هذه السيناريوهات المتوقعة لتعامل بايدن مع العراق

هذه السيناريوهات المتوقعة لتعامل بايدن مع العراق

على وقع الأحداث المتصاعدة في العراق منذ أشهر، وبعد عشرات عمليات الاستهداف التي طالت السفارة الأميركية ببغداد وأرتال الدعم اللوجستي والقواعد الأميركية طيلة الأشهر الماضية، يحتدم الجدل حول العلاقة التي ستضبط إيقاع التعامل بين واشنطن وبغداد بعد تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن سيدا للبيت الأبيض يوم 20 من الشهر الجاري.

ولعل أبرز الملفات التي تشغل بال العراقيين تتمثل في احتمالات الصراع الأميركي الإيراني على الأراضي العراقية، التي باتت مسرحا للتوتر الأمني بين طهران وواشنطن منذ عام على خلفية اغتيال واشنطن قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي.

التميمي يرى أن واشنطن لم تصل إلى اعتبار العراق شريكا أو حليفا موثوقا فيه (مواقع التواصل)
طبيعة العلاقة
“لم تصل واشنطن إلى اعتبار العراق شريكا أو حليفا يمكن الوثوق به”، بحسب الباحث السياسي العراقي غيث التميمي، الذي يرى أنه رغم ذلك فإن الولايات المتحدة حريصة على إبقاء نوع من العلاقة مع بغداد بأي مستوى كان، فضلا عن أن العراق لا يستطيع التقاطع معها.

ويشير التميمي في حديثه للجزيرة نت إلى أن النفوذ الإيراني واضح في العراق، وبالتالي فإن طهران هي الأخرى حريصة على بناء تفاهمات مع واشنطن تجنبها ويلات 4 سنوات أخرى من العقوبات التي شهدتها في ظل حكم دونالد ترامب، وبالتالي يحرص الإيرانيون على منع التصعيد في العراق.

في حين يرى النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي شيروان الدوبرداني أنه ليس من الواضح كيف ستكون العلاقة بين واشنطن وبغداد بعد تولي بايدن السلطة في الولايات المتحدة، مشيرا في حديث للجزيرة نت إلى أن الأشهر القادمة ستكشف ذلك.

أما النائب عن كتلة “سائرون” صباح طلوبي فيرى أن البرلمان العراقي طالب قبل نحو عام بخروج القوات الأميركية من العراق بقرار برلماني، مؤكدا أن ذلك يمثل رأي الشارع العراقي.

ويضيف طلوبي للجزيرة نت أنه إذا سحبت واشنطن قواتها من العراق سيتم التعامل معها دبلوماسيا وفق التعامل بمبدأ المثل، بحسب تعبيره، بما يعني أن بغداد ستتعامل مع واشنطن وفق المصالح التي تخدم الشعب العراقي.

من جهته، يعتقد مهند الجنابي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جيهان أن العراق لم يصل حتى الآن إلى مستوى الشريك الذي يمكن لواشنطن الوثوق فيه، وأنه ما لم تتخذ بغداد خطوات تجاه الفصائل المسلحة والتصعيد، فإن واشنطن لن تعير أهمية كبيرة للعراق، وستبقى إستراتيجيتها منصبة على منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة.

مهند الجنابي يرى أن تصعيد التوتر قد يستمر من فصائل بدأت تستشعر خسارة مشروعها المدعوم إيرانيا (الجزيرة)
هل يستمر التصعيد؟
ويضيف الجنابي في حديثه للجزيرة نت أن الفصائل الشيعية التي تستهدف مصالح واشنطن تعد ضمن الإستراتيجية الإيرانية في العراق، وبالتالي سيناريو تصعيد التوتر قد يستمر من قبل بعض الفصائل التي بدأت تستشعر خسارة مشروعها المدعوم إيرانيا كما حدث مع سرايا الخرساني.

وتابع الجنابي أنه إذا ما تغيرت سياسة واشنطن تجاه طهران مع مجيء بايدن، فإن خطاب غالبية الفصائل سيتغير تدريجيا بناء على الرغبة الإيرانية، إلا أنه إذا ما استمر بايدن في نهج ترامب فإنه ليس من المستبعد أن يستمر مسلسل التصعيد، وقد يكون هناك رد أميركي بحجم تهديد المصالح الأميركية.

أما النائب عن محافظة نينوى أحمد الجبوري فيرى أن لعبة عض الأصابع بين إيران وأذرعها في العراق وبين الولايات المتحدة ستنتهي، وسيعاود الطرفان الجلوس معا لإعادة تقسيم النفوذ في المنطقة العربية بأسلوب جديد، بحسب تعبيره.

اعلان
ويتابع الجبوري حديثه للجزيرة قائلا “ستُقْطع خيوط الدمى التي حَلمَت بالرقص مع الكبار أو حتى البكاء معهم، لذلك لا تنتظروا ألعابا نارية أو بهلوانية”.

وبخلاف هذه الرؤية، يستبعد الخبير الأمني عبد الخالق الشاهر وجود تغيير شامل في السياسة الأميركية تجاه العراق، وأن واشنطن ترى ضرورة في وجودها لدرء الأخطار الإيرانية التي باتت تشكل هاجسا كبيرا لمصالحها، بحسب تعبيره.

وتابع الشاهر أن أسباب تمسك واشنطن بالعراق تكمن في أن الأوضاع الإقليمية في الشرق الأوسط حاليا تختلف عما كانت عليه إبان انسحاب واشنطن عام 2011، مستدركا أن إيران لم تكن حينها تشكل تهديدا لمصالح واشنطن في المنطقة بخلاف الوضع الحالي الذي تعرضت فيه مصالحها لعشرات الهجمات الصاروخية.

