إيران تتنافس على المزيد من النفوذ في العراق بسعر زهيد

إيران تتنافس على المزيد من النفوذ في العراق بسعر زهيد

في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، قام وفدٌ دفاعي عراقي كبير بزيارة لطهران استمرت أربعة أيام وكان هدفها متابعة التبادلات السابقة مع المسؤولين الإيرانيين. وترأس الوفد وزير الدفاع السني جمعة سعدون الجبوري وضمّ قيادات من كافة الفروع العسكرية العراقية. ووفقاً للجبوري، كان الهدف الرئيسي من الزيارة هو “تعميق” التعاون العسكري والأمني بين البلدين. وبعد ثلاثة أيام، أفادت بعض التقارير أن قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني العميد اسماعيل قاآني قام بزيارة سرية إلى بغداد.

وأكثر ما يلفت النظر في هاتين الزيارتين المتبادلتين هو أنها جاءت بعد انتهاء الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على صفقات السلاح مع إيران في تشرين الأول/أكتوبر. واليوم أصبحت طهران تتمتع بحرية تسويق أسلحتها وبيعها في الخارج، وقد أبدى العديد من الزبائن المحتملين اهتمامهم بها بالفعل – ليس العراق فقط، ولكن أيضاً سوريا وفنزويلا وجهات فاعلة أخرى. ويقيناً أن جميع هذه الحكومات ترضخ لقيود مالية، ومن المرجح أن تستمر الولايات المتحدة في تعطيل مثل هذه الصفقات من خلال العقوبات الثانوية الحالية، ومعظمها يستند إلى قرارات مجلس الأمن المعتمدة بين عامي 2006 و 2015. ومع ذلك، يجب عدم التغاضي عن خطر انتهاء المطاف بالصواريخ والطائرات بدون طيار ومنظومات الدفاع الجوي وغيرها من المعدات الإيرانية في العراق.

جدول أعمال واسع للزيارة إلى العراق

تلقّى وفد الجبوري جولة شاملة عن المعدات العسكرية المصنوعة في إيران، بما فيها الطائرات المسلحة بدون طيار وأنظمة الصواريخ بعيدة المدى. وخلال الاجتماعات، أعرب وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي عن استعداد النظام لتعزيز القدرات الدفاعية لبغداد، مطالباً في الوقت نفسه بالانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من العراق. وبالمثل، أكّد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري حرص إيران على تعميق العلاقات العسكرية الثنائية، و”تلبية متطلبات القوات المسلحة العراقية” و”المشاركة في إعادة إعمار العراق”.

وأشار باقري أيضاً إلى أن البلدين يضعان اللمسات الأخيرة على اتفاقيتين جديدتين في مجالَي الدفاع والأمن. ويمكن أن تضفي هاتين الاتفاقيتين استمرارية أكبر على نوبات التعاون العسكري المكثف الذي كان يُقام بصورة دورية على مدى السنوات القليلة الماضية، كما يتضح من القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (2014-2017)، والعلاقات الوثيقة التي لا تزال تربط طهران بالميليشيات الكبرى في «قوات الحشد الشعبي» العراقية.

بالإضافة إلى ذلك، انطوت الزيارة على تبعات بحرية. ففي 15 تشرين الثاني/نوفمبر، اجتمع قائد البحرية العراقية اللواء الركن أحمد جاسم المعارج مع نظيره في بحرية «الحرس الثوري» الإيراني العميد علي رضا تنكسيري، وأفادت بعض التقارير أن مناقشاتهما ركزت على التدريب ومناورات البحث والإنقاذ المشتركة والتنسيق العملياتي. وإحدى نتائج لقاءاتهما هي أن العراق قد يبدأ بإرسال بعض طلابه العسكريين إلى الأكاديميتين البحريتين الرئيسيتين في إيران.

وتحاول طهران أيضاً جذب اهتمام العراق بطائراتها وأنظمة دفاعها الجوي. وشمل الوفد العراقي قائد القوات الجوية اللواء شهاب جاهد علي شكرجي وقائد الدفاع الجوي اللواء الركن زيد إبراهيم علوان اللذان اجتمعا بمسؤولين من «الحرس الثوري» الإيراني والقوات المسلحة الوطنية الإيرانية (“أرتش”). وتضمنت المناقشات التعاون المحتمل في مجالات التدريب، والتصليح، والإصلاح بالإضافة إلى شراء العتاد.

