هل تغلق إيران مضيق هرمز بعد تهديدات خامنئي؟

هل تغلق إيران مضيق هرمز بعد تهديدات خامنئي؟

اياد العناز 

تصاعدت حدة الخطابات السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، بعد الاجتماع الذي عقده الرئيس ترامب مع اعضاء مجلس الأمن القومي وطلب فيه تسليم القيادة الإيرانية رسالة تتضمن الشروط الكفيلة بإيقاف الضربات الجوية مع إسرائيل والاقرار بالابتعاد عن استخدام الأسلحة النووية وتفكيك البرنامج النووي واعتماد صيغ جديدة لتوقيع اتفاق دائم عند لقاء ( ستيف ويتكوف) المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وجاء الرد الإيراني عبر الكلمة التي وجهها المرشد الأعلى علي خامنئي في الثامن عشر من حزيران 2025 والتي عبر فيها عن الموقف السياسي بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل واستمرار الضربات الجوية والصاروخية واعتماد الأسس الاستخبارية في مواجهة التحديات التحركات القائمة تجاه إيران.
وتزامن هذه المواقف السياسية مع الاصداء القائلة باحتمال قيام إيران عند اشتداء المواجهة أو أي تطور في الميدان العسكري، باستخدام ورقة مهمة طالما اعتمدتها عند كل أزمة سياسية أو حرب محتملة ضدها وتصعيد حدة التهديدات عليها بإغلاق مضيق هرمز تجاه الملاحة الدولية والتجارة العالمية.
ومرة أخرى تعود الأهمية الاقتصادية والإعلامية في تناول موضوعة وإمكانية السيطرة على مضيق هرمز والتعامل معه وفق الغايات والأهداف الإيرانية بعد تزايد التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط في ضوء استمرار الضربات الجوية والصاروخية بين إسرائيل وإيران، وللأهمية الاقتصادية المتعلقة بالتجارة الدولية وحاجة بلدان العالم لاستمرار تدفق الطاقة إليهم، وهو الأمر الذي تدركه إيران فإنها دائمًا ما تنظر إلى الحالة الميدانية للمضيق بما يتلائم وعملية أحداث حالة من التوازن في الضغوط السياسية والعسكرية التي تتعرض إليها من أي طرف كما يحدث الأن في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مواجهتها لإسرائيل.
ويمكن أن نقرأ الأهمية الجغرافية لمضيق هرمز في موقعه الاستراتيجي الذي يتمثل في الجزء الشرقي لمياه الخليج العربي والجزء الشمالي الخليج عُمان واللذين يشكلان لسانين بحريين متصلين بالمحيط الهندي، تحده إيران من الشمال والشرق ومن الجنوب سلطنة عُمان التي تشرف على على حركة الملاحة البحرية فيه كونه ممر للسفن التي تأتي ضمن مياهها الإقليمية، وحدوده الجنوبية الشرقية تمتد من رأس دبا على ساحل دولة الإمارات العربية المتحدة إلى منطقة دماجة على الساحل الإيراني، وهو الخط الذي يفصل مضيق هرمز عن خليج عُمان.
يعتبر المضيق ممرًا بحريًا حيويًا ويعتبر من أهم الممرات في العالم ويمر عبره ما يقارب خمس إمدادات النفط العالمية، وهو طريق ملاحي ضيق في منطقة الخليج العربي ويلقب بشريان الحياة للعالم الصناعي، ويبلغ طوله مسافة 160كم ويربط الدول المنتجة للنفط في الشرق الاوسط بالأسواق العالمية.
وأصبحت المنطقة البحرية التي تربط الخليج العربي بخليج عُمان والتي يقع فيها مضيق هرمز ذات أهمية استراتيجية بعد اكتشاف النفط في منطقة الجزيرة العربية وإيران واعتباره الممر الرئيسي لتجارة النفط والغاز العالمي، والمضيق الرئيسي للعالم ونقطة الاختناق التي تأتي في مقدمة ثمانية نقاط مهمة في العالم وتُعد ممرًا رئيسًا لتوريد النفط عالميًا.
ووفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA)، يعبر المضيق يوميًا ما يقرب من 21 مليون برميل من النفط، وهو ما يمثل حوالي 20% من إمدادات النفط العالمية، وحوالي 30% من النفط المنقول بحرًا. وتُعد دول الخليج، مثل السعودية، الإمارات، الكويت، والعراق، وإيران من أبرز الدول التي تعتمد على المضيق لتصدير نفطها إلى الأسواق العالمية،
وإلى جانب النفط، يمر عبر مضيق هرمز جزء كبير من التجارة البحرية للغاز الطبيعي المسال (LNG)، حيث تمثل شحنات الغاز المسال العابرة للمضيق حوالي 25%-30% من إجمالي شحنات الغاز الطبيعي المسال عالميًا، مما يعزز أهميته للاقتصاد العالمي وللدول التي تعتمد على الغاز المستورد، ويمثل مضيق هرمز أهمية خاصة للدول الآسيوية، لكونها الأكثر اعتمادًا على النفط والغاز الذي يعبر المضيق،حيث تستورد الصين حوالي 40% من احتياجاتها النفطية من دول الخليج عبر مضيق هرمز، كما تعتمد اليابان على المضيق في استيراد ما يقارب 80% من نفطها، وتعتمد الهند أيضًا بشكل كبير على النفط الذي يعبر المضيق لتلبية احتياجاتها من الطاقة.
و الأهمية التجارية تتمثل في عبور 20-30 ناقلة نفط يوميا خلاله، أي بمعدل ناقلة نفط كل 6 دقائق فى ساعات الذروة – محملة بنحو 40% من النفط المنقول بحرًا على مستوى العالم،
و22% من السلع الأساسية فى العالم (الحبوب وخام الحديد والأسمنت) تمر عبر المضيق.
تمثل دول الخليج العربي نسبة كبيرة من حجم التجارة العالمية والنهضة الصناعية التي تمر فيها عملية توريد الطاقة عبر مضيق هرمز، فحاجة السوق الأوربية للنفط تمثل نسبة 70٪ واستهلاك الولايات المتحدة الأمريكية يمثل نسبة 50٪،كما وأن ثلثي الإنتاج النقطي السعودي يمر خلال المضيق.
أن عملية الاغلاق التي من الممكن أن تقدم عليها إيران تشكل كارثة اقتصادية للعالم وتهديد للملاحة والتجارة العالمية وإضرار بالمصالح الاقتصادية الدولية والإقليمية بإعتباره الممر البحري الوحيد بين الخليج العربي وبخار العالم ومن ضمن (43) مضيقًا مائيًا تستخدمها السفن العالمية ، وعملية الاغلاق قد تؤدي إلى رفع أسعار النفط ما بين 200-250 دولار للبرميل الواحد وتزيد من تكاليف الشحن الدولي للبضائع والحاجيات الرئيسية التي تمثل وديمومة الحياة للعالم،
وإيران يتكون أكبر الخاسرين من غلق مضيق هرمز، لكونها تعتمد عليه فى تصدير النفط الخام إلى دول آسيا، خاصة الصين أكبر المستوردين منها، وهناك الدول الأوروبية (إيطاليا وإسبانيا واليونان) التي تتمتع بعلاقات اتفاقيات تجارية مهمة مع دول الخليج العربي وإيران ستكون أيضًا من الدول المتضررة بإغلاق المضيق ، كونها تستورد النفط الإيراني بالائتمان، بعد أن توقفت روسيا عن تصديره إليها بسبب تجميد اتفاق تعاون عسكري بين البلدين (اليونان وروسيا)، ويبلغ إجمالى ما تستورده الدول الأوروبية من النفط الإيراني 450 ألف برميل نفط يوميًا، أى بنسبة 18% من إجمالي الصادرات الإيرانية البالغة 2.7 مليون برميل نفط يوميًا.
أما فيما يتعلق بالعراق ودول مجلس التعاون الخليجي العربي، فإن عملية تصدير النفط ستتأثر في العراق بنسبة 98٪ ولدى المملكة العربية السعودية بنسبة 88٪، وإما نسبة التأثير لدى الإمارات العربية المتحدة ستبلغ 99٪ والكويت وقطر 100٪ ثم إيران 90٪، مع توقف وشلل تام لحركة التجارة وتعطلت موانئ الخليج العربي.
أن الرؤية السياسية الثوابت الإيرانية أنها تسعى دائمًا للتعامل مع محيطها الإقليمي والدولي بما تقضيها مصالحها ومكاسبها ومعروف أنها تتحين الفرص السياسية والاقتصادية لتنفيذ مشروعها الإقليمي، ولهذا فهي تنظر إلى عملية إغلاق مضيق هرمز وتعتبرها ورقة مهمة لها في قلب التوترات والأزمات الحاصلة في لعبة المناورات السياسية لمصالحها ولموازنة حالة الضغط السياسي والاقتصادي الذي تتلقاه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وما تعانيه وتعيشه من أزمات اقتصادية واجتماعية زاد تاثيرها في المواجهة القائمة مع إسرائيل واستمرار الضربات الجوية والصاروخية لعمقها الداخلي مستهدف المنشأت النووية والصناعية والحيوية ومقرات القيادة العسكرية والأمنية والحرس الثوري والوزارات والمؤسسات الحكومية المهمة، لهذا فهي قد تعمل على المناورة السياسية بالتهديد العسكري والاقتصادي في التوجه لعملية إغلاق مضيق هرمز كونه يشكل أهمية استراتيجية لجميع متطلبات الجوانب الحياتية والاقتصادية لعموم بلدان العالم، وأن العقوبات الاقتصادية التي شكلت جانبًا مؤثرًا زاد من حدة التوترات الميدانية التي تعاني منها إيران مما تجعل عملية الاغلاق حالة تراها مناسبة كون المنطقة ذات حساسية كبرى يمكن لها أن تؤثر بشكل مباشر على الحالة الأمنية في منطقة الخليج العربي وبالتالي تكون لها تبعيات اقتصادية على استقرار الأسواق العالمية واسعار الطاقة.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية