أمريكا وايران… بين حدود الربح وهاوية الخسارة

أمريكا وايران… بين حدود الربح وهاوية الخسارة


اياد العناز

قراءة سياسية بأطر أمنية لأبرز الأحداث والتطورات التي رافقت عملية الاعلان عن وقف الضربات الجوية والصاروخية بين إسرائيل وإيران، وما تلاها من مواقف ومبادرات للإدارة الأمريكية لإيجاد حل سياسي لإنهاء الخلافات والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، كان أبرزها ما تحدث به الرئيس دونالد ترامب من دعوة لإحياء وتحديد المفاوضات مع إيران والسعي لاتمام التحضيرات الخاصة بعقد الجلسة السادسة في العاصمة العُمانية ( مسقط) ووضع الأسس للبدأ بعلاقة تكون مراحلها الأولية ذات أبعاد اقتصادية تتمثل برفع جزئي للعقوبات الاقتصادية وإطلاق لبعض من الأموال المجمدة الإيرانية واستمرار تصدير النفط الإيراني للصين، مع العمل بوتائر متصاعدة لإعداد برنامج نووي سلمي يستخدم للأغراض العلمية والطبية والزراعية والصناعية ومراقبة ميدانية من الجانب الأمريكي والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا ما كانت تطمح إليه الإدارة الأمريكية في سعيها لفتح أفاق جديدة للعلاقة مع إيران ومعالجة آثار الدمار والخسائر الكبيرة في الميدان الإيراني بعد الضربات الإسرائيلية التي ابتدأت فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025.
استقبلت القيادة الإيرانية المبادرة الأمريكية بفتور كبير وعدم اهتمام بالغ بل صعدت من خطابها السياسي المعادي للولايات المتحدة الأمريكية عبر الخطاب الرسمي الذي بعث به المرشد الأعلى علي خامنئي للشعوب الإيرانية ورفض فيها العودة للمفاوضات قائلًا (أهنئكم بانتصار إيراننا العزيزة على النظام الأمريكي، لقد دخل النظام الأمريكي في حرب مباشرة لأنه شعر بأن الكيان الصهيوني سيُمحق بالكامل ما لم يتدخل، وتدخل لإنقاذه ولم يحقق أي إنجاز)، ثم تحدث موضحًا ما آلت إليه نتائج العلاقة مع واشنطن بالقول (وجهت الجمهوريّة الإسلاميّة صفعة قوية إلى أمريكا، إذ شنت هجومًا على إحدى أهم قواعدها في المنطقة، قاعدة العديد، وألحقت بها أضراراً)، ثم عاد يتحدث عن الاستسلام الذي سعى إليه الرئيس الأمريكي ترامب موضحًا (الرئيس الأمريكي قال: على إيران أن تستسلم لكن هذا الكلام أطول بكثير من قياس الرئيس الأمريكي).
قرأت الإدارة الأمريكية جيدًا الموقف الإيراني وعلمت أن المرشد الأعلى لا يزال عند موقفه المعلن من سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وعلاقتها مع إيران وأن لا جدوى من أي محاولة من إمكانية التوصل لاتفاق دائم بخصوص جميع الملفات المتعلقة بالبرنامج النووي والمشروع الإقليمي السياسي الإيراني وعلاقة الحرس الثوري بالتنظيمات والفصائل المسلحة التابعة له والعاملة في الميدان اللبناني واليمني والعراقي مع مراجعة مستديمة لبرنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، وهو ما جعل الرئيس ترامب يرد بتدوينة له ردًا على خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي تضمنت عديدًا من المواقف السياسية الجديدة والبعيدة عن ما جاءت به المبادرة الأمريكية التي أعلن عنها بعد توقف المواجهات المباشرة بين إسرائيل وإيران في الخامس والعشرين من حزيران 2025، وتحدث ترامب عن خامنئي قائلًا (بصفته رجلًا ذا إيمان عظيم، لا يُفترض به أن يكذب. لقد تم تدمير بلاده، وتم محو مواقعه النووية الثلاثة الشريرة، وكنت أعرف بالضبط مكان وجوده، ولم أسمح لإسرائيل، أو القوات المسلحة الأمريكية، الأعظم والأقوى في العالم، بإنهاء حياته. لقد أنقذته من موت بشع ومخز للغاية)، ثم أتم كتاباته عن مستقبل العقوبات الأميركية واستمرار فعاليتها بالقول (رفع العقوبات، وأمور أخرى كان سيمنح إيران فرصة أفضل بكثير للتعافي الكامل والسريع والشامل – العقوبات مؤلمة ولكن لا، بدلاً من ذلك، تلقيت بيانًا مليئًا بالغضب والكراهية والاشمئزاز، وتوقفت على الفور عن كل العمل على تخفيف العقوبات).
تزامنت المواقف الأمريكية الإيرانية مع القرار الذي اتخذته القيادة الإيرانية بعدم التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنع ومفتشيها من دخول الأراضي الإيرانية واتهامهم بالتجسس والعمل لصالح جهات دولية ورفض الإشراف والمراقبة على أي نشاط يتعلق بالوكالة الوطنية الإيرانية واعتبارهها من الأمور الجوهرية التي تمس أمن وسلامة البلاد، ومنع المدير العام للوكالة الدولية رافائيل غروسي من القدوم لإيران وزيارة المواقع والمنشآت النووية التي تضررت نتيجة الضربات الجوية والصاروخية الأمريكية، وحسب ما اعلنه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بقوله (إن هناك نية خبيثة وراء إصرار غروسي على هذه الزيارة، وأنه المسؤول عن تهيئة الظروف التي شجعت إسرائيل والولايات المتحدة على ضرب المواقع النووية الإيرانية).
