لم يخف العراقيون توجسا من أن يمنح فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية دفعا جديدا للميليشيات الموالية لإيران في بلادهم، حيث تسابقت قياداتها للتعبير عن انتشائها بهذا التغيير.
ويجد العراق نفسه منذ سنوات عالقاً في صراع نفوذ بين حليفيه الأساسيين، طهران وواشنطن، وهو صراع ازداد تعقيداً خصوصاً مع اعتماد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب سياسة “الضغوط القصوى” إزاء إيران منذ عام 2018.
ويقول محمد محي، المتحدث باسم كتائب حزب الله، أبرز فصيل موالي لإيران في العراق، “فترة ترامب فترة تهديم وفترة سلبية سببت مشاكل وأزمات”.
ورحبّت التيارات الموالية لإيران في العراق بفوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ما عزز مخاوف مسؤولين ونشطاء من إمكانية أن يؤدي تفاهم أميركي إيراني محتمل إلى تعزيز نفوذ تلك الميليشيات في البلاد.
ويضيف محي “بالنسبة لنا كعراقيين، أهم هدف نريد التوصل إليه…هو خروج القوات الأميركية من العراق وأن تلتزم (واشنطن) بالأطر الدبلوماسية السليمة بالتعامل مع العراق كدولة”.
وندد محي بترامب على خلفية “الجريمة الكبرى” المتمثلة بقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس الذي كان له دور أساسي بتأسيس كتائب حزب الله، في ضربة بطائرة مسيرة في بغداد في يناير الماضي.
ورداً على ذلك، صوّت البرلمان العراقي مطلع العام لصالح قرار يطالب بخروج القوات الأجنبية من العراق. وردت واشنطن بالتهديد بعقوبات مشددة على العراق، وحتى بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد.
ويقول نصر الشمري نائب الأمين العام لحركة النجباء الموالية لإيران “لا نتوقع أن تتغير السياسة الأميركية مع تغيير رئيس الجمهورية، لكن ربما يؤدي اختيار شخصية أخرى تتمتع بأسلوب بالتعامل، إلى فتح مجالات للتعاون بين الدول”.
ويشدد الشمري على أن “المقاومة تعتمد على استعدادها وقوتها وصبرها في تنفيذ قرار جميع العراقيين القاضي بإخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية بما فيها القوات الأميركية”.
ويتفق السياسي السني خميس خنجر الذي تحالف مع إيران في انتخابات عام 2018 التشريعية، مع هذا الرأي، فقد رأى في تغريدة أن “فوز بايدن فرصة جديدة للعالم من أجل صفحة أخرى للاستقرار والحوار”.
لكن بالنسبة للمدوّن العراقي يوسف الذي فضل عدم الكشف عن اسمه كاملا، هذه الآراء مثيرة للشكوك. وقال “هؤلاء السياسيين الذين نعتوا الولايات المتحدة بـ”الشيطان” ورفعوا شعار “الموت لأميركا”، هنأوا بايدن على فوزه في الرئاسة، كم لو أنهم يهنئون صديقاً قديماً”.وتراجعت العلاقات العراقية الأميركية إلى مستويات متدنية خلال عهد رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي الذي كانت تعتبره واشنطن مقرباً جداً من إيران. وانتعشت قليلاً مع وصول مصطفى الكاظمي إلى السلطة في مايو، ولقائه ترامب ومسؤولين أميركيين في واشنطن في أغسطس.
والتقى الكاظمي خلال تلك الزيارة أيضاً رئيسة مجلس النواب الأميركي الديمقراطية نانسي بيلوسي، في محاولة “لفتح الباب” أمام حزبها في حال فوز بايدن، وفق ما قال مستشاروه.
ويضع الكاظمي على راس أولوياته تخفيف القبضة الإيرانية على بلاده عبر لجم ميليشياتها، وإعادة التوازن للسياسة الخارجية العراقية، وهو يلقى في ذلك دعما من إدارة ترامب، بيد أن تغير الإدارة الأميركية قد يؤثر على خططه.
ولا تزال التفاصيل حول إستراتيجية بايدن الخارجية غامضة، لكن سبق أن تعامل الرئيس المنتخب مع الأحداث العراقية. فقد أعطى في عام 2003 صوته لصالح غزو العراق الذي أدى إلى إسقاط الراحل صدام حسين، وكان بين أبرز الشخصيات الديمقراطية المؤيدة لذلك.
وفي عام 2006، شارك بكتابة مقال يدعو إلى تقسيم العراق إلى “ثلاث مناطق ذات حكم ذاتي واسع” تتوزع عليها المكونات المذهبية والاتنية الأبرز، أي الشيعة والسنة والأكراد.
ولبايدن علاقات شخصية مع بعض المسؤولين الحاليين، لا سيما الرئيس برهم صالح الذي وصف السبت بايدن بـ”الصديق والشريك الموثوق به”. وهنأ الكاظمي بدوره الرئيس الجديد.
إلا أن بعض المسؤولين العراقيين أعربوا عن خشيتهم من أن تكون فترة رئاسة بايدن سبباً لـ”تشجيع” الفصائل الموالية لإيران في البلاد وزيادة نفوذها. ويخشى البعض أن عودته إلى الاتفاق النووي الذي أبرم خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما حين كان بايدن نائباً للرئيس. إذ يعتبرون أن تلك المرحلة سمحت لإيران ببسط نفوذها بشكل أوسع في المنطقة.
ويقول النائب ظافر العاني الذي يشغل منصب نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان “لا نريد لسياسة أوباما أن تعود من جديد إلى بلادنا عندما شجع دولا أخرى على التدخل في شأننا الداخلي وسمح لقوى الإرهاب والميليشيات بالنمو تحت نظره”.
وفتحت القنوات التلفزيونية العراقية الهواء لأيام لتغطية السباق الرئاسي الأميركي. لكن في الشارع، جاءت ردود الأفعال متحفظة.
وفي ساحة التحرير التي كانت مركزاً للتظاهرات المناهضة للحكومة قبل عام، كان طلاّب وناشطون يستعدون للمشاركة في تظاهرة احتجاجية على الأداء الحكومي مخطط لها مسبقاً، ولم يكترثوا كثيراً بفوز بايدن.
وقال أبوسعد البالغ من العمر 74 عاماً “أنا كعراقي أفضل بقاء ترامب في الحكم”، لكن “بالنسبة للعراقيين والمطلعين على الشأن السياسي الأميركي، لا يرون أن تغيير الرؤساء سيؤدي إلى تغيير في السياسة الأميركية”.
وأعربت المتظاهرة زينب (43 عاماً) عن “تمنيها بأن يساعد (الرئيس الجديد) العراق الذي يمر الآن بأزمة اقتصادية وسياسية وهو مقبل على انتخابات” في يونيو 2021.
وأمام بايدن شهران لأداء اليمين رئيساً للولايات المتحدة، ولذلك، يرى العراقيون أنه لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يقوم به ترامب خلال هذه المدة.
وتوقع مسؤولان عراقيان أن تصدر الإدارة المنتهية ولايتها “قائمة عقوبات” ضد المصالح الإيرانية في العراق، وقال أحدهما إن ترامب “سيصعّد الموقف”، مضيفاً “أشك في أن يكون هناك أي عمل عسكري، لكن إن حصل، لن يفاجئنا ذلك”.
العرب