين العالمي البالغ نحو 258 تريليون دولار، وفق أرقام وبيانات معهد التمويل الدولي. كما أنها تمثل نحو 37.24 في المئة من إجمالي ديون الأسواق الناشئة البالغة نحو 72.5 تريليون دولار.
تطور الدين في عهد ترمب
وفق حسابات وإحصاءات أعدتها “اندبندنت عربية”، فقد نما الدين العام الأميركي بنسبة 35.86 في المئة خلال الفترة بين عامي 2010 و2015، حيث تشير الأرقام المتاحة إلى أنها ارتفعت من 14.5 تريليون دولار خلال عام 2010 لتسجل نحو 19.7 تريليون دولار خلال 2015 بزيادة بلغت نحو 5.2 تريليون دولار. وكان إجمالي هذه الديون يمثل نحو 93.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.
وخلال الفترة من عام 2015 وحتى بداية عام 2017، صعدت الديون الأميركية من 19.7 تريليون دولار إلى نحو 19.9 تريليون دولار، بزيادة بلغت نحو 0.2 تريليون دولار، مسجلة زيادة نسبتها 1.01 في المئة. ويمثل إجمالي هذا الدين نحو 105 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في أميركا.
لكن خلال الفترة من عام 2017 وحتى العام الحالي، قفزت الديون بنسبة 35.67 في المئة، بعد ما زادت من 19.9 تريليون دولار إلى نحو 27 تريليون دولار، بزيادة تبلغ نحو 7.1 تريليون دولار، وهي الفترة التي تولى فيها الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئاسة البلاد. وخلال هذه فترة تراوحت نسبة الدين الأميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي بين 108 و109 في المئة.
وتشير هذه البيانات والأرقام إلى أن الدين العام الأميركي قفز خلال 10 سنوات بنسبة 86.2 في المئة، بعد ما صعد من 14.5 تريليون دولار خلال عام 2010 إلى نحو 27 تريليون دولار خلال العام الحالي، بزيادة بلغت نحو 12.5 تريليون دولار.
نصيب الفرد من الديون قفز 86 في المئة خلال 10 سنوات
على صعيد نصيب الأفراد الأميركيين من إجمالي الدين العام، فقد سجل خلال عام 2010 نحو 46.964 دولاراً، وذلك عند مستوى دين كان في حدود 14.5 تريليون دولار، في حين كان عدد السكان خلال العام نفسه نحو 308.745 مليون نسمة.
وارتفع هذا الرقم إلى نحو 61.562 دولاراً خلال عام 2015، وذلك بعد ما ارتفع إجمالي الديون إلى 19.7 تريليون دولار، كما صعد عدد السكان خلال العام إلى نحو 320 مليون نسمة.
وخلال عام 2017، بلغ نصيب الفرد من إجمالي الدين الأميركي نحو 60.826 دولاراً، حينما كان عدد السكان نحو 326.625 مليون نسمة.
وعاد هذا الرقم إلى الارتفاع مرة أخرى خلال عام 2020 ليسجل نصيب الفرد من إجمالي الدين العام الأميركي نحو 80.860 دولار، حيث بلغ عدد السكان خلال العام الحالي نحو 333.907 مليون نسمة.
وتشير هذه البيانات والأرقام المتاحة إلى أن نصيب المواطن الأميركي من إجمالي ديون بلاده ارتفع بنسبة 86.2 في المئة خلال 10 سنوات، وذلك بعد ما ارتفع من 44.964 دولار في عام 2010 إلى نحو 80.860 دولاراً عام 2020 بزيادة بلغت نحو 33.896 دولاراً.
لكن خلال عهد ترمب ارتفع نصيب الفرد من الديون العامة بنسبة 32.7 في المئة، بزيادة بنحو 19.934 دولاراً، وذلك بعد ما ارتفع من 60.926 دولاراً في بداية عام 2017 إلى نحو 80.860 دولاراً خلال العام الحالي.