شكلت المواقف الإيرانية تحولًا استراتيجيًا في كيفية التعامل مع الهدف الأمني والاستقرار النسبي كحالة وغاية انسانية إلى عملية علنية وذريعة سياسية لاستمرار حالة الخلاف ومنح العداء مع الولايات المتحدة الأمريكية بعدًا استراتيجيًا تخفي وراءه حالة من الضعف البنوي وتلاشي في القدرة الدفاعية والامكانية القتالية، فإيران لا تزال تعاني من أزمات داخلية تتعلق بجوانب اقتصادية واجتماعية وارتفاع في مستلزمات الحياة المعيشية وانخفاض كبير في عملتها الوطنية وارتفاع واضح في نسب التضخم والفقر والبطالة، ولكنها تعمل على التمسك بثوابتها في إدامة صراعاتها الإقليمية كهدف لإطالة عمر نظامها السياسي وبقاء مشروعها في التمدد والنفوذ للهروب من مشاكلها نحو بلدان أخرى، ولكن المواجهة مع إسرائيل كشفت عن عدة ظواهر مهمة تتعلق ببنية النظام ومدى فعالية وحضور أجهزته الأمنية وفضحت ما كان يخفية النظام السياسي من عجز في الإمكانيات وانهيار لمفهوم الأمان المستدام ووضوح الانهيار الشامل في كافة مرافق الدولة الإيرانية.
أن عملية عدم الاستجابة لمتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنما يعني الابتعاد عن الالتزام بما اتفق عليه في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي وقعت عليها مجموعة (5+1) في تموز 2015، وهو ما سيجعل الدول الأوروبية ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) تتأخذ موقفًا عدائيًا من السياسة الإيرانية تجاه مفتشي الوكالة الدولية والعمل باتجاه تفعيل ( آلية الزناد) وتشديد العقوبات الاقتصادية واستمرارها على إيران عند المناقشة عن مدى التزامها بالبنود الأساسية للاتفاق النووي واحتمالية رفع الملف الإيراني لمجلس الأمن الدولي بعد الخامس عشر من تشرين الأول 2025،
رغم معرفة إيران وادراكها أنها لن تستطيع من إعادة ما خسرته في برنامجها النووي بتعرض منشآتها للدمار ولن تتمكن من استعادة امكانياتها في تركيبة منظومات الدفاع الجوي الصاروخية لتحقيق الوسائل والأدوات الكفيلة بحماية مجالها الجوي، في حين أنها كانت تمتلك الإرادة لو تعاملت بشكل من المرونة السياسية والدوافع الذاتية وقبلت بالمبادرة الأمريكية بالعودة للمفاوضات والتي تمكنها من استعادة دورها الإقليمي وعلاقتها مع بلدان العالم وإمكانية رسم ملامح علاقتها القادمة مع حلفائها ( الصين وروسيا وكوريا الشمالية) للحصول على ما تريده وفق مصالحها ومنافعها ودعم قواتها المسلحة بجميع صنوفها من أسلحة ومعدات وطائرات مقاتلة حديثة وإعادة تركيبة وسائل نشاطها النووي وإمكانية استمرار التعاون التقني والفني في جميع المجالات الخاصة بالطاقة النووية.
إيران كان أمامها فرصة سياسية ذهبية في إعادة عملية تقويم مواقفها الدولية والإقليمية واستعادة دورها المحوري بعد تخلي إدارة الرئيس دونالد ترامب عن هدف تغيير نظامها السياسي الذي كان من أهم الأهداف الإسرائيلية التي سعت إليها المؤسسات والدوائر الأمنية والاستخبارية الايرانية، والتي أرادت منها واشنطن الانفتاح على إيران وابداء استعدادها للتعاون في كافة المجالات والملفات العالقة، مع تأكيد أمريكي على عدم التصعيد في حدة التوترات بمنطقة الشرق الأوسط والسعي لبناء علاقات متوازنة ودائمة بين بلدان المنطقة وحماية المصالح الأمريكية ومساعدة إيران في استعادة تطبيع علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وتوظيف موقعها الجيوسياسي والجيواقتصادي بإيجابية بعيدًا عن محاور العداء والقتال والخلاف المستمر.
إذا أرادت إيران الإستمرار في لعب دور مهم ورئيسي عليها أن تحدد بشكل فاعل ورأي واضح مستلزمات الموازنة وقتها بين حدود الربح الممكن وهاوية الخسارة المطلقة وأن توازن بين قدرات الميدان وضرورات السياسة وتترك الطريق مشاع أمام الحوار الدبلوماسي للخروج من دائرة الخطر بتحديد مراحل واضحة للجلوس على طاولة المفاوضات والانتقال إلى قطف ثمار ونجاح الطرق الدبلوماسية التي أصبحت حالة وجودية دولية في العلاقات السياسية بين دول العالم التي تسعى لمصالحها ومكاسبها ومنافعها بعيدًا عن النزاعات والحروب.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة