يسعى النظام الإيراني في الفترة المقبلة إلى إعادة ترتيب بيته الداخلي استعداداً لمرحلة انتقالية تستدعي تحصين جبهته الداخلية وضمان تماسكها بهدف الحفاظ على مشروعيته الثورية التي تتطلب استقرار مؤسسات الحكم وانسجامها سياسياً وعقائدياً، لذلك تتجه الأنظار نحو «الحرس الثوري» بوصفه المؤسسة الوحيدة القادرة على القيام مباشرة بهذه المهمة بالتنسيق مع ما يعرف في إيران بـ«بيت المرشد»، وقد ظهر أول ملامح مشروع السيطرة على مؤسسات الدولة بعد تنصيب شخصية دينية راديكالية على رأس السلطة القضائية؛ إذ يعدّ إبراهيم رئيسي أحد الفاعلين في دوائر «بيت المرشد» ومقرباً من قيادة «الحرس الثوري»، ثم جاءت الخطوة الثانية والأهم في دلالاتها حول تغير طبيعة السلطة في إيران إثر سيطرة «الحرس الثوري» على أكثر من نصف مقاعد مجلس الشورى (البرلمان) وانتخاب أحد جنرالاته السابقين قاليباف رئيساً له، لكن ذروة مشروع تمكين العسكر أو «الحرس» كانت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عندما أعلن وزير الدفاع السابق وأحد القادة العسكريين البارزين في «الحرس» الجنرال حسين دهقان نيته خوض السباق الرئاسي المقبل في شهر يوليو (تموز) 2021.
في 20 ديسمبر (كانون الأول) الحالي مهد مجلس الشورى الطريق تشريعياً أمام القيادات العسكرية لدخول السباق الرئاسي، بعدما عارض النواب مشروع قانون قدمته الكتلة الإصلاحية يقترح حظر ترشح كبار قادة القوات المسلحة برتبة عميد فما فوق لانتخابات رئاسة الجمهورية، بأغلبية 207 من أصل 237 حضروا الجلسة، كما صوّت المجلس على تعديل قانون الانتخابات الرئاسية، حيث سمح التعديل لأعضاء «مجلس تشخيص مصلحة النظام» و«المجلس الأعلى للأمن القومي» بخوض السباق. اللافت في تعديل القوانين أنه حدد مسبقاً المعايير التي يجب أن تنطبق على المرشحين وحصرها في فئة معينة؛ في مقدمتها العسكر، وترك لـ«مجلس صيانة الدستور» التحقق من أهليتهم.
اللافت في خطاب الترشح الذي أعلنه دهقان تأكيده أنه لا ينتمي إلى التيارين السياسيين التقليديين في إيران؛ الإصلاحي والمحافظ، وأنه يسعى إلى إيجاد جوّ من التفاهم والإجماع الوطني، وهذا في ظاهره أن «الحرس الثوري» يريد أن ينأى بنفسه عن الانقسامات السياسية وصراعات الأجنحة حتى داخل التيار المحافظ، ولكن في باطنه أن «الحرس» اتخذ قرار السيطرة على السلطة تحسباً لأي تداعيات داخلية وخارجية قد تهدد استقرار النظام، إضافة إلى أنه يمثل آخر عوامل تماسكه بعد صعود النزاعات القومية وتراجع البعد الوحدوي بين المجتمعات الإيرانية نتيجة تراجع شعبية النظام وفشل خطابه العقائدي في توحيد الإيرانيين.
عملياً؛ خرج ترشيح الجنرال دهقان من «بيت المرشد» أيضاً، بصفته مستشاره لشؤون التصنيع العسكري والاستراتيجية، وما كان لدهقان أن يقوم بهذه الخطوة لولا مباركة المرشد الضمنية له. ولعل دهقان أو جنرالاً آخر يمثل أحدهما الحل الأنسب لقيادة النظام في المرحلة المقبلة بعد خسارته الجنرال قاسم سليماني، الذي راهن عليه المرشد في تأمين المرحلة الانتقالية بعد رحيله، والتي من شروطها أن يكون الرئيس قوياً في فترة تسلم مرشد جديد، خصوصاً أن القيادة تجد صعوبة حتى الآن في تعويم شخصية دينية ترث موقع المرشد، ويجري الحديث في الأروقة الداخلية عن تشكيل مجلس شورى مؤقت من المتوقع أن يضم مجتبى نجل خامنئي وإبراهيم رئيسي ورجل دين ثالثاً يختاره «الحرس» بالتفاهم مع «بيت المرشد» إلى أن يتم لاحقاً اختيار أحد أعضائه مرشداً للجمهورية.
بين عضو «مجلس الأمن القومي» سعيد جليلي أبرز المرشحين عن التيار الأصولي، والجنرال حسين دهقان أحد مرشحي «الحرس الثوري» حتى الآن، يتجه النظام الإيراني في لحظة مفصلية داخلية وخارجية إلى السماح للعسكريتاريا الإيرانية بتعزيز قبضتها على الدولة، فيما تتصاعد المخاوف من أن يكون الاتجاه نحو مرحلة تشدد داخلية وخارجية، خصوصاً في المفاوضات مع الولايات المتحدة حول الملف النووي، وملفات أخرى حساسة تمس جوهر النظام وطبيعته.
حسن فحص
الشرق الأوسط