ذكرت مجلة “فورين أفّيرز” الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تستطيع بمفردها احتواء طموحات الصين في توسيع نفوذها السياسي وقوتها الاقتصادية عبر العالم.
وأوضحت المجلة في تقرير لأوود أرني ويستاد، أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة ييل الأمريكية، أن السياسة الخارجية للصين مدفوعة اليوم بمزيج ضار من القومية ومظالم الماضي لكنها مشبعة بالصبر والواقعية، وأن بكين دائما ما تحاول، بفضل نموها الاقتصادي الاستثنائي، اختبار قدرة أي دولة أجنبية على الوقوف أمام مصالحها كما يصوغها الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.
وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أصدرت إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية تقريرا أكد أن السلطات الصينية تسعى إلى مراجعة النظام العالمي من أساسه خدمة لأهدافها الاستبدادية وطموحاتها في الهيمنة.
ويرى أرني ويستاد أن الولايات المتحدة لا تملك، أمام هذا التحدي، سوى سبيل إستراتيجي واحد للوقوف أمام طموحات بكين، هو استغلال التناقضات بين الهدفين الرئيسيين للحزب الشيوعي الصيني، وهما الحفاظ على القوة الاقتصادية وتنفيذ سياسة خارجية توسعية.
لذلك سيتعين على إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن أن تفعل أكثر مما قامت به كل من إدارتي الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب لمساعدة الدول الآسيوية التي تريد مقاومة الضغط الصيني، وأن تزيد وجودها العسكري في المحيطين الهندي والهادي، وأن تضع سياسات في مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا تكافئ الصين إن هي امتثلت للاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف وتعاقبها إن هي حادت عنها.
وأكد الكاتب أن أحد الدروس الرئيسة المستفادة من القرن الـ20، الذي لا يزال ساريا اليوم، هو أن الولايات المتحدة لا تستطيع القيام بأي من هذه الخطوات دون تعاون واسع من حلفائها وأصدقائها الدوليين.
وقال إن قيام الولايات المتحدة بالتصدي للمارد الصيني بمفردها يتجاوز قدراتها أكثر مما كان عليه الحال حينما واجهت الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة. ففي ذلك الوقت، كانت تحتكر بمفردها نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وكانت مع ذلك تحتاج إلى دعم الحلفاء، أما اليوم فحصتها أقل من نصف النسبة المسجلة آنذاك وقد تنخفض أكثر إن لم يتم تنشيط الاقتصاد الأمريكي.
قيام الولايات المتحدة بالتصدي للمارد الصيني بمفردها يتجاوز قدراتها أكثر مما كان عليه الحال حينما واجهت الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة
وأضاف أنه سيكون من مصلحة واشنطن أيضا في مسعاها لاحتواء النفوذ الصيني أن تبحث عن فرص تعاون أخرى، مثل محاولة حمل روسيا على الانتظام على نطاق أوسع مع الغرب دون الامتناع عن انتقاد سلوك موسكو الدولي كلما دعت الضرورة لذلك.
كما تحتاج الولايات المتحدة ليس فقط أن يكون لديها استجابات إستراتيجية ومؤسسية محددة تجاه بكين، ولكن أيضا -وبشكل جوهري- أن تعيد صياغة الجواب عن السؤال: لماذا ينبغي أن يكون لها هي موقع قوي عالميا في حين ينبغي أن تحظى القوى الأخرى بهامش تحرك أقل؟
وذكرت المجلة أنه خلال معظم القرن الـ20 كانت الإجابة عن هذا السؤال واضحة حيث كانت أمريكا متفوقة اقتصاديا وتقنيا وعسكريا، وكانت على استعداد لإنشاء تحالفات ومؤسسات دولية يمكن من خلالها للدول الأخرى تعزيز مصالحها.
لكن الوضع تغير اليوم، ومما زد الأمر تعقيدا أن الحزبية المنهكة للنظام السياسي الأمريكي وعدم قدرته على التعامل مع جائحة كورونا كشفا نقاط ضعف أمريكية ليشاهدها الجميع، وبات من المستحيل تقريبا بالنسبة لكثيرين في أنحاء العالم تخيل السياسات والمؤسسات الأمريكية على أنها نموذج يستحق المحاكاة.
وختمت “فورين أفّيرز” تقريرها بأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تنافس الصين بفعالية إلا من خلال إصلاحات أساسية في الداخل تشمل الاقتصاد والتعليم والصحة والبنيات التحتية، لذلك تحتاج البلاد أولا إلى حكومة قوية وقادرة وذات كفاءة تستند إلى إجماع سياسي ولو محدود بشأن نوع الدولة التي تريد أمريكا أن تكون، ودون مجهودات إعادة البناء في الداخل فإن أي محاولة للمنافسة في الخارج ستكون بلا جدوى.
القدس العربي