وفيما يتعلق بالطائرات، عرض المسؤولون الإيرانيون الإنتاج المشترك لطائرات هليكوبتر (طوافات) من أنواع غير محددة. غير أن هذا العرض مشكوك فيه لأن إيران بالكاد تنتج أي طوافات بمفردها (مع استثناء جزئي يتمثل بالطوافة الصغيرة “شاهد” التابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني – التي يستند تصميمها على طائرة الهليكوبتر الأمريكية “جيت رينجر” ـ التي تعمل على محركات “أليسون” الأمريكية المهربة). ومع ذلك، بوسع طهران عرض خدمات التصليح على بغداد – فقد قام “مصنع أولان أودي للطيران” بإعطاء الشركات الإيرانية التراخيص اللازمة لتصليح وتجديد طائرات الهليكوبتر من طراز “ميل مي-17/171” – التي يوجد عدد كبير منها في الخدمة في العراق (على الرغم من أن تقديم إيران الدعم لطائرات الهليكوبتر الأمريكية من طراز “بيل” التي يملكها العراق أمر غير وارد نظراً للعقوبات الأمريكية وافتقار طهران إلى التراخيص المناسبة). أما فيما يتعلق بالطائرات ثابتة الجناحين، فقد تُقدّم طهران خدمات الصيانة لطائرات الهجوم الأرضي من طراز “سو-25″، التي أعادتها إلى بغداد عام 2014، بعد سنوات من بحثها عن ملاذ داخل إيران خلال “حرب الخليج” عام 1991.

والمجال الآخر الذي حظي باهتمام عراقي ملحوظ هو المركبات الجوية غير المأهولة، وخصوصاً الطائرات الإيرانية بدون طيار من نوع “شاهد -129” التي تم استخدامها على نطاق واسع في الحرب السورية، بالإضافة إلى طائرات متفرعة عن الطائرة الأمريكية “آر كيو-170” التي استولت عليها القوات الإيرانية في عام 2011. وعلى الرغم من شراء العراق العديد من الطائرات المسلحة بدون طيار الصينية الصنع من طراز “CH-4” في عام 2015، إلا أن إمكانية خدمتها كانت ضعيفة للغاية.

احتمالات أكبر للتعاون في مجال الدفاع الجوي

عندما زار اللواء الركن علوان المنشآت التابعة لـ “قوات الدفاع الجوي للجمهورية الإسلامية الإيرانية” في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، تمت إحاطته بالمعلومات عن أحدث أنظمة النظام وأكثرها قدرة. وتضمنت هذه الأنظمة، إلى جانب نظم القيادة والتحكم الرقمية، نظام “باور-373” (المنافس الإيراني لمنظومات الدفاع الجوي بعيدة المدى الروسية من طراز “أس – 400” والأمريكية من طراز “باتريوت”) و”خرداد-15″ (نظام متوسط ​​إلى طويل المدى دخل مؤخراً الخدمة التنفيذية). ويسعى العراق للحصول على إمكانيات مماثلة، وسبق أن أبدى اهتمامه بالحصول على صواريخ “باتريوت” و”أس – 400″.

وبالإضافة إلى توفير الأنظمة المذكورة أعلاه في عدة مناسبات، طلبت طهران من العراق دمج البنية التحتية لشبكة الدفاع الجوي العراقية مع البنية التحتية الإيرانية من ناحية المعدات والبرمجيات – وهي خطوة أولى نحو تأسيس ما تصفه بـ “بنية دفاع إقليمية”. كما عرضت إيران أيضاً تقديم المساعدة الفنية اللازمة لصيانة وتعديل شبكة المراقبة والاستهداف الحالية في العراق. وفي حين أن رد بغداد كان حذراً حتى الآن، إلّا أنه يمكن توقع مستوى معين من التعاون في مجال الدفاع الجوي بين البلدين في ظل عدم وجود عقوبات ذات صلة في المستقبل القريب.

