يبدو أن مجلس النواب العراقي سيُقر موازنة 2021 خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد أن استطاعت اللجنة المالية تغيير شكلها وبنودها على نحو يختلف جذرياً عما أرسلته الحكومة في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2020، لتكون ذات طبيعة اقتصادية تقشفية وأكثر انفتاحاً على شرائح لا تعمل في القطاع العام.
فبعد عشرات الاجتماعات التي عقدتها اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي مع خبراء ووزراء ومديرين عامين ومحافظين وممثلي البنك الدولي وصندوق النقد والجهات المانحة، قررت اللجنة إيقاف التعيينات في القطاع الحكومي وجعلها محصورة بالدوائر الخدمية، لتنهي ملفاً كان يستخدم قبل كل انتخابات برلمانية أو محلية لجذب الناخبين.
أثار هذا القرار حفيظة بعض الكتل السياسية التي اتهمت اللجنة المالية بالعمل لصالح جهات فاسدة من خلال استقطاع ضريبة دخل من الموظفين وتحويلها إلى مقاولين وأصحاب شركات لإكمال مشاريعهم.
وكان هذا الأمر واضحاً في ردود ممثلي ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وبعض نواب قائمة الفتح، التي يتزعمها هادي العامري، إلى درجة أن نائباً، هو عدي عواد، هدد بإحراق نفسه إذا مررت الموازنة وفق التعديلات الأخيرة.
تخفيض العجز إلى 18 مليار دولار
وعلى الرغم من هذه المواقف، إلا أن اللجنة المالية توصّلت إلى خفض عجز الموازنة إلى 18 مليار دولار بعد أن كان 50 ملياراً، واعتمدت سعراً جديداً للنفط (45 دولاراً)، وأوقفت مخصصات مختلفة للدوائر الحكومية، وفق عضو اللجنة أحمد الصفار.
ويضيف الصفار أن “اللجنة أجرت كثيراً من التعديلات على الموازنة، بما في ذلك رفع الإيرادات من 93 إلى 101 تريليون دينار (64 إلى 69 مليار دولار) وخفض النفقات من 164 إلى 127 تريليون دينار (113 إلى 87 مليار دولار)”، فضلاً عن خفض سندات الخزينة من 40 تريليون دينار (27.5 مليار دولار) إلى أقل من 2 تريليون دينار (1.3 مليار دولار).
ويوضح الصفار أنه “بإمكان العراق الاستغناء عن إصدار السندات بعد ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتأمينها وفرة مالية من خلال الفرق بين السعرين العالمي والمقترح في الموازنة، إذا بقيت الأسعار على وضعها الحالي”، مرجحاً إقرار الموازنة في اليومين المقبلين.
وشملت التعديلات تخفيض موازنة الرئاسات الثلاث إلى 20 في المئة وإيقاف صرف المبالغ المخصصة للمؤتمرات والنثرية والضيافة في جميع الوزارات، وإلزام مجلس الوزراء بإعادة التقييم والتفاوض مع شركات جولات التراخيص النفطية ووقود وزارة الكهرباء.
وعن الخلاف بشأن نسبة إقليم كردستان في الموازنة، يبيّن الصفار أن “هذه الفقرة لم تحسم إلى الآن والمفاوضات حولها لا تزال مستمرة”.
تعديلات غير قانونية
ويرى خبراء اقتصاديون أن ما قامت به اللجنة المالية غير قانوني ويعد تجاوزاً لصلاحيات الحكومة، التي نص عليها في الدستور وستكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد العراقي.
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي إن اللجنة المالية خرقت الدستور والقانون وأجرت تعديلات كبيرة على مشروع الموازنة المرسل من الحكومة.
ويضيف “من صلاحيات اللجنة المالية إجراء مناقلات وتخفيض النفقات العامة، لكن ليس لها الحق بالتدخل في تفاصيل الموازنة التي هي من صلاحيات الحكومة”، مشيراً إلى اتخاذ اللجنة “قرارات قد تكون لها تداعيات سلبية، مثل رفع سعر برميل النفط الخام للمصافي المحلية من 3.5 إلى 17.5 دولار، الذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المحروقات، لا سيما وقود السيارات، بالتالي ازدياد تكاليف النقل والسلع والخدمات”.
ويرى المرسومي أن اللجنة المالية في تعديها على صلاحيات الحكومة تستغل غياب المحكمة الاتحادية التي تنظر في الطعون، مشدداً على ضرورة اعتماد مكتب تنسيق مشترك بين البرلمان ومجلس الوزراء، لتؤخذ هواجس الأول في الاعتبار عند العمل على موازنة البلاد.
وقلل متخصصون من التداعيات السلبية التي يمكن أن تتسبب بها التعديلات على قانون الموازنة العامة لأسباب متعددة.
ويقول رئيس مؤسسة المستقبل للدراسات الاقتصادية منار العبيدي إن التخفيض في الموازنة أمر طبيعي، وقد يكون هناك اتفاق بين البرلمان والحكومة على ذلك.
ويضيف العبيدي أن “البرلمان ليس من صلاحياته إجراء تعديلات كبيرة، لكن يبدو أن هناك اتفاقاً مع الجهات الحكومية على تغيير هذه الأرقام، بدل إعادتها إلى مجلس الوزراء مجدداً من أجل اختزال الوقت”، لافتاً إلى أن الحكومة أرسلت موازنة ضخمة لأنها تتوقع تقليصها بهذا الشكل.
ورجح العبيدي أن تكون الأمور أفضل خلال الفترة المقبلة بعد ارتفاع أسعار النفط، خصوصاً أن صندوق النقد الدولي يتحدث عن أن سعر 54 دولاراً للبرميل الواحد سيكون جيداً للموازنة العراقية، مشيراً إلى أنها “في المقبل ستكون موجبة وليست سلبية، وفق هذه التوقعات”.
مؤيد الطرفي
اندبندت عربي