العرب والعالم: مخاطر وفرص في العام الجديد

العرب والعالم: مخاطر وفرص في العام الجديد

العرب أمة واحدة تتوزعها دول متعددة، وتنتظمها نظرياً جامعة الدول العربية، وتفرّقها مصالح ومطامع وتدخلات خارجية. غير أنها تتعرض أحياناً لمخاطر مشتركة وتلوح لها فرص واعدة يغتنمها بعضها منفرداً وبعضها الآخر متعاوناً مع غيره، باستقلال عن قوى خارجية أو بمشاركة آمرة منها.
ما ملامح المخاطر والفرص في مبتدأ العام الجديد؟
لعل المقاربة الأفضل للإجابة عن السؤال هي في الإحاطة، ولو باقتضاب، بتحديات ثلاثة ماثلة تهدد العرب محليّاً وإقليمياً وعالمياً، وتستوجب المواجهة أو الاحتواء على النحو الآتي:
*اولاً، تفكيك لبنان وتحويله نظاماً فيدرالياً: أخفقت المنظومة الحاكمة في التوصل إلى تأليف حكومةٍ لإخراج لبنان من أزمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة، فتدخل الرئيس الفرنسي ماكرون وإدارة الرئيس الأمريكي ترامب ساعيين لتغيير الفريق السياسي الحاكم، بدعمٍ من عناصر قيادية من تنظيمات المجتمع المدني، بغية تأليف حكومة اختصاصيين منهم متمايزة عن حزب الله، ومتعارضة معه، والشروع من ثم في إعادة إنتاج نظام المحاصصة الطوائفية المتهالك، بصيغةِ لامركزيةٍ سياسية وإدارية يوجهها أساطين الأموال والأعمال في الداخل، والقوى المعادية للمقاومة والمتحالفة مع الكيان الصهيوني في الخارج.
من هنا فإن مواجهة هذا المخطط التقسيمي تكون باغتنام الفرصة الطارئة المتوافرة لبناء جبهة وطنية عريضة وحكومة راديكالية تتوليان في آن:
دعم المقاومة الناشطة ضد العدو الصهيوني،

ثمة مخطط صهيوني قديم – جديد يرمي لتفكيك الدول العربية إلى جمهوريات موز قائمة على أسس طائفية أو إثنية، لتغدو هي الدولة الإقليمية الأقوى

مواجهة الكيان الصهيوني وحلفائه في الداخل والخارج، خصوصاً العاملين على تفكيك الجمهورية وتحويلها نظاماً فيدرالياً أو كونفيدرالياً، والمباشرة في بناء دولة مدنية ديمقراطية.
(ج) الإنفتاح على الدول والشعوب المنخرطة في الصراع ضد قوى الهيمنة العالمية.
(د) التعاون مع تلك الدول والشعوب في شراكات للتنمية والإعمار، وتعزيز المصالح المشتركة وحمايتها.
*ثانياً، توريث «إسرائيل» وجود أمريكا الإقليمي ودورها: ثمة مخطط صهيوني قديم – جديد يرمي إلى تفكيك الدول العربية في محيط «إسرائيل» الجغرافي إلى جمهوريات موز قائمة على أسس قبلية أو طائفية أو إثنية، لتغدو هي الدولة الإقليمية المركزية الأقوى. هذا المخطط تبنّته إدارة ترامب بعدما تقلّصت حاجتها إلى نفط الخليج مع تعاظم إنتاج أمريكا المحلي من النفط الصخري، ومكاسب تصديره ما استوجب تالياً تقليص إنفاقها على وجودها العسكري في الإقليم، في منظور تحويل بلدانه إلى أسواق واسعة لمنتوجاتها الصناعية وأسلحتها العسكرية، وحماية المضائق وطرق المواصلات المفضية إليها. ذلك كله حمل أمريكا على تعديل استراتيجيتها على نحوٍ يؤدي إلى توريث وجودها العسكري بكل أشكاله إلى حليفتها العضوية «إسرائيل» لتنوب عنها في حماية حلفائها وأسواقها ومصالحها في منطقة غرب آسيا، الممتدة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى شواطئ بحر قزوين شرقاً.
تنفيذُ هذا المخطط يضع الولايات المتحدة في حال صدام مع إيران وتركيا، ذلك أن إيران مشتبكة أصلاً مع أمريكا بعد انسحاب الاخيرة من الاتفاق النووي سنة 2018 ومضاعفتها الحصار والعقوبات الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية، ودعمها «إسرائيل» في مخططها الرامي إلى تفكيك سوريا، كما في محاولتها منع إيران من التموضع عسكرياً في بلاد الشام وبلاد الرافدين. إلى ذلك، استاءت أمريكا من محاولات تركيا منعها من دعم المتعاونين معها من الكرد السوريين، بغية ترسيخ سيطرتهم على مناطق سورية واسعة شرق نهر الفرات، وفصلها عن الحكومة المركزية في دمشق، وتمكينها من استثمار حقول النفط ومكامنه فيها، وحثّها على تعزيز تعاونها مع الكرد في منطقة ديار بكر التركية المجاورة، وتطوير التعاون بين هاتين الفئتين الانفصاليتين، وصولاً إلى إقامة دولة كردية مستقلة.
كل هذه المخاطر تشكّل فرصةً لإيران، ولاسيما للعراق وسوريا المتضررتين من احتلال تركيا مناطق واسعة من جارتيها العربيتين، ومن وجودها في ليبيا ومن مطامعها النفطية في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. وعليه يُمكن، في ضوء ذلك كله، اغتنام هذه الفرصة لإقناع روسيا بممارسة ضغوط مشتركة على تركيا، وصولاً إلى سحب قواتها المساندة للتنظيمات الإسلاموية الإرهابية في شمال غرب سوريا وشرقها.
*ثالثاً، مواجهة جائحة كورونا في إطار مؤتمر أممي وصندوق دولي لتوفير الأموال والآليات للمعالجة: ثمة وقائع ودلائل تشير إلى اتساع انتشار جائحة كورونا (كوفيد-19) وتوالد سلالات أشد فتكاً من فئتها الأصلية، ما يستدعي قيام تعاون صادق وواسع بين الدول المتضررة، ولاسيما دول غرب آسيا، لتوفير اللقاح، وآليات المعالجة، وتدريب المختصين والممرضين. وبات واضحاً أن الدول المتقدمة المصنّعة للقاح الفعال، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، قد تتذرع بحاجتها الملحة لاستخدام اللقاح المنتَج في هذا المجال، لمعالجة العدد الهائل من المصابين في بلادها، ما يؤدي إلى منع، أو على الأقل تأخير، وصول اللقاح إلى الدول غير القادرة على إنتاجه، أو على تأمين المبالغ الباهظة المتوجبة لشرائه. كل ذلك يستوجب مسارعة منظمة الصحة العالمية إلى الإعلان، بأن توفير اللقاح الصالح وآليات المعالجة وتدريب الممرضين باتت قضية إنسانية عالمية، تستوجب عقد مؤتمر أممي عاجل للاتفاق على سبل المواجهة وإجراءات المعالجة بما في ذلك تأسيس صندوق دولي لتوفير الأموال والآليات والوسائل اللازمة، لتأمين المتطلبات والأدوية آنفة الذكر، وتنظيم وصولها إلى الدول والجماعات والمناطق المحتاجة، وفق برنامج يكفل عدم حصول تفاوت أو محاباة أو منازعة.
هل قيادات الدول المعنية بمواجهة التحديات الثلاثة الخطيرة هي على مستوى المسؤولية الاستثنائية المطلوبة؟

عصام نعمان

القدس العربي