التحدي الذي يواجه إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن هو إقناع روسيا وإيران بقبول التسويات التي من شأنها أن تضع حداً لإراقة الدماء في سوريا و”تضع مخلوقهما الأسد تحت السيطرة”.
إدارة ترمب فشلت
في لقاء مطول لموقع “تايمز أوف اسرائيل” مع المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري، كشف فيه عن الكثير من المعلومات وخبايا ما يحصل هناك – كان مبعوثاً إلى ألبانيا وتركيا في عهد جورج دبليو بوش وكبير الدبلوماسيين في العراق في عهد باراك أوباما، يقول إنه كان لدى الرئيسين أجندات سياسية خارجية مختلفة اختلافاً جذرياً، خصوصاً في ما يتعلق بالشرق الأوسط، حيث أنهى أوباما حرب العراق التي شنّها بوش، لكن جيفري، الموظف في السلك الدبلوماسي الذي يتمتع بخبرة تزيد على ثلاثة عقود، كان “يثق بالاثنين معاً” ويقول إنه “خدم بسعادة الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين”.
ترمب “غير مؤهل ليكون قائداً أعلى للقوات المسلحة”
قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016، كان الدبلوماسي المخضرم قد وقع إلى جانب العشرات من مسؤولي الأمن القومي الآخرين الذين خدموا في ظل الإدارات الجمهورية على خطاب يحذّر من أن الرئيس دونالد ترمب قد يعرّض الأمن القومي للخطر وأنه “غير مؤهل ليكون رئيساً وقائداً أعلى للقوات المسلحة”، ولكن بعدما خدم تحت قيادته، قال، “سياسات الرئيس جعلت المنطقة أكثر أماناً”. وفي أغسطس (آب) 2018، تواصل وزير الخارجية مايك بومبيو مع جيفري، طالباً منه العمل كممثل خاص للانخراط في سوريا. هذا الاتصال دفع الديبلوماسي البارع، إلى ترك التقاعد والقبول بشغل المنصب، ثم حصل لاحقاً على لقب المبعوث الخاص للتحالف العالمي لهزيمة “داعش”.
بعد فترة وجيزة من الانتخابات الرئاسية التي أجريت الشهر الماضي، استقال الرجل البالغ من العمر 74 سنة من تلك المناصب، وحل مكانه نائبه جويل ريبون، ولكن اختلفت وجهة نظره بسياسات الرئيس المنتهية ولايته، إذ إنه الآن يثني عليها، وعندما سُئل عما إذا كان قد فوجئ بأداء ترمب كرئيس، بالنظر إلى الرسالة التي وقّعها قبل انتخابات 2016 والثناء الذي يمنحه الآن لسياسات الإدارة، تهرّب من الإجابة.
إدارة ترمب لم تكن قادرة على تحقيق أهدافها الثلاثة في سوريا
حرص المبعوث السوري السابق على عدم منح الكثير من الفضل لترمب، وبدلاً من ذلك امتدح بومبيو لعدد من سياسات الإدارة في الشرق الأوسط، وقال إن واشنطن لم تكن قادرة على تحقيق أهدافها الثلاثة المتمثلة في الانسحاب الكامل للقوات الإيرانية من سوريا والهزيمة الكاملة لـ”داعش” وحل سياسي في البلاد، لكن الولايات المتحدة تمكنت من تأمين “مأزق عسكري”، في البلد الذي حرم رئيس النظام السوري بشار الأسد من تحقيق المكاسب.
وتابع، “لقد سررت كثيراً بالعمل مع مايك بومبيو. أعتقد أنه وزير خارجية لامع، كان لديه إيمان وثقة بالرئيس. لذلك كان يمكنه التحدث مع ترمب عن أمور وإقناعه بها”. وحدد جيفري أن هذه الثقة كانت “ضرورية بالتأكيد” لإقناع الرئيس بالتراجع عن قراراته الأولية بسحب القوات الأميركية بالكامل من سوريا، و”بدا مرات عدة أننا نسحب قواتنا، كان من الممكن أن يكون ذلك خطأ فادحاً. لكن في الحالات الثلاث، تراجع الرئيس ترمب عن موقفه بشكل صحيح، وقرر إبقاء القوات على الأرض”. وكان ترمب قد أعلن العام الماضي فجأة أن حوالى 1000 جندي أميركي كانوا يغادرون شمال شرقي سوريا، حيث حافظوا على سلام غير مستقر بين تركيا والمقاتلين الأكراد المتجاورين، وفقدوا الآلاف أثناء قيادتهم للعملية المدعومة من الغرب التي سحقت تنظيم “داعش”.