وهو ما يؤكده التميمي بأن بايدن يعد من صقور الحزب الديمقراطي، وبالتالي فإن هناك الكثير من العوامل التي لن تجعله يغفل عن أي استهداف للمصالح الأميركية، فضلا عن النفوذ الإسرائيلي المتنامي الذي بات يلعب دورا أكبر في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد التطبيع الأخير مع العديد من الدول العربية.وعن احتمال انسحاب واشنطن، يرى الشاهر أنها لن تنسحب من قاعدتي عين الأسد في محافظة الأنبار وحرير بكردستان العراق، خاصة وأن هاتين القاعدتين تقعان ضمن شبكة القواعد الأميركية الحيوية في العالم التي لن تفرط فيهما واشنطن بأي حال من الأحوال.

ويذهب في هذا المنحى عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية كمال خورشيد حيث يؤكد أن الانسحاب الأميركي الذي بدأ فعليا قبل أشهر من بعض القواعد لا يعني انسحابا كليا، فواشنطن عضو في التحالف الدولي الذي لا يزال يعمل في البلاد، مشيرا إلى أن الأوضاع في العراق والمنطقة باتت أشد تعقيدا مما كانت عليه قبل سنوات.

وعن الأسباب التي قد تؤدي إلى بقاء القوات الأميركية، يضيف للجزيرة نت أن “هناك أخطارا جمة محدقة بالبلاد، خاصة تدخل دول الجوار واستمرار خطر تنظيم الدولة الذي عاد لينفذ الكثير من الهجمات، فضلا عن أن العراق لا يزال بحاجة للدعم الأميركي الاستخباري والجوي”.

غير أن علي أغوان أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيان يعلق بأن استهداف المصالح الأميركية في العراق لن يتوقف ما لم يحدث اتفاق مباشر بين طهران وواشنطن، مشيرا إلى الرسائل الإيرانية التي ترسلها من داخل بغداد تجاه المصالح الأميركية.

ويتابع أغوان في حديثه للجزيرة نت أن الانسحاب مرتبط بالصراع ذاته، إذ كلما زاد الصراع بين طهران وواشنطن، قل النفوذ الأميركي داخل البلاد والعكس صحيح، إلا أنه يرى أن الولايات المتحدة لا تنوي سحب جميع قواتها وقواعدها من العراق تحت أي ظرف كان.

الدوبراني يرى أن جميع السيناريوهات مفتوحة في العلاقة بين بغداد وواشنطن (الجزيرة)
ما موقف الكاظمي؟
في ظل التحديات التي يواجهها العراق داخليا وخارجيا، يبرز دور رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي تسلم منصبه في وقت يصفه الكثير من المراقبين بأنه الأشد صعوبة في تاريخ العراق الحديث.

وهو ما يعلق عليه أغوان بأن الكاظمي يحتاج لمزيد من الإقناع والجرأة والمغامرة في آن واحد من أجل إيصال رسائل قوية لجميع الفصائل ولإيران وحتى للجانب الأميركي، مرجحا أن بايدن قد يقدم مزيدا من الدعم للعراق، لكن الجهد الأكبر سيقع على الكاظمي الذي لا بد أن يذهب نحو مزيد من الإجراءات والقرارات الهامة.

وبالعودة إلى مهند الجنابي، فإنه يعتقد أن تصور الكاظمي لا يتناسب مع حجم التحديات التي تعانيها البلاد، فضلا عن أن الكاظمي وفي حال مواجهته الفصائل فإن الكتل الشيعية والفصائل قد تلجأ لمحاولة سحب الثقة منه، وهنا ستبرز مشكلة أخرى في اختيار رئيس وزراء بديل يمهد للانتخابات المبكرة، وهو ما يعد من المستحيلات، بحسب تعبيره.

ويتابع أن استمرار نهج الكاظمي في عدم مواجهته الفصائل سيضعف من حظوظه في الانتخابات القادمة، مما سيمهد لخسارته الانتخابات وبقاء الوضع الداخلي على ما هو عليه.

الجنابي يرى أن التيار الصدري يستخدم الدعاية المبكرة ضد الخصوم (الجزيرة)
حكومة مناهضة لواشنطن
سيناريوهات عديدة تلك التي بدأت تشق طريقها للإعلام في العراق، إذ مع تعهد التيار الصدري بالحصول على مئة مقعد برلماني (من مجموع 329 مقعدا) وتشكيل حكومة يرأسها التيار الصدري، تطرح العديد من التساؤلات عن تعامل هذه الحكومة مع الولايات المتحدة.

جدير بالذكر أنه منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 لم تستطع أي كتلة سياسية الفوز بأغلبية المقاعد البرلمانية المؤهلة لتشكيل حكومة عراقية غير ائتلافية، مما أدى إلى أن تكون جميع الحكومات السابقة توافقية ومشكلة من غالبية الكتل داخل مجلس النواب.

وهو ما يعلق عليه الجنابي بأن هذه الفرضية سابقة لأوانها، وأن التيار الصدري يستخدم الدعاية المبكرة ضد الخصوم بصورة يحاول من خلالها إيصال رسائل لإيران والولايات المتحدة، مستبعدا حصول التيار الصدري على رئاسة الوزراء على اعتبار أن كلا من القوى الدولية وإيران لن تسمح بحصول التيار على منصب رئاسة الوزراء.

أما النائب الدوبرداني فيستبعد هو الآخر حصول أي كتلة سياسية على أغلبية برلمانية، فضلا عن أنه من المستحيل تشكيل حكومة عراقية من كتلة واحدة دون حدوث توافق مع الأكراد والعرب السنة وكتل أخرى.

المصدر : الجزيرة