باسم الشعب، صادق البرلمان الايراني على قانون “استراتيجية الغاء العقوبات” وأرسل القانون الى الحكومة برئاسة حسن روحاني للتنفيذ خلال المدة الزمنية الدستورية التي لا تتعدى 20 يوماً، وفي حال استنكف أو تمنّع الرئيس بصفته رأس السلطة التنفيذية عن ابلاغ القانون، فإن للبرلمان ولرئيسه سلطة إبلاغ القانون الى الجهات المختصة لتنفيذه من دون موافقة الحكومة.
هذا البرلمان “الثوري” كما يصفه النظام، والذي تحقق لأول مرة في تاريخ الثورة ولبى رؤية المرشد الاعلى على اساس اللون السياسي الواحد بتمثيله التيار المحافظ المتشدد، الامر الذي لم يحصل في البرلمان الاول للثورة في ظل قيادة المؤسس آية الله الخميني، لكنه حمل صفة “الثورية” نفسها قبل اربعة عقود بتمثيله جميع القوى والشرائح الاجتماعية من اقصى اليسار العلماني والشيوعي الى اقصى اليمين الديني المتطرف وما بينهما من قوى وطنية وقومية وليبرالية وحتى جماعات تؤمن بالعنف الثوري المسلح.
ما بين البرلمان الثوري الاول الذي جاء بإرادة ومشاركة شعبية واسعة، سمحت له بان يكون ممثلاً حقيقياً لإرادة وطنية وجماهيرية واسعة، والبرلمان الثوري في دورته الـ 11 بعد الثورة الذي جاء بأدنى نسبة مشاركة شعبية اقتصرت على بعض شرائح المجتمع الإيراني لم تتجاوز في العاصمة طهران مستوى 20 في المئة من الذين يملكون حق التصويت، إلا أن كلا البرلمانين او المجلسين، على غرار كل المجالس، بدأت كل القوانين التي اصدراها بعبارة “باسم الشعب”.
قبل اربعة عقود، كانت إيران في ظل النظام الاسلامي الجديد تتمتع بوفرة مالية تتضافر مع عدد سكان لا يتعدى 30 مليون نسمة إلا قليلاً، ووعود بتغيير واسع في آليات ادارة البلاد الاقتصادية والاجتماعية والمالية تعيد توزيع الثروة ومحاربة الفساد، الامر الذي سمح لرئيس الجمهورية في تلك لمرحلة استقرار الدولة والذي وصل الى موقعه بدعم من هذا البرلمان الذي قام بخطوة إسقاط الرئيس الاول ابو الحسن بني صدر وملأ الفراغ الحاصل بعد اغتيال الرئيس الثاني محمد علي رجائي بأن يعرض على احد حلفاء الثورة ان يأخذ ما يريد من اموال بالعملة الصعبة المرمية في إحدى زوايا الغرفة التي يجلسان فيها داخل أحد المراكز الذي تحوّل الى ثكنة عسكرية لقوات حرس الثورة “لأن هناك الكثير منها بما يكفي تلبية حاجة الشعب الإيراني ومساعدة الآخرين من خارج إيران”.
التراكمات السياسية والادارية والاقتصادية التي حصلت على مدى هذه العقود، وما رافقها من حصار دولي وعقوبات اقتصادية نتيجة السلوك الذي اعتمده النظام في التعامل مع الخارج والمجتمع الدولي إضافة الى توجهات الحكم في الداخل، وضعت إيران وشعبها على حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي يجد ترجماته ايضاً على المستوى السياسي، ولعل السنوات الاخيرة تعتبر من أشد السنوات التي مرت على الشعب الإيراني جراء تصاعد حدة التوتر بين النظام والادارة الأميركية على خلفية الملفات العالقة بينهما من النووي الى الصاروخي الى النفوذ الاقليمي، بعد أن قام الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب بسد نافذة الامل التي فتحها الاتفاق النووي الموقع بين حكومة روحاني وادارة الرئيس الاسبق باراك اوباما.
ولعل الخطوة التي قام بها البرلمان الإيراني “الولائي والثوري” في المصادقة على قانون “استراتيجية رفع العقوبات” قد يشكل الخطوة الإيرانية المكملة للمسار والخيار الذي تبناه ترمب في الدفع بالاقتصاد الإيراني الى حافة الهاوية ويضع المنظومة السياسية في دائرة الخطر الحقيقي في حال حصول أي انفجار اجتماعي على خلفية الازمة الاقتصادية وسوء الإدارة، ومن اجل مصالح حزبية ضيقة تهدف الى تكريس الهيمنة على السلطة ومراكز القرار في الدولة ومؤسساتها لم يتردد المعسكر المحافظ في بذل كل الجهود لوضع العراقيل امام طموحات حكومة روحاني لاستثمار مفاعيل الاتفاق النووي مع مجموعة “5+1” وإخراج البلاد من ازماتها السياسية والاقتصادية،
وعلى الرغم من المخاطر التي تكتنف خطوة البرلمان وإمكانية حصول اجماع دولي باتهامها بنقض الاتفاق النووي والخروج منه وما يعنيه ذلك من إمكانية إعادة هذا الملف الى مجلس الامن الدولي وتعطيل مفاعيل القرار رقم 2231، فإن البرلمان أصدر هذا القانون تحت شعار” باسم الشعب” من دون الأخذ بالاعتبار أن حجمه التمثيلي لا يتعدى 20 في المئة من هذا الشعب، في مقابل حقيقة أن الاصوات التي حصل عليها روحاني في الانتخابات الرئاسية لم تكن نتيجة اقتناع الجمهور الانتخابي بشخصية روحاني الآتي من مؤسسات النظام الاكثر أمنية وحساسية، بل كان الاقتراع له تعبير عن رغبة شعبية للخروج من حالة التوتر التي يعيشها منذ اربعة عقود، وبارقة أمل بإمكانية الانفتاح على العالم وتحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تؤسس لمرحلة أكثر انفتاحاً للاهتمام بالمطالب المعلقة حول الحريات والديمقراطية وغيرها من المسائل التي تمس العلاقة بين الشعب والنظام واليات الحكم والسيطرة والسلطة.
قد يكون الهدف الذي تسعى له الادارة العميقة للنظام الإيراني من اللجوء الى اعتماد سياسة التصعيد في الملف النووي والسير على حد الخروج من الاتفاق النووي ومقصلة عودة العقوبات عبر مجلس الامن الدولي، هو استغلال الاجواء الناتجة عن عملية الاغتيال التي تعرض لها ابو البرنامج النووي محسن فخري زاده من أجل تحسين الشروط التفاوضية مع الادارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن. إلا أن هذا الخيار أطلق رصاصة الرحمة على ما تبقى لروحاني من حيثية سياسية ودولية في الاشهر الثمانية المتبقية لرئاسته، التي اظهرته وكأنه “الزوج المخدوع” خصوصاً بعد البيان الصادر عن الامانة العامة للمجلس الاعلى للأمن القومي الذي يتولى رئاسته بصفته رئيساً للجمهورية، وما كشف فيه عن وجود تنسيق بين هذه الأمانة ورئاسة البرلمان حول مشروع القانون الجديد من دون علم روحاني بصفته رئيس الجمهورية والمجلس الاعلى للأمن القومي، والتي تعتبر رسالة واضحة من مراكز القرار في النظام بانه اصبح وفريقه خارج منظومة اتخاذ القرار او الاطلاع على القرار الاستراتيجية التي من المفترض ان تكون مهمة التنفيذ في عهدة إدارته وفريقه.
حسن فحص
اندبندت عربي