وكان الإعلان عن الانسحاب قد أثار موجة من الانتقادات في الداخل والخارج، وذهب الرئيس ليقول لاحقاً إن عدداً صغيراً من القوات سيبقى في جنوب سوريا لحماية النفط هناك، في وقت أعرب مسؤولون إسرائيليون عن قلقهم من أن يؤدي الانسحاب الأميركي إلى فراغ في القوة في المنطقة، ما يسمح لإيران بتوسيع ترسّخها العسكري بالقرب من الحدود الإسرائيلية، علماً أن الرئيس ترمب صرح في أكثر من مناسبة أن قوات بلاده موجودة في سوريا من أجل حماية آبار النفط فقط.
إخفاء معلومات بشأن عدد القوات الأميركية في سوريا
وكان جيمس جيفري قد أثار موجات من التعليقات الشهر الماضي عندما قال لموقع “Defense One” الإخباري إنه وآخرين في الإدارة داعمون للوجود الأميركي في سوريا، وإنهم كانوا غامضين عن عمد في الاتصالات مع كبار مسؤولي ترمب في ما يتعلق بعدد القوات الأميركية في المنطقة. وصرّح، “كنّا نمارس ألاعيب حتى لا نوضح لقيادتنا عدد القوات التي كانت لدينا هناك”، مضيفاً أن العدد المتبقي في سوريا كان “أكثر بكثير” من 200 جندي.
حزين لمغادرة ترمب
وعلى الرغم من التحفظات الواضحة على “حدس” ترمب في ما يتعلق بسوريا، كان جيفري مصرّاً على أن الرئيس يقود سياسة قوية في المنطقة بشكل عام. وشرح، “أنظر في محيط الشرق الأوسط بين أصدقاء وشركاء أميركا في أنقرة والقاهرة والقدس والرياض وأبو ظبي والدوحة ومدينة الكويت وعمان، أخبرني عن أي شخص سعيد برحيل إدارة ترمب”، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن الرئيس ربما لم يفُز بغالبية الأميركيين، إلا أنه اكتسب احترام حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومؤكداً أن “جميع دول خط المواجهة في جميع أنحاء العالم كانت سعيدة بما فعله ترمب بالفعل”. ومضى في رفضه القاطع للانتقاد الديمقراطي المشترك بأن ترمب “دمر” التحالفات التقليدية، قائلاً، “ما فعله هو تدمير النخبة الفكرية والسياسية في أجزاء من أوروبا الغربية التي كانت مساهمتها الرئيسة في الأمن العالمي في العقدين الماضيين تتمثل في منح باراك أوباما جائزة نوبل للسلام 2009، قبل أن يفعل أي شيء. تعرف لماذا؟ لأنه بدا مثلهم”.
الأوضاع السورية “الانتصار المأزق”
ويترك جيفري منصبه مع اقتراب الحرب الأهلية السورية من عامها العاشر، وعدد القتلى تجاوز مئات الآلاف ولم يقترب الأسد حتى من التنازل عن السلطة. وقال “لكن ما فعلناه هو وقف تقدّم الأسد عسكرياً، هناك مأزق عسكري أساسي”، مشيراً إلى أن القوات الأميركية وقوات التحالف في البلاد لا يقاتلون تنظيم “داعش” فقط، بل يحرمون رئيس النظام من الأرض، فالقوات التركية تفعل الأمر ذاته في شمال البلاد، بينما “سلاح الجو الإسرائيلي يسيطر على الأجواء”، نظراً إلى أن تل أبيب نفّذت في السنوات الأخيرة مئات الضربات الجوية ضد ما تصفه بـ”أهداف إيرانية”.
ولفت جيفري إلى التحالف الواسع ودعم المنظمات الدولية في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي فرضت عقوبات “سحقت الأسد اقتصادياً”، إلى جانب تعاون أعضاء جامعة الدول العربية الذين وافقوا على الحفاظ على العزلة الدبلوماسية للحكومة السورية، قائلاً “ما يعني بشكل أساسي، أن روسيا وإيران ورثتا دولة فاشلة بالكامل وفي مستنقع، إذا كانوا يريدون الخروج منه، فسيتعيّن عليهم التفاوض بجدية وقبول الحلول الوسط”.
ورأى المبعوث الأميركي السابق أن التحدي الذي يواجه إدارة بايدن هو إقناع روسيا وإيران بقبول التسويات التي من شأنها أن تضع حدّاً لإراقة الدماء في سوريا و”تضع مخلوقهما الأسد تحت السيطرة” وسط “تردد متزايد” من البلدين للقيام بذلك، مدافعاً عن سياسة إدارة ترمب في مقاطعة رئيس النظام، وقائلاً إنها استمرار لموقف أوباما، الذي تحوّل في عام 2015 من دعم تغيير النظام إلى حلّ سياسي يؤيده مجلس الأمن الدولي للصراع، ما ترك الباب مفتوحاً أمام بقاء الرئيس السوري. وأضاف، “إذا استيقظ الأسد وقرر تبنّي هذا الحل، فسنعمل معه”.
الأسد غير مستعد للتنازل “إنشاً”
واعتبر جيفري أن مقاطعة الأسد مبررة، على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت على استعداد للتفاوض مع منتهكي حقوق الإنسان (إيران وكوريا الشمالية). وفي حالة البلدين الأخيرين، قال إنه “من المنطقي التفاوض معهما”، وتم إحراز تقدّم في بعض المجالات، بينما مع الأسد “لم يكن هناك أي مؤشر على الإطلاق” أنه سيكون على استعداد “للتنازل إنشاً”.
من ناحية أخرى، أوضح أن القادة في الشرق الأوسط وحول العالم “يعرفون ويثقون” ببايدن وبالمسؤولين المقرر أن يعملوا معه، واصفاً الفريق الذي رشحه الرئيس المنتخب حتى الآن بأنه “مطمئن”، وتوقع “استمرار إدارة أميركا لنظام الأمن الجماعي العالمي”. وقال إن التغيير المحتمل في “اللهجة” من إدارة بايدن من شأنه تحسين العلاقات الأميركية مع دول مثل كندا وألمانيا وفرنسا وحلفاء “ناتو” الآخرين، التي تعتبر حاسمة في فرض عقوبات ضد خصوم الولايات المتحدة.
حرمان إيران من الانتصار
ودافع جيفري عن الضربات الإسرائيلية في سوريا، قائلاً إن الطريقة الوحيدة لإخراج سلاح الجو من سماء البلاد ستعود إلى روسيا والأسد من خلال إقصاء القوات الإيرانية والمجموعات المدعومة من طهران من الدولة التي مزّقتها الحرب. ووصف ذلك بأنه “مطلب غير قابل للتفاوض”، مصرّاً على أن تدخّل إيران في سوريا “يعظم ويضاعف أسوأ غرائز الأسد تجاه شعبه وجيرانه”. وأضاف أن رئيس النظام يشكل خطراً وجودياً في الوقت الحالي، على الأرجح لإسرائيل وفي المستقبل، على أصدقائنا وحلفائنا الآخرين على الحدود مع بلاده، تركيا والأردن والعراق.
وبينما أعرب السفير السابق عن أسفه لعدم قدرته على إخراج إيران من سوريا، أكد أن السياسة الأميركية فرضت ثمناً باهظاً على نظام الأسد “وبصورة غير مباشرة من خلال ما نفعله، وما تفعله إسرائيل، وما نقوم به مع شركائنا الآخرين المتعددين. لقد قلّصنا بشكل دراماتيكي الفوائد التي تحصل عليها طهران من وجودها في سوريا”. وأوضح أنه إذا لم تكن الولايات المتحدة قادرة على التفاوض على حل وسط يتضمن ذلك، فإن “الاستراتيجية المؤقتة هي حرمانهم من الانتصار”.
وأكد الدبلوماسي السابق أنه وزملاءه يغادرون المنطقة في حالة أفضل مما كانت عليه عندما تولّى ترمب منصبه، وأنه بينما يتسلّمها متخصصون تحت قيادة الرئيس المنتخب جو بايدن، لكن قد يستفقد حلفاء أميركا في المنطقة القائد العام المنتهية ولايته الأكثر استقطاباً.
رسالة إلى بايدن
وكانت مصادر إعلامية أميركية قد كشفت عن مضمون رسالة وجّهها جيمس جيفري إلى إدارة بايدن، وأفادت المصادر بأنه قدم معلومات كاملة إلى الإدارة الجديدة فيها آخر المستجدات والتقييمات حول الوضع السياسي والأمني في سوريا. وأضافت أن الرسالة تضمنت كذلك تقارير عن العناصر والجماعات المتنافسة في البلاد ودور القوات الأميركية في كل من العراق وسوريا. كما أشارت المصادر إلى أن بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن عازمان على تصحيح أخطاء أوباما السابقة في سوريا.
سوسن مهنا
اندبندت عربي