لا يحتاج الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لمن يذكره بقيمة التحالفات. فبايدن يؤمن على عكس الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بقيمة شبكة الشراكات الأمريكية الدولية التي لا مثيل لها في نعزيز القدرات الدفاعية لأمريكا وتحفيز اقتصادها، والحد من قدرة منافسيها مع المحافظة على نظام عالمي مواتٍ لقيم الولايات المتحدة ومصالحها. لقد أعلن بايدن عن حق أن إعادة بناء تلك العلاقات ستكون من بين أولى أولوياته إدارته.
سيرحب أصدقاء أمريكا بالعودة إلى الحنكة السياسية الأمريكية الرصينة والمبدئية، لكن قلة منهم ستتبنى ببساطة أجندة بايدن. فالبعض سيسعد برؤية الولايات المتحدة تتحمل عبء مواجهة خصوم مثل روسيا والصين. والبعض الآخر سيميل إلى التركيز على حماية مصالحه الخاصة مدفوعا بحالة الخوف التي خلقتها سنوات حكم ترامب الأربع، كما فعل الاتحاد الأوروبي مؤخرا في توقيع اتفاقية استثمار مع الصين. وسوف يسعى منافسو الولايات المتحدة إلى توسيع كل شرخ بين واشنطن والعواصم الصديقة لها، بحسب وكالة بلومبرغ للأنباء.
يمكن لفريق الأمن القومي التابع لبايدن أن يبدأ، على حد تعبير رئيس بايدن السابق، بعدم القيام بأشياء غبية. فالتعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على منتجات العديد من الدول الحليفة كانت هزيمة ذاتية لأمريكا، وبالتالي يجب على بايدن إلغائها، والتوقف عن استهداف أصدقاء محتملين لأمريكا مثل فيتنام باتهامات تجارية مشكوك فيها. كما يجب عليه إنهاء المساومة غير المجدية حول تكاليف نشر القوات الأمريكية في اليابان وكوريا الجنوبية. وعليه أن يستمع إلى الحلفاء ويتشاور معهم ويشارك في قممهم حول مختلف القضايا بدءا من العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وحتى الحد من انتشار التكنولوجيا الصينية.
بعد ذلك، على الإدارة الأمريكية الجديدة السعي لتحقيق بعض المكاسب السريعة. وقال بايدن بالفعل إن الولايات المتحدة ستنضم مجددا إلى اتفاق باريس للمناخ، وتجدد المعاهدة الجديدة لخفض الأسلحة الاستراتيجية مع روسيا، وتنهي ما يسمى بالحظر على الهجرة من دول مسلمة، واستئناف التعاون مع منظمة الصحة العالمية. وعلى بايدن أن يتحرك بسرعة للاستفادة من أي فرص أخرى فيساهم في تمويل التحالف العالمي لتوفير لقاحات فيروس كورونا المستجد “كوفاكس”، وينسق مع الاتحاد الأوروبي من أجل الوصول إلى منهج مشترك لفرض ضرائب الكربون.
ويتعين على بايدن إظهار التزام جديد بالأطر متعددة الأطراف حتى يمكنه حشد الدعم للمواقف الأمريكية في القضايا الأشد صعوبة. من المرجح أن تساعد الدول الآسيوية في التصدي للممارسات التجارية الصينية إذا فتحت الولايات المتحدة أسواقها الخاصة أمام هذه الدول كجزء من شراكة جديدة عبر المحيط الهادئ. قد يكتسب ضغط واشنطن لإعادة كتابة قواعد منظمة التجارة العالمية مزيدا من الزخم إذا لم تمنع الولايات المتحدة تعيين مدير عام جديد وقضاة استئناف جدد فيها، حيث يمنع الفيتو الأمريكي الحالي على هذه التعيينات، المنظمة من القيام بدوره بشكل فعال.
وستكون هناك حاجة لصياغة تحالفات جديدة لمواجهة تحديات معينة. فمن غير المحتمل نجاح أي ضغط أمريكي على الحلفاء لعزل الصين على سبيل المثال. فالدول التي تخشى طموحات الصين العسكرية تحتاج إلى الوصول لأسواقها؛ والدول التي تستنكر انتهاكات الصين لحقوق الإنسان تحتاج إلى المساعدة الصينية في مكافحة تغير المناخ.
ويجب على بايدن أن يكون منتهزا للفرص، وأن يوجه المجموعات ذات التفكير المماثل للتعاون في قضايا معينة – فإحدى هذه المجموعات مثلا تركز على التكنولوجيا، وأخرى تركز على تعزيز المعايير الديمقراطية، وثالثة مخصصة لإصلاح نظام التجارة العالمية، وهكذا.
كما يتعين على بايدن فتح خطوط اتصال مع المنافسين كما يفعل مع الأصدقاء. ولا يمكن للولايات المتحدة أن توقف البرامج النووية الإيرانية والكورية الشمالية دون دعم من روسيا والصين. وينطبق الشيء نفسه على القواعد الجديدة حول الفضاء والحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والقطب الشمالي ومجموعة من القضايا الأخرى.
أخيرا، فإن المناطق التي على الولايات المتحدة الانسحاب منها وكيفية حدوث ذلك لا تقل أهمية عن الكيفية والمناطق التي عليها التدخل فيها. فعلى بايدن أن يكون أكثر جدية وتصميما من ترامب فيما يتعلق بسحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان. كما يجب عليه العمل على توفير التمويل والدعم الدولي لمنع انهيار الحكومات المحاصرة لهذه الدول.
ولكي تنجح الولايات المتحدة في كل هذا، يتعين عليها الاستثمار في الأدوات الصحيحة. ويجب إحياء دور وزارة الخارجية وتمكينها، وتعيين دبلوماسيين أكفاء ومنحهم الموارد التي يحتاجون إليها. و عليه زيادة التمويل لوكالات مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية، مما يوفر للبلدان النامية طريقاً إلى الازدهار لا يعتمد على الديون الصينية. كما يجب أن يفكر في الدبلوماسية بشكل أكثر شمولية، فلا يقتصر تواصل أمريكا على رؤساء الدول ورؤساء الوزراء ولكن أيضا مع رؤساء البلديات وقادة الأعمال والنشطاء المدنيين الذين يلعبون دورا حاسما في حل المشكلات على الأرض
وفي حقيقة الأمر، سيكون أكبر اختبار للرئيس الجديد بشأن السياسة الخارجية في الداخل، لأنه سيحتاج إلى إقناع الأمريكيين بشيء نسيه الكثير وهو أن التعامل مع العالم يضيف إلى أمن بلادهم وازدهارها، ولن ينقص منه.
(د ب أ)