عام 1917
تاريخياً، يشير المحلل الاقتصادي الدكتور محمد إبراهيم السقا، إلى أن الحرب العالمية الأولى تسببت في عجز كبير في الميزانية الأميركية، حيث بلغ نحو 23 مليار دولار خلال العامين الماليين 1917 و1919. غير أن الرواج الاقتصادي خلال عقد العشرينيات صاحبه تحقيق فوائض في الميزانية، وهو ما قلل من أثر هذا العجز على الدين العام، حتى حدثت كارثة الكساد العالمي الكبير، التي ما إن تعافت الولايات المتحدة منها، حتى بدأت طبول الحرب تدق مرة أخرى، واندلعت الحرب العالمية الثانية.
وتسبب الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية في تحقيق الولايات المتحدة عجزاً غير مسبوق، وهو ما أدى إلى رفع مستوى الدين العام من نحو 16 مليار دولار فقط عام 1930 إلى 271 ملياراً عام 1946، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 16 في المئة إلى نحو 122 في المئة.
وشهدت فترات الحرب الكورية وحرب فيتنام وكذلك الكساد خلال عامي 1975 و1976، ارتفاع نسبة العجز في الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي. غير أن نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي كانت أعلى من نسبة النمو في الدين العام، ولذلك تراجعت نسبة الدين العام إلى الناتج بصورة كبيرة حتى بلغت أدنى مستوياتها عبر التاريخ الأميركي الحديث، وذلك عام 1974، حيث بلغت 33.6 في المئة.
خلال عام 1982، خفضت الولايات المتحدة الضرائب بصورة كبيرة ودائمة، وهو ما أدى إلى تراجع الإيرادات العامة، بالتزامن مع زيادة كبيرة في الإنفاق على الدفاع، فتزايد عجز الميزانية خلال العقد التالي إلى نحو 200 مليار دولار سنوياً، ما جعل الدين العام الأميركي من الناحية المطلقة يأخذ منحى مختلفاً عما سبق، حيث تجاوز حاجز التريليون دولار للمرة الأولى عام 1981. وفي عام 1992، بلغ إجمالي الدين العام نحو 4 تريليونات دولار، ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 64 في المئة.
أحداث 11 سبتمبر
ومنذ عام 1992 شهدت المالية العامة للولايات المتحدة تطورات إيجابية مهمة، حيث أخذ العجز في الميزانية بالتراجع إلى درجة أنه في عام 1998 سجلت الميزانية أول فائض لها منذ عام 1970 تقريباً، استمر حتى عام 2001 الذي تراجعت فيه نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 56.4 في المئة.
ومع أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، تدهورت أوضاع الاقتصاد الأميركي، وعادت الميزانية لتحقق عجزاً مرة أخرى بلغ خلال عام 2002 نحو 158 مليار دولار. وفي نهاية عام 2007، غرق الاقتصاد الأميركي في حالة الكساد واندلعت الأزمة المالية العالمية.
وفي بداية عام 2009، ومع حزم التحفيز المالي الضخمة، أخذ العجز في الميزانية منحى لم يبلغه من قبل، حيث تعدى عام 2009 حاجز التريليون دولار للمرة الأولى في تاريخ البلاد، مسجلاً 1.413 تريليون دولار بنسبة عجز إلى الناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى نحو 10 في المئة.
وفي عام 2010، بلغ عجز الميزانية 1.294 تريليون دولار. ونتيجة لتلك التطورات قفز الدين العام الأميركي إلى مستويات غاية في الخطورة. ففي عام 2008، بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 70 في المئة، ثم قفزت إلى 93.2 في المئة خلال عام 2010.
وقبل أيام، كشفت وزارة الخزانة الأميركية أن عجز الميزانية بلغ 3.132 تريليون دولار خلال السنة المالية 2020، أي ما يتجاوز ثلاثة أضعاف عجز 2019 بسبب الإنفاق الهائل على الإعانات المرتبطة بأزمة تفشي فيروس كورونا. وذكرت أن العجز بلغ أكثر من ضعف الرقم القياسي السابق، والبالغ 1.416 تريليون دولار، في السنة المالية 2009، عندما كانت الولايات المتحدة في مواجهة أزمة مالية صعبة.
خالد المنشاوي
اندبندت عربي