وسابقاً، باعت إيران كميات كبيرة من المعدات للقوات العسكرية والميليشيات العراقية. وفي المرحلة القادمة، قد تؤدي ديون بغداد لإيران إلى تعقيد – أو للمفارقة، تسريع – صفقات الشراء العسكرية المستقبلية. فالتقديرات المختلفة تشير إلى أن العراق مدين حالياً لطهران ما يتراوح بين مليارين وخمسة مليارات دولار لقاء إمدادات الغاز الطبيعي والكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، قد تطالب الجمهورية الإسلامية في النهاية بتعويضات عن الحرب الإيرانية العراقية التي تعتقد أنها مستحقة لصالحها بناءً على رسالة وجّهها الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي عام 1991 أعلن فيها أن بغداد هي الطرف المعتدي في ذلك الصراع. وإذا هددت طهران باستحقاق تلك الفواتير، فقد تحاول أن “تلوي ذراع” جارتها لشراء أنظمة أو خدمات عسكرية جديدة. وحتى إن لم تكن بغداد قادرة على دفع ثمنها على المدى القريب، فمن المرجح أن تكتفي طهران بتعزيز نفوذها في الوقت الحالي.

وباختصار، تعمل إيران والعراق على تعزيز علاقاتهما الأمنية بعد فترة طويلة من التعاون غير الرسمي الذي نشأ بدافع حربهما المشتركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». ويتمثل الهدف النهائي لطهران في استبدال الوجود الأمريكي في العراق – إما بعد أن تكمل واشنطن انسحابها الطوعي أو ربما حتى من خلال الترحيل القسري باستخدام الميليشيات الوكيلة. ومن جانبها، تتجنب بغداد المواجهة مع طهران، وتبدو حالياً أكثر اهتماماً بضمان الدعم الإيراني للاستخبارات والتدريب من اهتمامها بشراء كميات كبيرة من العتاد العسكري الإيراني. ومع ذلك، يجب عدم صرف النظر عن إمكانية إبرام صفقات ثنائية لبيع وشراء الأسلحة. ويشمل ذلك إمكانية النقل والتنسيق المحتمل لأنظمة الدفاع الجوي وقدراتها، والتي قد يتم تصويرها على أنها محاولة لتعزيز الأمن الإقليمي ولكنها تخدم المصالح الإيرانية فعلياً.

الخاتمة

من الواضح أن طهران تتوقع تنامي علاقتها العسكرية مع العراق لتبلغ “مستويات استراتيجية” في المستقبل، إلّا أن ذلك سيعتمد إلى حد كبير على ما إذا كانت بغداد قادرة على حشد الأموال الكافية والإرادة السياسية لدعم مثل هذا الهدف. ورداً على ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن توضح للمسؤولين العراقيين أن تعميق التعاون العسكري مع إيران قد يضرّ بالمصالح الأمريكية، وعلى وجه الخصوص، فإن أي خطوات تهدد الاستقرار الإقليمي – مثل نقل صواريخ أرض-أرض أو أرض-جو بعيدة المدى، أو التكامل/التنسيق الوثيق لشبكات الدفاع الجوي – ستكون غير مقبولة.

وفي النهاية، قد ينتج القليل عن اجتماعات الشهر الماضي. إذ تتوفر أمام بغداد مجموعة واسعة من الخيارات والبائعين لمشترياتها الدفاعية، علماً بأن شراء الأسلحة أو الخدمات من إيران سيشكل خطوة سلبية فيما يتعلق بالعلاقات العامة من جانب الحكومة العراقية الحالية. ومع ذلك، فإن تنوع اختصاصات وأقدمية المسؤولين المشاركين في الزيارة – ناهيك عن توقيتها، بعد فترة وجيزة من انتهاء حظر الأسلحة المفروض من قبل الأمم المتحدة وانتخاب رئيس أمريكي وَعَدَ بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني – يثيران الشكوك حول اهتمام العراق حقاً بتوسيع العلاقات العسكرية الثنائية، لا سيما إذا كانت طهران تعرض عليه تخفيضات أو محفزات أخرى. وبالتالي، قد يؤدي أي تخفيف للعقوبات الأمريكية إلى تسريع لعبة النفوذ الإيرانية، ليس في العراق فحسب، بل على الجبهات الإقليمية الأخرى أيضاً.

فرزين نديمي

معهد واشنطن